هيام فـــاروق
بقلم: هيام فاروق
جاءت لزيارتي حيث كنت أعانى من وعكة صحية خفيفة .. جلست .. و تجاذبنا أطراف الحديث عن أحداث الساعة من غلاءٍ فاحش، وأزمة الطوابير، وأزمة التعليم وأزمة المرور، وغيرها من طابور الأزمات المصرية مرورًا بأنفلونزا الخنازير
وأخيرا أنفلونزا الماعز .. وبالطبع تخلل الحديث بعض القفشات المرحة والساخرة من كل هذه الأوضاع .. والحق يقال إنه كان حديثًا ممتعًا حيث إنها من الصديقات التي أحب مجالستهن لما تتميز به من ثقافة وخفة ظل خاصةً وأني لا أميل إلى حديث ربات البيوت ولكِ ولأسرتك كعادة أحاديث النساء.
و لكني كنت دائمًا ألمح في عينيها نظرة حزن وألم دفينة وشحوب في الوجه .. فصارحتها بشعوري هذا .. فقالت: "أبدًا.. إنها رتابة الحياة!!" .. فقلت هذا طبيعي .. ففاجأتني بسؤالها: "أترينَ أني مُمِلة في حديثي ؟؟؟"، قلت لا أبدًا بل بالعكس أنتِ تختلفين كثيرًا عن الأخريات .. فأعقبت هذا بسؤال آخر: "هل أنا قبيحة الشكل؟" فقلت: "لا.. فلا يختلف اثنان على أنكِ تتمتعين بجمال هاديء وديع" .. فأدمعت عينيها قائلة: "كنت أتمنى أن أسمع هذا الكلام من زوجي، أو حتى أرى في عينيه نظرة إعجاب ورضى". وهنا أدركت سبب هذه النظرة الحزينة ولأني لا أحب أن أقتحم خصوصيات الآخرين فقلت لها: "ولماذا لم تعاتبيه على شعورك هذا؟" فقالت: "اسمعيني جيدًا .. لقد تزوجنا منذ حوالي13 عامًا .. وطيلة هذه السنوات وأنا أحاول أن أرضيه بشتى الطرق ولكنه لا يعيرني أي اهتمام .. لا ينظر حتى إليَّ.. لا يهتم بي .. لا يُشعرني بأنوثتي.. بل دائم الانتقاد لي في كل شيء .. حتى في أثناء تبادل أي مناقشة بيننا دائمًا ما يُسرع بإنهائها قائلاً: ( إنتى مش فاهمة ) فأقول له: (طيب فهمني) فلا يجيب . .. حينما أرتدي ملابس جديدة مثلاً وأطلب رأيه، فإنه ينظر لي نظرة سريعة ويومىء برأسه دون اكتراثٍ قائلاً: ( كويس ) .. أنا لا أنتظر منه الكلام الحلو فأنا أعلم جيدًا أنه لا يجيد هذا النوع من الكلام، ولكنني فقط أريد أن ألمح اهتمامه و انبهاره بي كامرأة .. لماذا ألمح هذا فقط فى عيون الآخرين؟؟؟ فقاطعتها قائلة: "ربما يتعرض لضغوط خارجية فى العمل؟" فقالت: "لا.. منذ زواجنا و نحن على هذا الحال" .. قلت: "ربما يرى أنكِ متميزة عنه بعض الشيء و هو كرجل شرقى يرفض هذا؟" فقالت: "أبدًا .. بل هو المتميز عني في أشياء كثيرة، فهو في بداية العقد الخامس من عمره ولكن لا يبدو عليه أبدًا حقيقة عمره، فهو وسيم .. محترم .. لبق .. وجذاب". فتعجبت وسألتها: "هل يغار عليكي من نظرات الآخرين ولذلك يتخذ أسلوب النقد والإحباط لكِ؟" قالت: "لا.. بل بالعكس فهو يعطيني حرية كاملة وثقة ليس لها حدود" .. كثرت أسئلتى و تعجبي وقلت لها آخر سؤال: "هل تظنين أن فى حياته امرأة أخرى ؟؟؟؟" أجابت: "أبدًا.. ولا أشك فى هذا إطلاقًا، فهو إنسان محترم ووقور وغض البصر" .. قلت فماذا إذن؟ قالت: "لا أريد شيئًا سوى الاهتمام بى كامرأة .. أريد أن أشعر أنني مرغوبة فى عيون زوجي" و سرعان ما جففت دموعها قائلة: "عمومًا هذا هو حال بيوتنا فما الذي يبكيني !!! إنَّ الرجل خارج بيته يكون لبقًا .. وودوًا ومهتمًا بالمحيطين فلماذا لا يفعل هذا داخل بيته مع زوجته !!! لا أعلم؟!
صارحتها قائلة: "أحيانًا لا يحب الرجل أن يحيا فى خلفية المرأة واهتماماتها فهو يريد أن يشعر أنه ملك متوج وأنه يتمتع بمكانة عالية في قلب زوجته" .. فقالت: "والزوجة أيضًا تريد نفس هذا الشعور فهي تريد أن يشعرها زوجها بأنها أيضًا ملكة متوجة و لكن هذا لا يحدث".
قلت: "أحيانًا تتمتع الزوجة بفضائل كثيرة، ولكن كل هذه الفضائل تصبح بلا وزن أو قيمة إذا كانت الزوجة مثلاً ( نكدية ) ولكنى أيضًا أرى أن النقد الدائم من قِبل الزوج لزوجته سلوك مرفوض بل يسبب نفورًا دائمًا".
فقالت العبارة التي دائما ما تستفزني .. قالت: "صحيح لا يوجد كرامة بين الزوج وزوجته"، ولكني هنا قاطعتها في الحديث محتدة قائلة: "من قال لكِ هذه الحكمة الكاذبة؟ إن كل ما يدور بين الزوج وزوجته لابد وأن تحكمه الكرامة، والاحترام الكامل المتبادل .. فقالت لي: "عندك حق.. فأنا لي جارة متزوجة منذ خمسة وثلاثين سنة، و طول هذه الفترة لم تنتهِ المعارك الكلامية بينها وبين زوجها، ولكن الحق يقال لم يسقط أبدًا بينهما جدار الاحترام و لم تسمع منه ولا هو سمع منها يومًا كلمة واحدة تجرح الكرامة أو تدمي الكبرياء، و لم يصل الخلاف إلى حد الإهانة، وهى لم تجرؤ أن تتجاوز حدودها أو تفقد احترامها لزوجها.
حقًا لابد أن يبقى خط رفيع يربط بين الشريكين اسمه الاحترام .. أنا أرى أن كرامة الزوجة جزءًا من كرامة زوجها والعكس صحيح.
أنهينا الحديث ولكن تظل هذه الأحاديث مثارًا للجدل ... فلا توجد قواعد ثابتة أو صيغة واحدة للتفاهم بين أي اثنين .. فكل شريكين لهما طريقتهما في التفاعل والمناقشة والعتاب الرقيق واللمسات الحانية .. ولا شيء يصلح من هذه العلاقات سوى المفتاح السحري وهو الصـــــــلاة.
لا أريد أن أقول كلامًا معتادًا أسمعه كل يوم فى عظة ألا وهو: ( اجلسا معًا وليكن بينكما حوار وعتاب هادئ ) لا يا أحبائي فأنا أرى من وجهة نظري الشخصية أن هناك حوارًا فوق الكلمات، فأحيانًا لا يكون للشريكين ما يقولانه و قد لا يشعران بالرغبة فى الحديث ولكنهما يريدان أن يشعرا بالهدوء، و وجود الآخر دون إزعاج، فأحيانًا يكون الصمت أبلغ من الكلام وأكثر تعبيرًا عن المشاعر.
أتمنى أن نلتفت إلى علاقاتنا داخل بيوتنا ونعطيها اهتمامًا يفوق كل اهتماماتنا فنحن جيل متفتح ومستنير ولكن تنقصنا حكمة آبائنا وأجدادنا الذين كانوا يعرفون ويقدرون بل و يقدسون بيوتهم وزوجاتهم وأولادهم.
http://www.copts-united.com/article.php?A=11227&I=290