حالة عاطفية وحالة أمنية

بقلم كريمة كمال

 هناك حالة تجتاح المجتمع المصرى الآن وهى حالة يمكن أن تكون مفهومة لكنها من الناحية الأخرى لابد ألا تكون مقبولة هذه الحالة وقع فيها الجميع البعض ممن يقودون المشهد والبعض ممن يديرون والبعض ممن يحللونه والبعض ممن يسوقونه.

 
هذه الحالة تبدأ من التعبئة لتصل إلى التخوين والتشهير أما التعبئة فهى تتمثل فى كثير من المنابر الإعلامية وتنتهى بكثير من أداءات بعض الإعلاميين ونستطيع أن نرصدها دون أى جهد فى حشو الساعات الإعلامية بالأغانى الوطنية.
 
السؤال الذى يطرح نفسه فى لحظة مصيرية واضحة كالتى تمر بها مصر الأن والتى هى فى الواقع حرب تشن عليها من الداخل والخارج أيضا.. هل نحن فى حاجة إلى الحشد من هذا النوع أم أننا أمام احتياج حقيقى للمزيد من المعلومات والتحليلات؟ المصريون يقفون بالفعل مع القيادة الجديدة ومع الجيش والشرطة ولمن لم يتخطوا مشاعرهم التقليدية نحو ما تم على يد الجيش والشرطة فى مراحل سابقة أقول ليس معنى الالتفاف حول الجيش والشرطة نسيان ما جرى أو التنازل عن حقوق ضحاياه، لكن معناه أنك تحاسب كل صاحب قرار على قراره سواء بالإيجاب أو السلب ولا تتمترس فى عداءات متوارثة أو تقليدية حتى وإن اختلف الموقف واختلف القرار بل واختلفت القيادات أو على الأقل بعضها.
 
معنى هذا أن المصريين الآن ليسوا فى حاجة إلى الشحن المعنوى والعاطفى بالأغانى والأداءات التى تتسم بقدر كبير من المبالغة بل هم حقا ملتفون ليس بناء على حشد ولكن بناء على واقع يفرض عليهم هذا الالتفاف حول القيادات وحول خارطة الطريق الجديدة، لأنهم ببساطة يخوضون حرب بقاء ليس لهم كأفراد ولكن للدولة المصرية ككل وللوطن، لذا تبدو فكرة الحشد التعبوى على طريقة الستينيات فكرة ساذجة والأكثر سذاجة فيها أننى أعتقد أنها تتم بشكل تلقائى من البعض والسبب وراءها هو الإحساس بالتهديد لمصر وللدولة المصرية وللمصريين الذى نعيشه فى كل لحظة مع توالى مشاهد وحشية ودموية لم يعتدها المصريون فى تاريخهم الطويل، وهو المشهد الذى يستدعى لدى البعض هذه الحالة التعبوية ويستدعى لدى غيرهم القفز من الاختلاف وحتى الرفض إلى الإدانه والاتهامات بالخيانة والعمالة، وهو ما وجدناه فى رد الفعل على موقف الدكتور البرادعى الذى لا أختلف فى صدمتى من الموقف شخصيا لكن المفهوم فى مثل هذه الحالة أن نسعى إلى فهم الرجل وفهم الموقف ولا أقول قبوله وليس إلى اتهام الرجل بالعمالة والخيانة، فليس علينا أن نمد خطا حتى نهايته لنصل إلى الإدانة بينما يمكننا أن نصل إلى الفهم ليس مطلوبا منا أن يكون كل ما يجرى أمنيا حتى طريقة تفكيرنا وتحليلنا للموقف أو للمواقف.. فالمشهد مزدحم بكثير من الأسئلة والتحليلات وقد يرى البعض أن المواجهة الأمنية ليست مطلوبة وحدها وأن الحل السياسى والتفاوض هو البديل الذى يجعل الغد ممكنا لكن السؤال هنا هل يمكن التفاوض قبل أن تستقر معادلات القوة على الأرض؟
 
أدرك تماما أن الموقف الدموى الذى يدور الآن وسقوط الضحايا تلو الضحايا يستدعى العواطف قبل أن يستدعى العقل لكننا فى هذه اللحظة ذاتها نحن أحوج إلى أعمال العقل والتحليل بدلا من الشحن والإدانة لنكون أقدر على المواجهة.
 
المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع