شئ من الحياء يا دكتور سرور!

منير بشاي

بقلم: منير بشاي
قامت الدنيا ولم تقعد منذ أن قامت سويسرا بإستفتاء شعبها الذى بناء عليه  قررت حظر بناء المآذن على أرضها. مع أن سويسرا -على حد علمى- دولة مستقلة ذات سيادة ولها دستورها وقوانينها ونظامها التشريعى القائم على الديمقراطية الفعلية التى لم يعرفها يوما عالمنا العربى الإسلامى. ومع ذلك فإن القرار لم يعجب أحدا فى العالم العربى الإسلامى، غير القليل من المفكرين غير المتعصبين.  أما الغالبية العظمى سواء على مستوى رؤساء الدول أو كبار مسئوليها أو قياداتها الدينية أو كتابها فقد أثار القرار غضبهم وتهديدهم للغرب با لويل والثبور وعظائم الأمور.

        وقد وصل الأمر إلى تحذير الرئيس الليبى معمر القذافى من حرب صليبية جديدة قائلا: "الدعوة إلى حظر المآذن والتخويف من الأسلمة هى لعب بالنار وستنقلب عليهم (يقصد الغرب)...وأريد أن أنبههم أنهم إذا كانوا يريدوا عالما متعاونا وإستثمارات متبادلة وسلاما وإستقرارا ينتبهون ويقفون عند حدهم. أما إذا كانوا يريدون أن ندخل مرحلة صليبية جديدة. ندخلها وهم البادئون".
        وفى مصر وصف مفتى الديار المصرية على جمعة الإستفتاء بالإهانة التى طالت كل المسلمين فى العالم بصرف النظر عن المسلمين فى سويسرا، معتبرا أن ما حدث هو أكبر من إساءة طفيفة للحرية الدينية.
        وقال أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامى أن تأييد منع بناء المآذن فى سويسرا يمثل نموذجا جديدا من العداء للمسلمين فىأوروبا.

        أما الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب المصرى فقد أوضح، متكلما كرجل قانون، أن الإستفتاء الذى حدث فى سويسرا يعتبر إساءة للحريات الدينية وأشار إلى أن الحرية الدينية معناها إحترام الرموز الدينية مؤكدا أن المآذن جزء أساسى من الرمز الإسلامى للمسجد.
        ولكن بعيدا عن الإنفعالات العاطفية ومحاولة لإلقاء نظرة هادئة منطقية على الموضوع يتضح لنا ما يلى:
أولا: قرار سويسرا بحظر المآذن ليس له صلة بالدين من قريب أو بعيد. وهو ليس قرار معادى للإسلام أو المسلمين. لأنه لو كان هذا هو الهدف لكان موضوع الإستفتاء تجريم العقيدة الإسلامية أو وقف هجرة المسلمين وإستبعادهم من البلاد. لكن شيئا من هذا لم يحدث فلا يوجد تضييق على الوجود الإسلامى هناك أوعلى بناء المساجد. القرار أساسا هو قرار معمارى وليس دينى. والمعروف عن الأوروبيين أنهم فخورون بالطراز المعمارى الذى يعبر عن حضارتهم. وقد وجدوا أنفسهم فجأة أمام هذا التيار الجارف القادم من الشرق الذى يبنى المساجد بالجملة مغيرا المظهر العام والطراز المقبول لدى عامة الشعب فأحسوا بأن طابعهم المعمارى قد أصبح مهددا.  والذين يعيشون فى أى بلد أوربى أو أمريكى يدركون حساسية الجيران فى أى حى عندما يقوم أحد ملاك المنازل بعمل ديكور نشاز للمنزل من الخارج أو دهان المنزل بلون غير مألوف وكيف يمكن أن يؤدى هذا إلى إمتعاض الجيران وربما يؤدى إلى بخس قيمة البيوت المجاورة وتنفير المشترين للبيوت فى المنطقة كلها.

        ثانيا: المآذن لم تكن يوما جزءا من العقيدة الإسلامية وهى بالتأكيد ليست ركنا من أركان الإسلام. ولم تدخل فى الشكل العام للمساجد إلا حديثا. ولا يذكر لنا التاريخ الإسلامى أن المساجد التى بنيت فى عصر الرسول فى مكة أو المدينة أو فى الفترة الأولى بعد تأسيس الإسلام كان بها مآذن. هذه المآذن أضيفت الى تصميم المساجد فى عصور لاحقة وليس لها مدلولات مقدسة.
        ثالثا: المساجد التى بنيت فى المرحلة الأولى من قدوم المسلمين إلى أوربا أو أمريكا لم يكن بها مآذن بل وحتى لم يكن يطلق عليها إسم مساجد. كانت تسمى فى تلك المرحلة مراكز إسلامية وكانت تلحق بها مجرد قاعة تستخدم للصلاة. ويبدو أن تلك المرحلة كانت بمثابة "مرحلة الإستضعاف" عندما كان الإسلام فى الغرب ضعيفا ومتسامحا  ثم جائت بعدها "مرحلة القوة"حيث كشف الإسلام عن عضلاته وبعدها جاءت "مرحلة الجهاد" وهى عندما قوى باعه وكشف عن انيابه واحس المسلمون أنهم قادرون على فرض إرادتهم بالقوة.
        رابعا: المآذن ليس لها مبرر عملى فىالعصر الحديث. فليس هناك الآن مؤذن يعتلى المنبر ويؤذن على الناس فى كل إتجاه كما كان يحدث فى القديم. لقد إنقضى هذا العهد ولم يعد هناك حاجة إليه مع ظهور بدائل أخرى جاءت لنا بها التكنولوجيا الحديثة لتعرف المسلم بموعد الصلاة ويمكن أن تؤذن له داخل بيته فى الموعد المحدد إذا أراد.

        خامسا: وجود المآذن فى بلاد كلها مسلمين ربما له مبرره طالما كان هذا هو ما يريدوه. ولكن فرضها على بلاد معظمها لا يدين بالإسلام لا معنى له إلا ربما للأغراض المظهرية. وهذه الأسباب مع أهميتها للمسلم ولكنها لا تقع تحت بند الحرية الدينية وتحريمها ليس معناه إضطهاد دينى موجه ضد الإسلام.
        سادسا: مئات الملايين بل ربما المليارات من الدولارات التى تضخها الدول الإسلامية المنتجة للبترول لبناء مساجد فى الغرب، هى عبارة عن تحف فنية اسلامية باهظة التكلفة، واضح أن لها هدفا يختلف عن مجرد توفيرأماكن للعبادة للمسلمين الموجودين فى المنطقة. يبدو أن الهدف هو جذب انتباه الناس بغرض تمكين الوجود الإسلامى وفرض الأسلمة على هذه المجتمعات بقوة الدولار بعد أن عجزوا عن فرضها بقوة السيف.
        سابعا: إذا كان المسلمون يعتبرون هذا القرار تعدى على حقوقهم فليرونا موقفهم من بناء الكنائس فى أراضيهم وهل يفوق فى تسامحه عن هذا . هناك من البلاد مثل السعودية تحرم تحريما كاملا بناء الكنائس بينما هناك من البلاد مثل مصر تضع العراقيل أمام بناء الكنائس وتفرض شروطا تعجيزية لبنائها أو ترميمها وتقبض على كل متلبس بتحويل بيته للصلاة دون ترخيص فى ظل عدم توفر ولو كنيسة واحدة للصلاة فى القرية.
        كلمة فى أذن دكتورنا رجل القانون الجهبذ ورئيس مجلس لشعب المصرى: إذا كان بيتك من زجاج لا ترشق الناس بالحجارة. أنت بالذات الذى ترأس مجلسا يرفض مناقشة مشروع بناء دور العبادة الموحد وتؤجله من دورة الى دورة وقد أغلقت عليه داخل الأدراج.  كان الأجدر أن تخرج الخشبة من عينك حتى تستطيع أن تبصر جيدا القذى فى عيون الآخرين.
 ولكن يبدوا أن الذين إختشوا قد ماتوا.