القس. رفعت فكري
بقلم: القس رفعت فكري سعيد
منذ عام 1996 واستناداً إلى "إعلان مبادئ بشأن التسامح" ذلك الإعلان الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين، باريس، 16 تشرين الثاني/نوفمبر ,1995 والأمم المتحدة تحتفل باليوم العالمي للتسامح, والتسامح "Tolerance"الذي نتحدث عنه هنا ليس هو الغفران "Forgiveness" وليس هو العفو عن الإساءة, ويمكننا هنا أن نسوق بعض الإجابات التي تلقتها منظمة " اليونسكو" عن سؤالها الذي طرحته عام 1995
: ما التسامح ؟
• التسامح هو احترام حقوق الآخرين وحرياتهم .
• التسامح هو اعتراف وقبول للأختلافات الفردية , وتعلم كيفية الإصغاء إلى الآخرين والتواصل معهم .
• التسامح هو تقدير التنوع والاختلاف الثقافي , وهو انفتاح على أفكار الآخرين وفلسفاتهم , بدافع الرغبة في التعلم والاطلاع على ما عندهم .
• التسامح هو الاعتراف بأنه ليس هناك فرد أو ثقافة أو وطن أو ديانة تحتكر المعرفة والحقيقة .
• التسامح هو موقف إيجابي تجاه الآخرين دون استعلاء أو تكبر .
التسامح إذاً هو احترام وإقرار وتقدير التنوع الغني لثقافات عالمنا, ولأشكال تعبيرنا وطرق ممارستنا لآدميتنا, والتسامح ليس واجباً أخلاقياً ولكنه أيضاً متطلب سياسي وقانوني, ويتعزز التسامح من خلال التواصل وحرية الفكر وحرية العقيدة والديانة , إن التسامح هو الانسجام في الاختلاف, والتسامح ليس تنازلاً أو تعطفاً أو تساهلاً ولكنه قبل كل شئ هو الاقرار بحقوق الإنسان العالمية والحريات الأساسية للآخرين, ويجب أن يمارس التسامح من قبل الأفراد والمجموعات والدول. إنه يعني إقرار حقيقة أن البشر في تباينهم الطبيعي من حيث المظهر والحالة واللغة والسلوك والقيم لهم الحق في العيش في سلام وأن يكونوا كما هم ويعني أيضاً أن آراء المرء لايجب أن تُفرض على الآخرين.
والتعصب هو نقيض التسامح , والتعصب ينفي الاختلاف ويسعى للبحث عن التماثل وإنكار أي شكل من أشكال التنوع والاستقلال, فالتعصب هو اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً أو جماعة معينة أو موضوعاً معينا إدراكاً سلبياً كارهاً , ولذلك فإن المتعصب يتخذ موقفاً متشدد اً في الرأى تجاه فكرة يعتبرها الحقيقة المطلقة الوحيدة , وكل ما عداها خطأ فادحاً, والتعصب أولاً وقبل كل شيء يعتبر نزعة ذاتية أنانية "نرجسية" كامنة في كل كائن بشري، ولكنها تطفو إلى السطح وتبرز إلى الواقع حين يتهيأ الجو الملائم لها، حين تواجه الذات "الأنا" بالآخر وتتصور أنه تتوقف على هذا الصراع مسألة الوجود من عدمه , إن التعصب هو تقديس للأنا والغاء للآخر، فكل ما تقوله "الأنا" يدخل في حكم الصحيح المطلق، وكل ما يقوله الآخر يدخل في حكم الخطأ, ويقود هذا إلى موت لغة التواصل والحوار بين البشر، وحين يموت منطق الحوار تنطق الحراب والبنادق وتحفر الخنادق وتستباح الدماء, إن التعصب انغلاق وانكفاء نحو الداخل وارتداد على الذات وتقوقع في زاوية ضيقة، ورؤية قاصرة للكون .
إن ما يحتاج العالم العربي أن يدركه بقوة في هذه الأيام , إن الآخر هو جزء من حياتي , جزء من عالمي الخاص , وهو في رقبتي على طول المدى , فلا يمكن أن أعيش بدون الآخر ولا أستطيع حتى أن أمارس العبادة بدون الآخر بل لا أستطيع الوصول إلى الله بدون الآخر أياً كان لونه أو دينه أو جنسه أو جنسيته أو عرقه أو معتقده.
ألم يحن الوقت لعالمنا العربي لأن يدرك أن المجتمعات الإنسانية تزدهر بقدر حرصها على مبدأ التنوع والتعدد وقبول الخلاف والاختلاف , وأن أحوالها تتدهور عندما تقاوم هذه الشروط الأساسية وتقلل من شأن التنوع والتعدد وقبول الاختلاف ؟!!
إن الآخر هو جزء من التنوع الذي يتمتع به كل مجتمع , وهذا التنوع هو الذي صاحب الإنسانية منذ أن وعى الإنسان حقيقة أن تعميره للكون لا يمكن أن يتم إلا بمشاركة عامة مع كل إنسان خلق على شكيلته ووُجد وعاش معه تحت السماء الواحدة وعلى الأرض الواحدة , وإذا كانت الإنسانية قد صاحبت التنوع دائماً فإنها صاحبت هذا التنوع من خلال وجود الآخر المختلف في اللون والعرق والنوع والدين والعقيدة فكان تعايشها مع الآخر هو التعايش مع التنوع الذي أثرى ماضيها ويثري حاضرها ولا شك أنه سيثري مستقبلها .
إن الحضارة الإنسانية ازدهرت وازدهت بالتنوع, والأحادية لم تصنع إلا أفولاً وذبولاً, لذا فكم نحتاج لأن نختلف ونأتلف ولنتيقن أن اللحن الواحد لايعطي نغماً جميلاً, والعصفور الواحد لا يمكن أن يصنع ربيعاً, والزهرة الواحدة لا يمكن أن تصنع بستاناً !! .وعن حتمية قبول التعددية يحكي الأستاذ يعقوب الشاروني عن خبرته الشخصية فيقول : "هذا شئ واضح مثل الشمس تماماً مثل واحد زائد واحد يساوي اثنين "
هذه عبارة شائعة كثيراً ما ننهي بها ماقشاتنا , لكني في أمريكا وجدتهم يعلمون الأطفال شيئاً آخر
فعندما دخلت أحد فصول السنة الثانية الابتدائية في زيارة مع أحد كبار رجال التربية , رأيت على السبورة المسألة التالية :-
إذا كان مع نانسي 19 قطعة حلوى بعضها أحمر وبعضها لونه أصفر , فما عدد القطع من كل لون التي يمكن أن تكون مع ننسي ؟
ثم كتبت المعلمة :
يمكن أن تكتب سبعة حلول على الأقل لهذه المسألة
وبعد لحظات رفعت تلميذة صغيرة يدها لتقول في دهشة :
"أنا كتبت ثماني إجابات "
ثم أشارت إلى الصبي الذي يجاورها وقالت :
"لكن جيمي كتب سبع إجابات تختلف كلها عن إجاباتي !! "
وابتسمت المعلمة وهي تٌلقي نظرة على إجابات الصبي والصبية , ثم قالت:
" لكن كلها إجابات صحيحة "
وهكذا تعلم الصغار منذ طفولتهم أنه أحياناً يمكن أن تكون للمسألة الواحدة أكثر من إجابة صحيحة, وأنه يمكن أن تكون إجابات الآخرين مختلفة عن إجابتي لكن يمكن أن تكون صحيحة أيضاً !!
إنهم في الخارج يتعلمون احترام الرأي الآخر , وأن الصواب قد يكون له أكثر من وجه !!
راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف شبرا
refaatfikry@hotmail.com
http://www.copts-united.com/article.php?A=10197&I=267