عماد توماس
عرض: عماد توماس
هناك مثل إيطالي يقول: كلما ابتكرت العدالة قانونًا جديدًا، ابتكر الناس طريقًا للتخلص منه، وربما ينطبق هذا القول على حالنا في عالمنا الشرقي، فلدينا كمية هائلة من القوانين والتشريعات وأيضًا كمية لا بأس منها من طرق التحايل على هذه القوانين!!
وهذا الكتيب الصغير في حجمه الكبير في محتواه، يستعرض بعض من القضايا القانونية التي تؤرق المرأة وتمثل الآن ضغوطًا على كرامتها الشخصية وحقوقها الإنسانية، بالإضافة إلى رصد لمجالات العنف والتمييز القانوني ضد المرأة.
يقول مؤلفا الكتاب وهما الكاتب والشاعر والباحث نعيم عاطف والدكتورة آمال توفيق، أن أحد أسباب أوجه التمييز ضد حقوق المرأة هو غياب القوانين الواضحة التي تساوي المرأة بالرجل في الحقوق المدنية وفي الحريات الإنسانية وفي الروابط الأسرية وفي مجالات العمل. وقد تتحمل المرأة الظلم الواقع عليها في البيت والعمل والمجتمع، لكن ما يؤلمها أكثر هو أن تكون مظلومة من القانون نفسه، والذي يفترض فيه أن يكون سندًا لها أمام كل عنف وجور على حقوقها.
قضايا قانونية تؤرق المرأة:
- قضية الولاية:
يُعرّف المؤلفان الولاية بأنها: السلطة المقررة لشخص لتجعله قادرًا على القيام بأعمال قانونية تنفذ في حق الغير (كالولاية على مال ناقص الأهلية أو معدومها). ويرى المؤلفان أن القضية هنا أنه في الغالب والأعم لا ولاية للمرأة العربية على نفسها. وقد يكون ولي أمر المرأة والدها أو زوجها أو أخوها أو ابنها. وقد يكون هذا الولي أقل علمًا وفهمًا وإدراكًا ونضجًا، لكنه يستطيع أن يملي رأيه وحُكمه على المرأة التي هو وصيّ عليها، وكأنها معدومة الأهلية. فهو يستطيع مثلاً أن يمنعها من السفر خارج البلاد لغير حجة أو سبب ما دام القانون يكفل له حق الولاية. وفي أمر الولاية أيضًا أنه لا ولاية للمرأة الأم على أولادها، حتى وإن كانت مطلقة وحاضنة.
- الطلاق التعسفي:
يعتبر الطلاق في كثير من التشريعات العربية من حق الرجل على الإطلاق بسبب وبلا سبب، أما إذا أرادت المرأة أن تطلق زوجها فليس لها هذا الحق، مهما كان لديها من المبررات والأسباب، ومهما كان الظلم الواقع عليها، بل لا بد أن تلجأ للقضاء.
- الإرث:
في معظم الحالات لا تساوي قوانين الإرث بين المرأة والرجل إلا في حالات نادرة، وغالبًا يكون حظ الرجل ضعف حظ الأنثى، وأحيانًا تشكل هذه القوانين ظلمًا فادحًا، كأن يرث أقرب رجل للأب الذي لديه بنات فقط، يرث نصيبًا من تركة الأب على حساب ابنته أو بناته وهكذا.
- الشهادة:
تشكو المرأة من عدم مساواة شهادتها بشهادة الرجل، حتى لو كانت متعلمة ومسئولة، وكان الرجل جاهلاً أو أميًا.
العنف القانوني ضد المرأة:
تقول بعض الدراسات: "إن القانون في كثير من البلاد يقف في وضع متخلف إلى حد كبير عن الواقع المعاش. بل أصبح القانون يشكل عنصرًا أساسيًا من عناصر تعويق حركة المرأة للمساهمة الفعالة في تنمية المجتمع، كما تسبب في زيادة معدلات العنف داخل الأسرة".
ويشير الكاتبان لبعض من مجالات العنف القانوني ضد المرأة، مثل: قانون الأحوال الشخصية، وقانون العمل، وقانون التأمينات الاجتماعية، وقانون الضرائب (حدود الإعفاءات الضريبية)، وقانون العقوبات، وقانون الجنسية، وغيرها.
ويوضح الباحثان ما جاء في الرؤية الإستراتيجية للجنة التشريعية للمجلس القومي للمرأة في بعض بنودها كالتالي:
التمييز في قانون العقوبات:
يمتد التمييز ضد المرأة إلى القوانين العقابية التي تحدد وبشكل قاطع الأفعال التي يعتبرها المشرع جريمة ويعاقب مرتكبها -أيًا كان نوع العقوبة- بالعقوبة المناسبة والرادعة وبصرف النظر عن أسباب التجريم، وعما إذا كان مرتكبها رجلاً أم امرأة. التمييز ضد المرأة قد يكون بسبب النص العقابي أو بسبب تطبيق النص.
التمييز في عقوبة الزنا:
وبالنسبة للتمييز بسبب النص، نجد أن عقوبة الزنا تختلف في حالة الرجل عنها في حالة المرأة، ففي حين تعاقب المادة (274) من قانون العقوبات الزانية بالحبس لمدة لا تزيد عن سنتين، تعاقب المادة (277) الزاني بالحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر. كما تختلف أركان الجريمة أيضًا، ففي حين لا يشترط لنسبة جريمة الزنا إلى المرأة سوى إتيان الجريمة فقط بغض النظر عن مكان وقوعها، فإن القانون يقصر شروط نسبتها إلى الرجل على وقوع جريمة الزنا في منزل الزوجية. بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة (237) على أنه إذا فاجأ الرجل زوجته في حالة زنا وقتلها في الحال تعتبر جنحة تعاقب بالحبس فقط، أي لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، تعاطفًا مع مصابه وصدمته، وذلك استثناءًا من أحكام المادة (234)، أما إذا فعلت الزوجة نفس الشيء فضبطت زوجها متلبسًا بخيانتها وقتلته، فتعتبر جناية عقوبتها إما السجن المؤبد أو المشدد أي السجن لمدة لا تتجاوز 15 سنة، وفقًا لأحكام المادة (234) والتي تسري على المرأة. وأخيرًا فقد أجازت المادة (274) للزوج وقف تنفيذ الحكم النهائي الصادر بإدانة الزوجة الزانية، بينما لم يسمح القانون للزوجة بهذا الحق، في حالة إدانة زوجها بجريمة الزنا بموجب حكم نهائي.
التمييز في عقوبة ممارسة الدعارة:
كما يتضمن تطبيق القانون 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة تمييزًا ضد المرأة، فقد نصت المادة 9 (ج) على معاقبة كل من اعتاد ممارسة الفجور والدعارة دون تمييز ظاهر ضد المرأة، إلا أن التطبيق جرى على معاقبة المرأة التي ترتكب الجريمة بالحبس لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة، دون معاقبة شريكها الرجل، أي أن تطبيق القانون في الواقع العملي يعتبر المرأة وحدها الجاني وهي وحدها محل العقاب، بل وقد يشهد عليها شريكها الرجل ويغادر قاعة المحكمة حرًا لا يرى المشرع في سلوكه أي جريمة، رغم أن أركان الجريمة ما كانت تتم بدونه. وهذا أمر يراه الكاتبان شديد التناقض والتمييز ضد المرأة كما أنه لا يؤدي إلى مكافحة الدعارة ولا يحقق الهدف من القانون.
التمييز في عقوبة خطف الأنثى واغتصابها:
تضمن قانون العقوبات نصًا يعاقب بالسجن المشدد كل من خطف أنثى وبالإعدام إذا اقترن الخطف باغتصابها، ثم تسقط عنه العقوبة تمامًا لو أن الخاطف تزوج بمن خطفها زواجًا شرعيًا، وكأن في الزواج مداواة لجرح الخطف أو الاغتصاب بما في ذلك تنازل المجتمع عن حقه بصرف النظر عن حقوق المجني عليها. غير أن المشرع المصري قد استجاب لمطالب المرأة المصرية في عام 1998 فألغى النص، وبذلك أعاد المشرع للمرأة كرامتها وللنص العقابي أثره الرادع.
القانون وقضايا الأسرة:
طالبت المرأة المصرية والجمعيات الأهلية منذ سنوات بإصدار قانون جديد للأسرة، يسترشد بمشروع قانون الأحوال الشخصية العربي الموحد، وقد تبنى المجلس القومي للمرأة هذه الدعوة، وتقوم اللجنة التشريعية بالعمل على إعداد مشروع جديد لقانون الأسرة، ومن ضمن ملامح هذا القانون :
(أ) أن يتضمن قانون الأسرة الجديد أحكامًا تنظم علاقة الزواج في كافة مراحلها بما في ذلك مرحلة الخطبة.
(ب) إعادة النظر في مفهوم "بيت الطاعة".
(ج) النظر في وضع ضوابط لتعدد الزوجات، سواء باشتراط إذن القاضي أو ترتيب حق تلقائي للزوجة الأولى في الحصول على الطلاق للضرر في حالة الزواج بأخرى، مع احتفاظها بكافة حقوقها المالية. وقد أخذت مصر في عام 2000، بموجب تعديل للائحة المأذونين بالسماح بإدراج شرط في عقد الزواج يتفق فيه على عدم أحقية الزوج في الزواج بأخرى، بدون إذن مسبق من الزوجة الأولى.
(د) إعادة النظر في الأحكام الموضوعية للطلاق للضرر عامة والضرر النفسي خاصة، لتيسير الحصول عليه عندما تتوافر شروطه، تطبيقًا لأحكام الشريعة الإسلامية التي تقضي بالإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان وبعدم الإمساك بالزوجة إضرارًا بها.
(هـ) زيادة الحد الأدنى لسن الزواج للجنسين، وهو حاليًا 16 سنة للإناث و18 سنة للذكور.
(و) رفع سن حضانة النساء إلى 15 سنة بالنسبة للذكور والإناث.
إشكالية الدين:
ينتقد المؤلفان تحصن المتشددين وراء حصن الدين ونبذ آراء الآخرين، وإعطاء أنفسهم وآرائهم حصانة -لا يوافقهم عليها كثيرون- وفي ذلك يقولان: في محاولة التصدي للقوانين والتشريعات المدنية التي تجحف بحق المرأة، تُطالعنا أصوات متشددة تتذرع بحجج دينية، وتدّعي أن هذه القوانين الجائرة ليست من وضع البشر، بل هي شرائع إلهية لا مساس بها. وهنا تحدث تلك الإشكالية.. فبالقطع ليس المطلوب تغيير الشرائع الدينية أو معارضتها، بل الاجتهاد في فهم مضمونها.
ويضيفا : عندما وقَّعت الدول العربية على اتفاقية الـ"سيداو" (وهي اتفاقية إزالة التمييز ضد المرأة)، وضعت بعض الدول تحفظات كثيرة على الاتفاقية بحجة مخالفتها للشريعة. غير أن دولاً إسلامية أخرى لم تجد الأمر كذلك. وترى المنظمات النسائية والحقوقية "أن الدين يستخدم كمبرر للمواقف المتشددة، وأن قفل باب الاجتهاد في دراسة التشريعات لا يستند إلى دليل شرعي.
ويختم الشاعر نعيم عاطف هذا الكتب الهام برباعيات شعرية يقول فيها:
الرب أحكامه هيّه الــــعدل والرحمــــة
لكن قلوب البشر مليانـــة بالنقمـــــــة
الحق... بــاين وواضـح... والقانـون ويّــاه
بس المحامي اللئيــم بيزيــــف الكلمـــة.
***
شوف الدموع والألــــم.. يا واضع التشريــع
شوف المواجع والأسى.. لمـا الحقـوق بتضيــع
راجــع في أوراقـــــك.. جايز تكون غلطان
وابعد عن العند وادرس صيـــغة المشاريـــع.
يبقى أن نذكر أن الكتاب صدر منذ عدة أيام عن مؤسسة "الدلتا للخدمات" وموقع "الزواج" وهو ضمن سلسلة كتيبات "قضايا المرأة" التي يكتبها الكاتب نعيم عاطف والدكتورة آمال توفيق.
http://www.copts-united.com/article.php?A=10545&I=274