الجلسات العرفية أثبتت أنها ليس حل للعنف الطائفي

عماد توماس

د. عماد جاد: المجتمع المصري وصل لحالة غير مسبوقة من تديين المجال العام
د. إسماعيل يوسف: المتعصب يمارس نوعًا من التنميط والتجنب حتى يصل للتنافر المعرفي.
د. مدحت مراد: الشرطة الآن هي المهيمنة هيمنة كاملة على جلسات الصلح العرفية.
كتب: عماد توماس - خاص الأقباط متحدون
نظمت جماعة مصريون ضد التمييز الديني "مارد"  الاثنين 16 الماضى ندوة هامة بعنوان "العنف الطائفي- أسباب ونتائج".
تحدث في الندوة الدكتور/ عماد جاد "رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام" عن العنف الطائفي من الزاوية السياسية، بينما تناول الأستاذ الدكتور/ إسماعيل يوسف "أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بكلية الطب – جامعة قناة السويس" أسباب العنف الطائفي ونتائجه من الزاوية السيكولوجية، وعن تأثير الجلسات العرفية تحدث الدكتور/ مدحت مراد بطرس "المحامي ورئيس مركز مصر الحرية للتنمية وحقوق الإنسان"، وأدار الندوة الدكتور سامر سليمان عضو سكرتارية المجموعة. 
سامر سليمانبدأ الدكتور سامر حديثة بتأكيد تنامي الروح الطائفية في المجتمع المصري، وهى الروح التي تعلي من شأن الطائفية على حساب الوطن.
وأكد الدكتور عماد جاد على أهمية مناقشة هذه القضية الهامة في ظل الأجواء المحتقنة، ومشددًا على مسؤولية النظام السياسي، توظيف الدين في السياسة، الصراع السياسي في تنامي ظاهرة العنف في المجتمع المصري.
وأبدى الدكتور عماد ارتياحه لمصطلح "العنف الديني" بديلاً عن "العنف الطائفي" باعتبار أن الهوية الشخصية في مصر هي هوية دينية وليست طائفية، بجانب أن من يقوم بالاعتداء لا يميز بين طائفة وأخرى، فمن يحرق كنيسة لا يميز بين كونها كنيسة أرثوذكسيية أو كاثوليكية أو إنجيلية.

مستويات للتعصب
ذكر د. عماد أربع مستويات للتعصب، الأول: المستوى الفكري.. أن يبدأ الإنسان في التعامل مع أفكار متعصبة، عماد جيدالثاني: المستوى الشعوري.. وهو أن يتفاعل مع هذه الأفكار، ثم المستوى الثالث وهو السلوكي، والمستوى الرابع: الانفعالي الذي قد يبدأ بالتجنب حتى العنف.
أشار د. عماد عن نظم الحكم الموجودة في العالم العربي، مشدّدًا على غياب نظم الحكم الديمقراطية الكاملة، ووجود نظم دينية مثل السعودية والسودان
بالإضافة إلى نظم لم تحسم الصراعات الداخلية فيها. وأضاف أنه لم يجد منطقة غارقة في نظرية "المؤامرة" بشكل مبالغ فيه جدًا مثل العالم العربي، فنحن قادرون على رؤية خطايا الآخر ولا نقدر على رؤية ذواتنا.
وانتقد جاد مسألة تديين المجال العام في مصر منذ 1952، وإنشاء الرئيس جمال عبد الناصر لجامعة الأزهر ثم بناءه للكاتدرائية مع طلبه عدم معرفة أن الكاتدرائية تُبنى من أموال الدولة.
مضيفًا أن جذور الطائفية والتمييز الديني ظهرت منذ عهد السادات، والرغبة في تطبيق الشريعة والحكم بالإعدام على المرتد. ومنذ مقتل السادات حتى الآن استمر نمو التمييز الديني وجني الثمار المرة على كافة المستويات. 

تديين المجال العام
أضاف رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، إلى ما وصل له المجتمع المصري من حالة غير مسبوقة من تديين المجال العام، فكل شيء يُفسر من أرضية دينية، منتقدًا الدعوات التي تنادي بـ"الدعاء" للمنتخب المصري للفوز على الجزائر، فالمسألة ليست فقط بالدعاء وإلا كنا دعونا ليعطينا الله "وكالة ناسا" للفضاء أو جائزة "نوبل"، موضحًا أن هذه الحالة من التدين لا تنعكس على تنامي الأخلاقيات أو الأداء المتقن للأعمال، لكنه مجرد حالة من الهوس والتدين الشكلي في انتظار المعجزة الإلهية في كل شيء.

الدولة والكنيسة
أشار الخبير في الشئون المصرية - الإسرائيلية، إلى انسحاب الدولة من أداء وظائفها في بعض الأحيان، والكنيسة تقوم بأداء هذا الدور في إيجاد وظائف أو مساكن للمسيحيين، وارتياح الدولة والكنيسة للقيام بهذا الدور

سمات الإنسان المتعصب.
تحدث الدكتور إسماعيل يوسف
من الناحية النفسية عن التعصب، موضحًا أنه موقف يتكون في عقل الإنسان "إطار معرفي" فيكره الشخص الآخر لانتمائه إلى أيدلوجية أو دين أو عرق مختلف.
فالمتعصب يمارس نوعًا من التنميط –الحكم المسبق على شخص ما- والتجنب واستبعاد مجموعة معينة من الناس حتى يصل لحالة من التنافر المعرفي "مسيحي بس كويس" ولديه ميل للسب تبريرًا لكل الأحداث "نظرية المؤامرة".
وأكد يوسف على أن كل مظاهر التدين بعيدة عن الروحانية التي تعني في جوهرها محبة الآخر وعدم تمييز الفرد عن الآخر.

فشل جلسات الصلح العرفية
تحدث الدكتور مدحت مراد عن الجلسات العرفية، مؤكدًا على انتشار العنف الديني في المجتمع المصري في جوهره هو صراع بين "الأنا" و"الآخر" بين "المسلم" و"المسيحي" وفى بعض الأحيان بين "المسلم" و"البهائي".
وأوضح الدكتور مراد أنه مع تفشي العنف الطائفي كثر الحديث عن أن السبيل لإنهاء هذا النزاع وحسمه مظاهره كان في جلسات الصلح العرفية التي أصبحت بديلاً لدور أجهزة كثيرة في الدولة، وفرضت نفسها على الساحة منذ أحداث الكشح الأولى والثانية وأبو فانا وغيرها.
وأضاف أن المجتمع ارتمى في السنوات الماضية في أحضان هذه الجلسات باعتبارها آلية مناسبة تتناسب مع روح العائلة الواحدة التي لا يجب أن تصل النزاع إلى ساحات القضاء، واعتبروا أن جلسات الصلح العرفية هي مسألة نزاع بين أخوين في عائلة واحدة فيتم حسمها بما يسمى بـ"قعده العرب".
وأكد مراد أن مسألة جلسات الصلح العرفية كانت تُباشَر بمعرفة شيخ القبيلة أو كبير العائلة في المجتمعات القبلية قبل أن تظهر الدولة بنظامها ودستورها.
وأشار إلى أن البدو هم أول مارسوا الجلسات العرفية، مثل قبيلة "أبناء علي" في مرسى مطروح فلديهم دستور كامل لنزع الخلافات عن طريق المجلس العرفي ويرأس الجلسة أحد المحكمين المحايدين.

تتدخل الشرطة
مدحت مرادوشدد مراد على أهمية جلسات الصلح العرفية قديمًا في حل نزاعات كثيرة مثل الثأر، ولم يكن للشرطة أن تتدخل أو توجه لهذه الجلسات فقد كانت تُعقد قديمًا قبل ظهور الأنظمة السياسية.
لكنه استطرد قائلاً: إن الشرطة الآن هي المهيمنة هيمنة كاملة على جلسات الصلح العرفية، بمظنة أنه يجب أن تباشر هذه الجلسات وفق آلية معينة ليكون شكل النزاع قد انتهى.
موضحًا أن أي خلاف يحدث عنه تعدي، إتلاف، حريق، قتلى، كل ما تهتم به الشرطة هو الحل الشكلي انتهاء المسألة دون النظر عن خلفيات هذا النزاع وأسباب العنف، ودلل على ذلك في أحداث الكشح الأولى في كونها لم تكن رادعًا لإنهاء العنف الطائفي ومنع حدوث أحداث الكشح الثانية، فالمعتدي في مثل هذه المواقف عندما يقدم للمجلس العرفي تكون هناك الترضية الأدبية وبالتالي من يرتكب فعل مماثل فهو يعلم أنه لن يُعاقَب. مشيرًا إلى محافظة المنيا التي تعاني من أحداث طائفية متتالية بدون أن تؤثر فيها الجلسات العرفية. فطالما غاب الردع فإن القضية تظل مطروحة ويظل التعدي والعنف مستمر لأنه لم يكن هناك سيادة للقانون وأصبح دور القانون مهمش، وأشار الدكتور مراد إلى كون قضية العنف الطائفي لها أبعاد أخرى من موروثات ثقافية وعدم قبول الآخر.
واختتم مراد حديثة بأن هذه الجلسات العرفية ليس لها أي تأثير على إنهاء حالة العنف الطائفي، ويجب أن تُستبدل إما بوسائل ردع قانونية التي هي الأساس في عقاب هذه الأفعال التي تهدد أمان المجتمع.