بقلم- اسامة انور عكاشة
يبدو الوزير أنس الفقي هذه الأيام وكأنه يصارع أمواج »نوة« من أعتي نوات الشتاء الإسكندراني التي تدور رياحها حول المركز لتشكل دوامة من مشاكل الإدارة ومايسمي بإعادة الهيكلة وما أهلت به علي أهل المبني الذي قيل عنه في سنوات ميلاده الأولي.
أنه ولد عملاقاً فهذا المولود عملاق يتراءي لعين المراقب حالياً وكأنه صندوق باندورا بدون وجود الهولندي الطائر: زحام وصراخ واحتجاجات واعتصامات وأعداد كبيرة من بني ماسبيرو تطالب الوزير بالاستماع إلي شكاواها واستغاثاتها ورعبها مما هو آت ويضطر معاليه إلي »فرد البساط الأحمدي« و»النزول للقاعدة الجماهيرية الغاضبة« ليناقش ويحاور مدركاً أن أول العلاج »مرّ« وأن ما انعقدت النية عليه لابد أن يحدث مهما بلغت تكاليفه »التكاليف لا تعني هنا المادة أو التمويل«.
وأن ما يخيف ويثير القلق والانزعاج لدي جمهور العاملين في ماسبيرو تقرر أمره منذ سنوات وقد بدأت خطواته الأولي تدب علي الأرض في هدوء وبدون أي ضجة إعلامية في أول الأمر ولكن آن لهذه الخطوات أن تسرع وتتسارع من أجل تفعيل البرنامج المقرر .
يزعم بعض المشككين بالسليقة أنه لا يوجد برنامج أصلاً وأن المسألة تجري خبط عشواء حسب التساهيل« وإن كنا ضد هذا التصور الذي ينبع من فقدان ثقة مزمن بين ما يعلن وما يجري بالفعل بل نكاد نؤمن بأن هناك خطة حقيقية للتغيير في الكيانات الإعلامية الموجودة بالفعل ولكن هذه الخطة لابد أن تلاقي الكثير من التعقيدات والمشاكل كلما اقتربت ساعة الحقيقة.
والمطلوب أن يتم فك الاشتباك بين ملكية أكبر جهاز إعلامي في مصر بين الدولة والقطاع الخاص فقد كان الموقف لسنوات طويلة يحتوي علي مفارقة غير منطقية تدعو للعجب والتساؤل:
تغيرت عقيدة الدولة اقتصادياً إلي اعتناق أسلوب التنمية الرأسمالية الليبرالية والدخول في منظومة الدول المؤمنة بسياسة »دعه يعمل، دعه يمر أي نظام المبادرة الفردية والحرية الاقتصادية الكاملة وطبقا لهذا التغيير الدراماتيكي كان من الطبيعي ان يجري ما جري من خصخصة تؤدي بالضرورة إلي تقليص ملكية الدولة للأصول التي استولت عليها في ظل نظام التوجه الاشتراكي طيب الذكر .
وتناولت الخصخصة كل شيء وامتدت برامجها عبر كل المساحات.. وحدها المنظومة الإعلامية كانت المشكلة: فالتوجه الليبرالي الذي اعتنقته الدولة يتناقض بالكامل مع بقاء وسائل الإعلام مملوكة لها تحت دعوي أن الإعلام سلطة سيادية يجب أن تظل تحت السيطرة الدائمة للدولة بنظامها الحاكم وحكومتها التنفيذية.
لذا كان من اللازم إعداد برنامج »توفيقي« للجمع بين المتناقضين هو الذي يجري تفعيل خطواته الآن ومواجهة الآثار الجانبية له. وضمن هذه الخطوات تم منذ سنوات.. البدء بأهم وأخطر مساحات العمل الإعلامي تلك المساحة التي تجمع الفن مع الإعلام في سلة واحدة هي إنتاج الدراما من خلال أجهزة وزارة الإعلام
وبعد أن ظلت عملية الإنتاج الدرامي التليفزيوني تحت السيطرة التامة للتليفزيون بكل أجهزته الإنتاجية والتسويقية والرقابية حدث الانفتاح الثاني في تاريخ مصر وهو الانفتاح الثقافي والفني إذ فتحت بوابات استديوهات ماسبيرو واستديوهات السينما والاستديوهات المملوكة لأجهزة إنتاج استثمارية أخري »شركة مدينة الإنتاج الإعلامي« للإنتاج الخاص مشاركاً أو منفذاً وانتهت إلي الأبد أسطورة إنتاج الدولة فانتهت معها نماذج الإنتاج الرفيع التي امتلكت بها مصر موقع الصدارة والريادة الذي تربعت عليه طوال سنوات علمت فيها ورعت وأسست قواعد الفن نفسه فن الدراما التليفزيونية.
لكل الدولة الشقيقة بالمنطقة المحيطة وكنتيجة محققة للتوقف وتغيير عقيدة الإنتاج والنزول بالدراما المصرية إلي سوق التجارة الرخيصة بدأ الخط البياني في الهبوط وظللنا منذ سبع سنوات إلي اليوم »السنة الثامنة« باطراد منقطع النظير نشكو إلي حد الصراخ من انهيار المستوي وتدنيه إلي أسفل سافلين.
وها نحن الآن وقد دخل الموسم الدرامي عنفوانه الذي سيؤدي أكله في المولد السنوي لسيدي رمضان في أغسطس القادم. ولم يعد هناك جدوي من استدراك الأخطاء والخطايا التي بكينا عليها وبكينا منها في الأعوام السابقة أي بصراحة لم يبق أمامنا إلا حائط المبكي - وأعوذ بالله من التشبيه - نخبط رؤوسنا فيه ككل عام.
إذن فكلامي الآن أعني به الموسم القادم أي 2010 إن عشنا بإذن الله وأتساءل ماذا قدمنا من خطوات جادة علي طريق الإصلاح؟ ما هو الجديد الذي فعلناه لننهي حدوتة »دوخيني يا ليمونة« الذي مللنا من سماعها عاماً بعد عام وما هو الخلاص من قبضة الحتمية الدورية للدراما التجارية كل عام.
يأتي رمضان يسبقه سيل عارم من الطبل والزمر لما سنشاهده فيه من روائع ومع الطبل والزمر تحقيقات وريبورتاجات ولقاءات مصورة عن »الجانات« و»الفيديتات« اللائي واللواتي سيجعلون ويجعلن ليالي الشهر الفضيل أحلي من ليالي الأنس في فيينا.
ويدخل رمضان ويبدأ السيل العرم هذه المرة هو سيل المسلسلات الذي ينهال علي الجماهير المتحلقة حول أجهزة التليفزيون في البيوت والنوادي والمقاهي لتغرق الجميع في أمواج من الألغاز المتقاطعة والقصص البلهاء سريعة التجهيز وبعد الطوفان تظهر حمامة سلام تمسك بمنقارها غصن الزيتون ويتنفس المشاهدون الغرقي الصعداء بعد أن غيض الماء وانحسر المد واستطاعوا أن يدركوا العيد في سلام وتبدأ زلزلة أخري أو لنقل ليبدأ طوفان جديد من الاحتفالات والاستفتاءات وحفلات التكريم للفائزين في المسابقات الوهمية.
وتدور عجلة البروباجندا التي تستهدف إقناع الناس بأنهم إنما عاشوا أسعد فترات عامهم المنقضي مع مسلسلات رمضان الراحل. ثم يأتي دور الندم والتحسر علي الساعات الضائعة والعقول التي استهلكت في نفس الرمضان وتبدأ عملية أخري لجلد الذات ولكنها في الأغلب عملية تسكين وامتصاص لا جدوي منه وسريعاً يدخل الموسم التالي ولا عزاء للمشاهدين.
أريد في النهاية أن أذكر - والذكري تنفع المؤمنين بأنه. كان يا ما كان في سالف الأزمان.. ومنذ ثلاثة أعوام بالتحديد أن جلس كبار كتاب الدراما ومخرجيها مع الوزير أنس الفقي الذي بادرهم بإلقاء الكرة في ملعبهم: أنتم أصحاب المشكلة وأنتم الأقدر علي حلها.. تفضلوا وابحثوا وناقشوا وضعوا لي قرارات الإصلاح وسأوقعها وأصدرها في التو واللحظة.
وصدقنا وفعلنا ما طلبه معالي الوزير واتخذنا مجموعة من القرارات وزعناها علي محاور تتناول كل جوانب الأزمة.. وكان كل هذا يجري في إطار الإعداد لمؤتمر مائدة مستديرة round table يترأسها السيد الوزير والسيد رئيس الاتحاد الأستاذ أحمد أنيس لتحيل قرارات لجان إلي قرارات وزارية قابلة للتنفيذ الفوري.
ولكن وكما يحدث غالباً لم ينعقد المؤتمر وتحولت مقررات اللجان إلي دوسيهات »الحفظ والصون«. وأهمس في أذن معالي الأستاذ أنس الفقي وعلي استحياء شديد والله العظيم: سيادتكم فاكر؟ ان كنت ناسي أفكرك.
نقلا عن الوفد
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=1068&I=29