تقرير يرصد حالة حقوق الإنسان في العالم العربي في عام 2009

عماد توماس

كتب: عماد توماس - خاص الأقباط متحدون
تحت عنوان "واحة الإفلات من المحاسبة والعقاب"، أصدر مركز القاهرة لدراسات لحقوق الإنسان تقريره السنوي الثاني حول حقوق الإنسان في العالم العربي خلال عام 2009. ويأسف مركز القاهرة لدراسات لحقوق الإنسان لأن يعلن للرأي العام، أن حالة حقوق الإنسان في هذه المنطقة تتجه إلى المزيد من التدهور، حتى بالمقارنة مع الوضع المتدهور عام 2008.
تقرير يرصد حالة حقوق الإنسان في العالم العربي في عام 2009يستعرض التقرير أبرز التطورات ذات الصلة في 12 بلد عربي، هي مصر وتونس والجزائر والمغرب والسودان ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق والسعودية والبحرين واليمن.
كما يفرد التقرير فصولاً خاصة تتناول بالتحليل أداء الحكومات العربية داخل هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان وجامعة الدول العربية. ويعالج التقرير في فصل مستقل موقف الحكومات العربية من قضايا حقوق المرأة، وحدود التقدم المحرز فيها، ومدى استخدامها كورقة لتجميل "الصورة" أمام المجتمع الدولي، وللتملص من استحقاقات الديمقراطية وحقوق الإنسان للرجال والنساء على حد سواء.

فلسطين
يرصد التقرير أن الانتهاكات الإسرائيلية الهائلة المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، وبخاصة عبر الحصار والعقاب الجماعي لسكان غزة، وعبر العدوان الوحشي على القطاع، قد أفضت إلى مقتل أكثر من 1400 فلسطيني، كان 83% منهم من المدنيين ومن غير المشاركين في أعمال قتالية.
غير أن محنة الشعب الفلسطيني يفاقم منها استمرار الصراع بين "فتح" و"حماس" الذي أفضى إلى تسييس التمتع بالحقوق والحريات تبعًا للانتماء السياسي، وقيام طرفي الصراع بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق الخصوم، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب المفضي إلى الموت والقتل خارج نطاق القانون.

اليمن
بات من الواضح أن التدهور الهائل الجاري في اليمن ينذر بتقويض ما تبقى من كيان الدولة المركزية، في ظل سياسات تعطي الأولوية لتكريس احتكار السلطة والثروة واستشراء الفساد، وفي ظل نظام أدمن الحلول العسكرية والأمنية في إقصاء الخصوم؛ ومن ثم بات اليمن مسرحًا لحرب مستعرة في "صعدة" في الشمال وقمع دامي في الجنوب، وللحراك الاجتماعي والسياسي في عموم البلاد يستهدف الصحافة المستقلة ومدافعي حقوق الإنسان الذين يكشفون عورات النظام وانتهاكاته الجسيمة في الشمال والجنوب.

تقرير يرصد حالة حقوق الإنسان في العالم العربي في عام 2009السودان
مثل النظام السوداني أكثر النماذج فجاجة في الاستخفاف باستحقاقات العدالة وتكريس الإفلات من العقاب عن جرائم الحرب في دارفور. ليس فقط برفضه المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، بل أيضًا بإقدامه على معاقبة الرافضين لنهج الإفلات من العقاب بالسجن والتعذيب وإغلاق المنظمات الحقوقية، علاوة على مواصلته لأعمال العقاب الجماعي بحق سكان دارفور. وفي الوقت ذاته فإن سياسات نظام البشير المناورة والمساومة على استحقاقات اتفاق السلام بين الشمال والجنوب، باتت ترجح احتمالات الانفصال والتي قد تجر البلاد مرة أخرى إلى حرب أهلية دامية.

لبنان
كما أن لبنان، على الرغم من تباعد شبح الحرب الأهلية التي كانت وشيكة في العام الماضي، إلا أنه ظل يعاني من حالة ازدواج السلطة في ظل القدرات العسكرية التي يتمتع بها تحالف المعارضة بقيادة "حزب الله"، وهو ما أفضى إلى حالة من الشلل للمؤسسات الدستورية استمرت لأشهر طويلة عجزت خلالها الأغلبية الفائزة في الانتخابات النيابية عن تشكيل الحكومة. وحتى بعد تشكيلها، فإن توازنات القوى "العسكرية" بين الحكومة والمعارضة لن تسمح باتخاذ إجراءات جادة تضمن خضوع جميع الأطراف للقانون، وتؤمن كشف الحقيقة والمساءلة عن سلسلة من الجرائم والانتهاكات التي عايشها اللبنانيين عبر سنوات غير قليلة.

العراق
ورغم كون العراق لا يزال يشكل الساحة الأكبر للعنف الدموي ولإزهاق أرواح الآلاف من المدنيين، إلا أنه يشهد تحسنًا نسبيا في بعض المؤشرات –وإن كان على أرض هشة للغاية- ويتمثل ذلك في تراجع معدلات القتل، وتراجع التهديدات التي تطال الصحفيين وتبدلات في المشهد السياسي تكشف عن استعداد محتمل من بعض القوى الرئيسية المتصارعة لنبذ العنف والانخراط في العملية السياسية.

مصر
تقرير يرصد حالة حقوق الإنسان في العالم العربي في عام 2009وفي مصر مثلت عمليات القتل خارج نطاق القانون للعشرات من المهاجرين غير الشرعيين، أو عبر استخدام القوة المفرطة في ملاحقة بعض المشتبه بهم، وكذا ممارسات التعذيب الروتينية وجهًا بارزًا للحصانة التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية، في ظل حالة الطوارئ السارية قرابة ثلاثة عقود. بيد أن ملامح أخرى للتدهور برزت خلال عام 2009، تتبدى على وجه الخصوص في استخدام قانون الطوارئ على نطاق واسع في قمع حرية التعبير، وعلى الأخص في اعتقال واختطاف المدونين. كما أن اكتساء الدولة البوليسية بشكل متزايد بسمات دينية قد فاقم من الضغوط على الحريات الدينية، وأدى لاستشراء العنف الطائفي كمًا ونوعًا بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث.

شمال افريقيا (تونس- الجزائر- المغرب)
في تونس بدت الدولة البوليسية مطلقة اليد في ممارساتها الهمجية ضد النشطاء السياسيين والصحفيين ومدافعي حقوق الإنسان والنقابيين والمنخرطين في الحراك الاجتماعي، في الوقت الذي كان يجري فيه تهيئة المسرح لإعادة انتخاب الرئيس بن علي، بعد إدخال تعديلات دستورية تقطع الطريق على ترشيح منافسين جادين.
وفي الجزائر ظل قانون الطوارئ وميثاق "السلم والمصالحة الوطنية" وتطبيقات مكافحة الإرهاب، مدخلاً معتمدًا لتكريس سياسات الإفلات من العقاب، والتغطية على الانتهاكات الشرطية الجسيمة، والإخلال بمعايير العدالة وبضمانات حرية التعبير. ومهدت تعديلات دستورية لتكريس محتمل لحكم الرئيس بوتفليقة مدى الحياة، عبر انتخابات كانت محلاً لعدة مطاعن رغم كونها جرت في غياب منافسة حقيقية.
أما المغرب بدوره للأسف يشهد تراجعًا ملحوظًا عن المكتسبات الحقوقية التي حظى بها المغاربة عبر عقد من الزمان، وخاصة في ظل التقاعس في تبني جملة من الإصلاحات المؤسسية في قطاعات الأمن والقضاء لمكافحة الإفلات من العقاب. وقد أضيرت المكانة النسبية الأفضل للمغرب بفعل الغلو في عدم التسامح مع حريات التعبير، وبخاصة إذا ما تناولت الملك أو الأسرة الملكية، أو بعض مظاهر الفساد المؤسسي. علاوة على تزايد وتائر القمع التي تستهدف الاحتجاجات المناهضة لوضع الصحراء الغربية تحت الإدارة المغربية، والذي وصل حد إحالة بعض النشطاء الصحراويين للمحاكمة العسكرية لأول مرة منذ 14 عامًا.

سوريا
على أن سوريا التي دخلت فيها حالة الطوارئ عامها السابع والأربعين، ظلت تتمتع بمكانتها المتميزة في الإجهاز على جميع صور المعارضة والحراك السياسي، والمظاهر المحدودة للتعبير المستقل، وفي قمع حراك الأقلية الكردية في مواجهة سياسات التمييز المنهجي ضدها، وتوجيه ضربات متلاحقة لمدافعي حقوق الإنسان. وقد وجدت أبرز تجلياتها في اعتقال ومحاكمة مهند الحسني رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان، وإحالة محاميه هيثم المالح –الرئيس السابق "للجمعية السورية لحقوق الإنسان"- لمحاكمة عسكرية، وإغلاق مقر "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير"، والاحتفاظ داخل السجون بالعشرات من سجناء الرأي والمطالبين بالديمقراطية.

البحرين
في البحرين اقترن التمييز المنهجي المتواصل ضد الأغلبية الشيعية بتوترات متزايدة داخل المملكة، ومزيد من الممارسات القمعية لحرية التعبير والتجمع السلمي، وبات المدافعون عن حقوق الإنسان أهدافًا متزايدة للاعتقال والمحاكمات وحملات التشهير الإعلامي. وامتد الأمر إلى حد السعي لملاحقتهم وترهيب بعضهم داخل بعض البلدان الأوروبية.

تقرير يرصد حالة حقوق الإنسان في العالم العربي في عام 2009السعودية
في السعودية، لاحظ التقرير أن الخطابات الملكية الداعية للتسامح الديني والحوار بين الأديان في الخارج، لم تنعكس داخل البلاد، حيث يواصل جهاز الشرطة الدينية ممارساته في تقييد الحريات الشخصية وتتواصل الضغوط على الحريات الدينية، وحيث يستمر التمييز المنهجي على أسس مذهبية ضد الشيعة. كما ظلت سياسات مكافحة الإرهاب تكرس الاعتقال التعسفي طويل الأمد، والتعذيب حتى بحق نشطاء سياسيين يطالبون بتبني بعض الإصلاحات، مثلما تكرس إهدار معايير العدالة عبر محاكمات شبه سرية استهدفت المئات خلال العام الحالي.
بالتوازي مع الانتهاكات الجسيمة، وتسييد نهج الإفلات من المساءلة والعقاب داخل البلدان العربية، لا يبدو غريبًا ما يرصده التقرير داخل هيئات الأمم المتحدة من تنسيق وعمل متناغم بين مختلف الحكومات العربية، وبالتعاون مع الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي من أجل تقويض النظام الدولي لحماية حقوق الإنسان، وإفراغه من أي مضامين تسمح بمساءلة الحكومات، أو تضمن مراقبة وتقييم أدائها بصورة جادة في مضمار حقوق الإنسان، وهو ما وجد تعبيره على وجه الخصوص في الهجوم واسع النطاق على نظام المقررين الخواص، والمنظمات غير الحكومية، ومحاولات محمومة لتقنين تقييد حرية التعبير بمزاعم منع "ازدراء الأديان".

واتساقًا مع هذا النهج، تقدم جامعة الدول العربية وقمتها دعمًا متواصلاً لنظام البشير الموصوم بارتكاب جرائم حرب، ويحتمي أعضاؤها بمزاعم "السيادة الوطنية"، للصمت والتواطؤ على الانتهاكات الخطيرة في عدد كبير من البلدان العربية. ولا تبدو ثمة آمال يمكن تعليقها على الحماية الإقليمية لحقوق الإنسان، من خلال الجامعة العربية، وخاصة إذا ما وضع في الاعتبار أن لجنة حقوق الإنسان العربية المنبثقة عن "الميثاق العربي لحقوق الإنسان" –على تواضعه مقارنة بالمواثيق الإقليمية لمناطق أخرى- تتشكل من أعضاء بعضهم يشغلون مناصب حكومية، وان الأمانة العامة للجامعة تسعى لحصار اللجنة، وتعيق انفتاحها على المنظمات غير الحكومية، وتعمد إلى شل قدراتها على العمل بصورة مستقلة، حتى في الحدود الخانقة التي يسمح بها الميثاق.

أهدى المركز التقرير إلى روح المناضل محمد سيد السعيد الذي توفى في 10 أكتوبر أثناء إعداد التقرير. بالإضافة إلى سجناء الرأي في العالم العربي، وقدم التقرير بهي الدين حسن-مدير المركز.

يمكن تحميل التقرير كاملا باللغة العربية انقر هنا

ولتحميل مقدمة وموجز التقرير بالإنجليزية انقر هنا