كان الله في عونهم

جورج رياض

بقلم- جورج رياض
ذهبت بالأمس إلى السجل المدني المجاور لي بالمطرية لإستخراج نسخة من شهادة الميلاد المميكنة، كنت أظن أنني سأذهب في نزهة سريعة لأظفر بما أريد بدون أي مشاكل، خاصة أن الزحام يكون أشد والطابور يكون أطول عند إستخراج مستندات أخرى كالرقم القومي مثلاًَ.

لكن خاب ظني فوجدت طابوراًَ طويلاًَ للرجال لا يقل عدد المتواجدين به عن 50 شخصاًَ وآخر مثله للسيدات، كلهم أمام شباك واحد ينتظرون "الفرج" و"نوال المراد"، قلت لنفسي سأظل مثابراًَ وأستمر في الطابور فكلها ساعة على أقصى تقدير لإستلام الشهادة، خاصة أن الموظف يستخدم الكمبيوتر، وبالتالي فالأمر لن يحتاج أكثر من الضغط على زر "الكيبورد" وإدخال البيان وطباعته، مرت نصف ساعة والطابور لا يتحرك بل على العكس يزداد أفراده، حيث إتضح أن غالبية المواطنين يجلسون بالخلف كل يحجز مكانه ودوره وموقعه وفقاًَ للشخص الذي يقف خلفه.

الناس كانوا يتحدثون ويتذمرون، لماذا هذا الذل والهوان؟ ولماذا شباك واحد للرجال والسيدات في منطقة سكنية كثيفة كهذه؟ أحدهم ينتظر منذ ثلاث ساعات بدون جدوى في إنتظار الحصول على الأوراق الرسمية، قلت لنفسي لو إنتظرت في الطابور حتى نهاية ساعات العمل الرسمية بالسجل في الثالثة عصراًَ لن أحصل على ما أريد.

لم أيأس ولجأت إلى حيلة أخرى، فعلتها في مرة سابقة، فقررت التوجه إلى مكتب سجل مدني الوايلي، وهو مكتب أقل كثافة سكانية وحتماًَ سأحصل على المستخرج الرسمي طالما يوجد بعض الوقت أمامي، بالفعل ذهبت إلى هناك وفرحت لأن عدد الأفراد الموجودين بالطابور لم يتجاوز خمسة أفراد.

 
ظننت أن الأمر سيستغرق دقائق حتى إنتهى من المهمة "المستحيلة" التى أتيت إليها، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فالكمبيوتر "عطلان" وعلى الجميع الإنتظار، أتذكر أن المرة الماضية أن الكمبيوتر كان عطلان كذلك لكن بعد دقائق تم إصلاحه وقتها، أما هذه المرة فالأمر مختلف، ويبدو أن العطل عويصاًَ خاصة أن الأجهزة تبدو منتهية الصلاحية من تلك التي كنا نستخدمها منذ نحو 10 سنوات.

خلال دقائق من وقوفي بالمكتب سمعت وشاهدت العجاب من المواطنين المطحونين، أحدهم جاء متضرراًَ من تغير إسم إبنته في شهادة الميلاد من منى إلى منة، بسبب خطأ موظف والرجل يبدو أنه سيذهب في مهمة عسيرة بسبب هذا الخطأ، فالموظف طالبه أن يذهب للقسم ليستفسروا عنه وعن بياناته ويراجعوا الأوراق إنتظاراًَ لتصحيح الخطأ.

شخص آخر، يبدو أنه محامي، ومعه إحدى السيدات يبحث عن إستكمال بعض أوراقها، أخذ يصرخ في الموظفين الموجودين لأنه بإنتظار جلسة في المحكمة، كان يقول أنه جاء من الصباح والموظفة لم تلبي طلبه بسبب وجبة الإفطار ثم كوب الشاي ثم جاء عطل الأجهزة ليكمل البقية الباقية ويفقده أعصابه، ويجعله ذلك يهدد بعمل محضر للموظفة، أما السيدة التي جاءت معه، فتقول أنها تأتي منذ اسبوعين وكل يوم يقولون لها "الكمبيوتر عطلان" وحتى الآن لم تكمل ورقها.

العطل إستمر أكثر من ساعتين ورجعت منزلي مهزوماًَ، ولم أستطع إستخراج الشهادة، وقلت في نفسي معذور الشعب المصري، ومعذور المواطن الكادح الذي يتحمل كل هذا الذل، وكل هذه المهانة، بسبب إهمال وفساد حفنة من الموظفين.