الفتاوى السياسية في مجتمع كهنوتي

عبد الله عبد اللطيف

نكذب إذا قلنا أننا نعيش في مجتمع مدني، نخادع إذا قلنا أن المواطنة هي أساس التعامل في العلاقات الإجتماعية، نحن نعيش في مجتمع يسبح على بحيرة من الطائفية في أحسن الأحوال، وفي أوقات كثيرة يغرق في مياه الطائفية العفنة، فأصبح طبيعياًَ أن يصغي الجميع إلى فتوى من شيخ حتى يقدم على تصرف أو يمتنع عنه؟

يغسل وجهه بفتوى ويمسح على رأسه بفتوى ويغسل ذراعيه بفتوى ويتمتم بكلمات بناء على فتوي ويلقي السلام على جاره المختلف عنه في الدين أو لا يلقيه بفتوى، يعاشر زوجته أو يمسك نفسه عنها بفتوى، وأصبح للفتوى سوق، فقد كثر الطلب عليها وراجت فما المانع أن تبث قنوات فضائية تخصص معظم ساعات بثها للفتوى على الهواء، وما المانع أن نستثمر سوق الفتوى اكثر فنخصص خط تليفوني ساخن للفتاوى المستعجلة.

وتتعدد الفتاوى ويصبح لها نجوم في الفضائيات، والكل يفتي لكن من يفتي لابد وان يكون هو من يعلم، لم أر مفتياًَ منهم يوماًَ قال أنا لا اعلم ومن قال لا اعلم فقد أفتى كمقولة مالك.
الخطر الكبير أن هناك فتاوي قد أهدرت دماء أبرياء، وهناك ميلشيات مسلحة تمارس العنف والإرهاب وإزهاق أرواح الأبرياء تنفيذاًَ لتلك الفتاوي، ويحسبونها جهاداًَ في سبيل الله، فقد قتل عدو من أعداء دين الله، والقاتل ينتظر أن يكون مثواه الجنة.
فقد قتل المفكر العلماني "فرج فودة" تنفيذاًَ لفتوى بإهدار دمه، ومحاولة قتل الأديب نجيب محفوظ بالسكين بسبب رواية "أولاد حارتنا" بعد أن أفتى من أفتى بخروجه عن الملة، وكثير من عمليات العنف والإرهاب تستند إلى مثل هذه الفتاوي.

وكأن مربع الإرهاب بإسم الدين يقبض بيد من حديد على المجتمع ومستقبله فالفتوى ركن من أركان الإرهاب الكهنوتي يكمله ركن الإعلام الذي يتولى النشر والبث والإعلان والإشهار، يكمله ركن العنف والقوة وفرض الأمر الواقع وإرتكاب الجرائم التي تقوض مستقبل هذا المجتمع، ويتصل به بشكل أو بآخر فيظل يتحرك في المجتمع ببراءة شديدة ويتعامل مع قواعد اللعبة الديمقراطية في المجتمع معلناًَ أنه قبلها بكل معادلاتها.
فيدخل الإنتخابات ويشارك في البرلمان والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني مستغلاًَ الهامش الديمقراطي المتاح، وهكذا تكتمل دائرة الشر.
إن الطائفية خطر يحدق بمجتمعنا، وأن فصل الدين عن السياسة أصبح ضرورة لمصلحة الدين ولمصلحة السياسة، كونهما يتعاطيان في مجالين مختلفين تماماًَ.

فالدين علاقة بين العبد وربه، والسياسة هي تسيير مصالح الناس والمجتمع، فالدين لله والوطن للجميع، إن خطر الطائفية لا يقف حجر عثرة في العلاقات بين من ينتمون لدين آخر وحسب ولكنه يفرق بين أصحاب الديانة الواحدة، فالمسلم يتفرق إلى سني وشيعي، والسني يتفرق إلى مذاهب ومدارس شتى، والفرقة تتشتت إلى فرق وجماعات أسهل شيء لديهم أن يكفر بعضهم بعضاًَ. ومن بين هذه الفتاوي التي ظهرت على السطح فتوى من مفتي جماعة حماس الذي أباح أحقية الفلسطينيين في إقتحام الحدود المصرية وقتل الجنود المصريين حال مقاومتهم هذا الإقتحام.

ولا أعرف على أي أساس ديني أو شرعي قال مفتي حماس بذلك، و(أي دم بارد) أعطى لنفسه الحق في إهدار دم الجنود المصريين الذين يؤدون واجبهم دفاعاًَ عن حدود بلدهم، وما هو السبيل لأحقية الفلسطينيين أو غيرهم لإقتحام حدود بلد آمن مثل مصر، وألم يكن أولى بهذا المفتي أن يوجه أنظار الفلسطينيين لإقتحام حدود إسرائيل بدلاًَ من إقتحام حدود دولة عربية ويقول بقتل جنود مصريين معظمهم يدين بدين الإسلام؟  لكن معذور هذا المفتي وهو ينتمي لحركة حماس التي ترفع راية الجهاد الإسلامي لحساب قوى تختلف حسب الظروف ومؤخراًَ إعترف خالد مشعل أن الحركة تعمل الآن لحساب إيران التي تمول حركتها، ومؤخرا سمعنا أن حماس أعلنت غزة ولاية أو إمارة إسلامية في المنطقة.

وفتوى أخرى تشير بقوة إلى مربع الخطر أعلنها الشيخ خالد الجندي في أحد البرامج التليفزيونية يقول لو كان جمال البنا أزهرياًَ لذبحته بالسكين، وحمدنا الله أن جمال البنا ليس أزهرياًَ، ولست أدرى كيف يستخدم شيخاًَ أزهرياًََ هذا التعبير مثل الذبح بالسكين وكأنه يذبح خروفاًَ أو دجاجة، كلنا يعرف ويردد أن الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولكن عند الشيخ خالد الجندي تعدى حدود إفساد الود إلى الذبح والنحر بالسكين وبعد ذلك هل لنا عين أن نتحدث عن مجتمع مدني وعن المواطنة؟ 
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع