أصحاب الجنسية السويدية

حكمت حنا

بقلم: حكمت حنا
لم يكن غريبًا على قيادات الصحف القومية وأقطاب الحزب الوطني وصف د. محمد البرادعي "الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية" بأنه يحمل جنسية سويدية، فالأفكار التي طرحها الرجل كشرط لترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية لم تكن مقبولة وغريبة في مجتمع بات يحكمه ويسيره نظام استبدادي تعسفي حتى يصبح من يحمل أفكار التغيير الفعلية غير منتمي لهذه البلد يحمل جنسية أخرى.
وأعتقد أن ذلك ليس انتقاصًا من شأنه لأن هذا الوصف يحمل في مضمونه حقيقة تكشف وعي واستنارة فكر ذلك الرجل بالفعل، كان من المدهش والصادم على رجل مصري يعتز بمصريته أراد ترشيح نفسه لخوض انتخابات الرئاسة لعام 2011 ويعلن شروط ترشيحه التي يعلم أنها لن تتحقق، لذا أعلن ترشيحه لأنه يعلم أنه لن يرشح نفسه في ظل هذه الشروط التعجيزية والتي وقعت أيضًا كالصاعقة على رؤوس قيادات الحزب الحاكم.

فهل من الممكن أن يحدث في يوم من أيام تاريخ النظام المصري بمختلف حكامه منذ قيام ثورة يوليو 1952 إلى ما شاء الله أن تقوم لجنة قومية مستقلة ومحايدة تتولى تنظيم إجراءات العملية الانتخابية ضمانًا لنزاهتها، والإشراف القضائي الكامل على الانتخابات وتواجد مراقبين دوليين من قبل هيئة الأمم المتحدة كضمانة لتحقيق الشفافية؟ وهل من الممكن أن يتيح نظام الدولة مساحة متكافئة في أجهزة الإعلام الحكومي لمرشحين ليتمكنوا من طرح أفكارهم؟ وهل من الممكن أن يتم إزالة كل العوائق الدستورية والقانونية المقيدة لإتاحة الفرصة لكل التيارات للترشيح وأن يتم الترشيح لانتخابات الرئاسة على غرار المعمول به في الدول الديمقراطية سواء كانت نامية أو متقدمة؟
هذه كانت شروط وأفكار الرجل الذي انتقدوه وصفوه بأنه يحمل جنسية غير مصرية، وكلها لن يتحقق في ظل وجود نظام قسري يشمل كل أدواته وأجهزته، فعندما طرحت الدولة فكرة وجود إشراف قضائي على الانتخابات البرلمانية حدث تضليل وتعتيم وانقسم القضاة لفريق كمم فاهه وسمح بالتزوير لأن أغلبهم كانوا خارجين على المعاش ولم يحدث أي استقلال مزعوم، وفريق آخر شاهد ما حدث وعندما تكلم ضاعت هيبته القضائية والكل يعرفهم كنماذج مشرفة في القضاء الغير مشرف.

أما بخصوص إتاحة الفرص المتكافئة للمرشحين في انتخابات الرئاسة ليتمكنوا من طرح أفكارهم في أجهزة الإعلام الحكومي، فلم يحدث ذات مرة ووجدنا باقي الأحزاب غير الحزب الحاكم لتعبر عن نفسها إلا في نطاق محدود جدًا وضيق للغاية كما حدث في انتخابات الرئاسة السابقة لتجميل صورة النظام، لأن النتيجة معلنة قبل إجراء أي انتخابات، ومن المعروف أن نشاط الأحزاب ينحصر فقط داخل مقراتها دون ذلك فهذا إجراء محظور تعاقب عليه، فلا مظاهرات أو وقفات احتجاجية بحكم القانون، وطالما كان السند التشريعي بمواده يتيح هذه الإجراءات التعسفية فلا مجال للحديث عن تغيير، فتغيير الدستور نفسه لم يكن إلا عملية ترقيعية لمزيد من التعسفية، فالمادة 77 لم تحدد إلى الآن مدد الرئاسة والمادة 76 وضعت شروط الترشيح للرئاسة لتقف حائل دون تقدم أي مرشح لانتخابات الرئاسة، وغيرها من المواد التي وصفتها واشنطن والاتحاد الاوروبي بالمواد الخطرة بالدستور، وقد تحققت النبؤة الأمريكية عندما أعلن بوش أن التعديلات الدستورية الأخيرة ستؤدي عكس ما أعلن عنه مبارك بشأن القدرة على تشكيل حكومة تتقبل وجود المعارضة.

وفي الحقيقة لا معارضة في الحكومة ولا في مؤسساتها، فما بال الانتخابات الرئاسية، فالوضع يحتاج لانفجار شعبي لا ثورة قيادية ليشمل كل أجهزة الدولة، لأن الوضع بات من الصعب تغييره بالمصطلحات التي أصبحت كلشيهات عن الإصلاح والتنمية والتطوير، فالعبرة بالشعب لأنه أكثر القطاعات شحنًا وفقرًا وألمًا في ظل النظام الذي يعيش في ربوعه، وقديمًا قال فرح أنطون الصحفي اللبناني (قائد الثورة الرومانسية من طرابلس) لا تقل لي هاتوا زعيمًا صادقًا بل قل لي هاتوا شعبًا راقيًا وأنا الكفيل بزعيم حر بين الحقول وأكواخ الفقراء.
فيا ليت الشعب المصري يحمل أفكار البرادعي صاحب الجنسية السويدية.. وقتها سنغير الأمور.