جرجس بشرى
بقلم- جرجس بشرى
أثارت الفتوى التي صدرت مؤخراً عن مركز الأبحاث بدار الإفتاء المصرية، والتي تتعلق بإباحة تعدُد الزوجات في المسيحية، ردود أفعال شديدة من قبل الكنيسة المصرية على مُختلف مذاهبها وطوائفها، وذلك لسبب بسيط جداً وهو أن هذه الفتوى تتعلق بشأن مسيحي بحت، ولا يجوز للأزهر الشريف أو دار الإفتاء المصرية أن التدخُل في الشأن الديني المسيحي تحت أي شكل أو أي مُسمى.
الغريب جداًَ أن الفتوى صادرة في شأن مسيحي وهو ما يكشف لنا عن محاولة تغلغُل الفتوى الإسلامية لتنال قطاعات جديدة في المُجتمع المصري من أتباع الديانات الأخرى المسيحية واليهودية.
وكأن المسيحيين بقيادتهم الدينية عاجزين عن فهم تعاليم الدين وأنهم في أمس الحاجة إلى مُرشدين من رجال الدين المسلمين يستفتونهم في أمور دينهم.
والكارثة الحقيقية هنا أن مُجتمعنا المصري ما زال يُعاني من مهزلة الفتاوي الغبية التي كان لها بالغ الأثر على سُمعة الإسلام والمسلمين ليس في مصر فحسب بل على مستوى العالم كله، مثل فتوى رضاعة المرأة لزميلها في العمل، في حالة إذا ما كانت ظروف العمل تقتضي وجودهما معاًَ، وقد كان لهذه الفتوى الغريبة بالغ الأثر على صورة الإسلام في الدول الخارجية حيث سجل الأزهر بعد هذه الفتوى أعلى نسبة إرتداد عن الإسلام.
حيث إعتبرت النساء اللواتي كن قد دخلن الإسلام أن الفتوى تمُثل إنتهاكاً صريحاًَ لُحُرمة جسد المرأة، كما سمعنا عن الفتوى التي صدرت عن أحد الشيوخ والتي تمنع تجرُد الزوجين من ملابسهما أثناء الجماع (المُعاشرة الجنسية) وغيرها من الفتاوى الغبية.
أما بخصوص الفتوى الذكية الصادرة عن دار الإفتاء والتي قالت بتعدد الزوجات في المسيحية، فهي فتوى مرفوضة تماماً وغير مقبولة بالمرة، لأن المسيحيين لهم عقيدتهم ومرجعيتهُم الخاصة بهم، ولن أكون مُبالغاً أبداًًَ إذا قُلت أنها فتوى أثمة ومن أفتوا بها أثمون ليس في حق المسيحية وحدها بل في حق الإسلام نفسه كدين!!!
لأنه معروف أن الفتوي تصدر من ذوي الإختصاص لمعرفة شرعية أو عدم شرعية ما يقوم به المسلمين ـــ المسلمين فقط ـــ من أعمال أو أفعال أو مُمارسات سواء كانت متُعلقة بجوانب دينية أو إقتصادية أو سياسية أو إجتماعية، وليس من حق دار الإفتاء أن تُفتي لغير المسلم في مثل هذه الأمور حتى ولو كان مرجعيتها في الإفتاء الكتاب المقدس، لقد تناست دار الإفتاء قول الله تبارك إسمه لرسول الإسلام محمد (ص) بالحرف الواحد "وإن كنت في شك مما أنزل إليك فإسال الذين أوتوا الكتاب من قبلك"، وهو ما يؤكد للرسول نفسه أن مرجعيته الوحيدة في حالة إذا ما شك فيما أُنزل عليه في قرآنه هو الكتاب المقدس، فالأية القرآنية واضحة وصريحة ومباشرة، الأمر الذي ينفي تماماً صحة وجوب إفتاء مسلم أياً كان شأنه أو علت منزلته، لأتباع الديانة المسيحية أو اليهودية في شئون دُنياهم بل وآخرتهم أيضاً، فالمسألة محسومة بالقرآن الكريم نفسه ولا نقاش فيها، وهو ما يجعلنا نتجاوز الحد ــ وهو تجاوز مقبول ومُبررــ لنقول أنه وفقاً للأية الكريمة السابقة، فإن المسيحيين هم الأولى بإفتاء المسلمين في أمر دينهم!!
مع أن المسيحية نفسها لا توجد بها فتوى ولا تعترف بالفتوى بل تستند في تعاليمها إلى كتاب الكتب "الكتاب المقدس" الذي لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن هنا فإنني أطُالب دار الإفتاء المصرية أن تضع حداً لمهزلة الفتاوي التي إنتشرت بصورة مُخيفة وسخيفة والتي إمتدت إثارها السيئة لتنال من سُمعة الإسلام أولاً، ومجتمعنا ثانياً الذي أصبح مُعظمه أسيراً ومُقيداً، وعبداً لرجال دين يفتون فيما لا يعلمون على طول الخط، والتي لو تُركت دون ضابط ستكون تداعياتها كارثية على الجميع.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=1079&I=30