موقعة السودان وسياسة الكيل بمكيالين!

أماني موسى

بقلم: أماني موسى
شاهدت مثل معظم المصريين المهزلة الأخلاقية وأعمال العنف والبلطجة التي حدثت لمشجعي المنتخب المصري في السودان على يد ممن يصفهم البعض بالإخوة (الجزائريين)، وشعرت بالأسى والحزن لِما حدث لأبناء وطني وبمزيد من الغيظ تجاه أولئك الرعاع المدعوون عرب لأفعالهم المشينة التي ارتكبوها ضدنا دون مبرر منطقي، خاصة بعد فوزهم على فريق الساجدين (منتخبنا المصري).

واحترق قلبي حين رأيتهم يحرقون عَلم بلادي ويدوسونه بأقدامهم، وشعرت بغيرة على بلادي مقترنة بالحزن لأن أبنائها لطالما تنكروا لمصريتهم وأصلهم الفرعوني وحضارة آلاف السنين محاولين التمسح بالعرب والعروبة (البدو). وما نالهم من إخوانهم العرب سوى الإهانة والحقد، فكان الجَلد نصيب أطبائنا بالسعودية والإعدام لمهاجرينّا بليبيا والضرب لقياداتنا السياسية بالأحذية في فلسطين وسلسلة طويلة من المآسي –وإن كنت أرى أن العروبة مصطلح هلامي لا محل له من الإعراب، فاستخدام لغة واحدة لا يعني بالضرورة الانتماء العِرقي لأصحاب تلك اللغة، خاصة وأن اللغة العربية هي دخيلة على مصر منذ الفتح العربي-.
وبقدر ما كان للموقف تأثير نفسي سلبي على جميع المصريين وجسدي أيضًا على البعض ممن طالهم الضرب والأذى والتحرش، إلا أنه على الجانب الآخر كان له آثار إيجابية مثل:
-       توّحد جميع المصريين بمختلف انتماءاتهم الدينية والسياسية على حب مصر، وحب مصر أولاً قبل القومية العربية أو الدينية –دين الدولة الذي ينتمي إليه السواد الأعظم من الشعب المصري-.
-       التفاف الشعب بمختلف أطيافه حول الحكومة –بما يُعد حَدث تاريخي قلّما يحدث- وذلك للدور الوطني المشكور الذي قام به كلاً من جمال وعلاء مبارك بحماية المصريين المتواجدين بالسودان، وكذا دور الرئيس في الدفاع عن شعبه والمطالبة بمحاكمة المعتديين الجزائريين.
-       هذا إلى جانب أثرين منتهى الإيجابية وهما: صرف مكافأة مالية من ميزانية الدولة لكل لاعب بالمنتخب المصري لأدائهم المتميز في تلك المباراة!!!، وإيجاد مادة إعلامية دسمة تلتف حولها الفضائيات وبرامج "اللوك لوك شو" بما يحقق لهم مزيدًا من الأرباح المالية!   
وبالنظر والتأمل لتقييم ما حدث للمصريين على يد الجزائريين ورد الفعل الشعبي والحكومي والإعلامي تجاه الحدث سنجد أنه تم تناوله إعلاميًا بشكل مكثف وتسليط الضوء على تبعاته، وتجد أن هناك حالة صحوة ووعي لدى المصريين لتفهم الأحداث وتقييمها في نصابها الصحيح، وتتأكد أن للإعلام أكبر الأثر في تحريك الرأي العام تجاه قضايا بعينها، ولكن على ما يبدو أن مثل تلك الصحوة الإعلامية والشعبية وردود الأفعال الايجابية الموسّعة لا تحدث في بلادنا إلا في اتجاهات بعينها دون الأخرى.

إذ إنه حين تم الاعتداء على بعض المصريين من قِبل الجزائيين (وهم ليسوا بأشقاء) قامت ثورة عارمة -إن جاز التعبير- وقامت المطالبات هنا وهناك للثأر لكرامة المصري المهدرة ولرد الحق النفسي والمعنوي لمن تم الاعتداء عليهم وترهيبهم. ولكن حين يحدث هذا بمصر من إخوة الوطن -وليس من الأغراب- ضد البعض ممن يوصفون بكونهم أقلية عددية ودينية تجد الكل في حالة سكون كصمت القبور، وتجد ازدواجية الإعلام في تناول تلك الأحدث المتوالية على أنها فردية من قلة متعصبة، ويقلل من حجم الأحداث أو يتجاهلها تمامًا.

وازدواجية إعلامنا تتجلى بوضوح ليس في تناول الأحداث فقط بل في تقييمها أيضًا، إذ قد تم وصف وتقييم سلوك الجزائريين عند حرقهم للعَلم المصري بأنه مشين وينم عن مدى حقد وغل العرب على المصريين وبأنه سلوك همجي وغير حضاري، في حين أنه عندما يتم حرق أعلام وصور رؤساء وقيادات بلاد الفرنجة من قِبل المصريين والعرب تجد إعلامنا المبجل يصف ذلك السلوك بالوطني مبررًا همجية السلوك بحب الوطن والانتماء!!!

والحقيقة إن تلك التفسيرات المزدوجة تُدهشني لأن السلوك الهمجي هو هو أيًا كان مبرره أو دافعه، ولأن المبادئ لا تتجزأ وفق الأهواء الشخصية.
هذا إلى جانب تحرك القيادات السياسية والإعلامية والمجتمعية للدفاع عن المصريين منددين بفظاعة ما حدث، ولم نسمع لهم صوتًا أو حتى همسًا في العديد من الأحداث التي تتسم بالفظاعة والبشاعة أيضًا من قِبل بعض المصريين ضد إخوانهم المصريين، والكشح وغيرها خير مثال.

بالإضافة لتحرك الساسة والمحامون لرفع قضايا لتوقيع العقوبة على المعتدين الجزائريين ورد حق المصريين المعنوي والنفسي، ولم نرى تحركهم هذا لرد حقوق المظلومين والمكلومين وهم يعانون الأمرين من إهدار حقوقهم على يد معتدين من أشقاءهم بالوطن وغياب العدالة ومن ثم غياب الأمل في استرداد حقوقهم ودماء ذويهم بل خروج الجناة أحرارًا وكأن ذلك بمثابة مكافأة لهم على ارتكابهم الجرائم ولتشجيعهم نحو مزيد من العنف!
أما عن التحرك الشعبي فهو حقًا كان مشرف ووطني ينم عن انتماء للوطن، فوجدنا المظاهرات تنطلق في الشوارع مطالبة برد هذا الاعتداء الذي تم على إخوانهم المصريين ولكننا لم نرى مثيله في حوادث الاعتداء المشابهة على أبناء وطنهم!! 

بالنهاية أتوجه بالشكر للرئيس وابنيه وكل مسئول تحرك بايجابية تجاه هذا الموقف وأطالبهم بتعميم ذلك السلوك الوطني المشرف في التعامل مع مختلف القضايا وألا يفرقوا في تعاملهم مع مختلف القضايا لكافة المصريين بحيادية.

وأتمنى كما تم صرف مكافآت مالية كبيرة من ميزانية الدولة لفريق المنتخب المصري تعويضًا لهم عن الخسائر النفسية التي لحقت بهم، أن يتم صرف مثيلتها من باب أولىَ على فقراء مصر ممن راحوا ضحايا عنف طائفي أو إهمال كالدويقة والعبارة والقطار وغيرها.
وأطالب إخواني المصريين بالتخلي عن لهجة القومية العربية والتمسك بمصريتهم وحضارتهم الفرعونية، وليكون هذا الموقف دافع كافي لهم للتأكد من كراهية العرب لنا كمصريين وبأننا لا ننتمي للعرب بأي حال من الأحوال، وكافي أيضًا للتنصل من الانتماء إلى البدو على حساب مصريتنا وحضارتنا العريقة.