مَنْ يملك الحل فى مصر؟

منير بشاي

بقلم : منير بشاى 

  فى الدول الديمقراطية الحقيقية، التى تفصل فعلا بين السلطات، يشكل صناعة القرار صعوبة كبرى لمن يجلس فى مقعد الرئاسة. فالرئيس فى تلك البلاد يحدد السياسة التى يعتقد أنها ستفيد البلاد، ولكنه فى معظم الأوقات لا يقدر أن يقرها بمفرده. ولكى يصدر القانون المطلوب علي الحكومة أن ترسل بمشروعها إلى مجلسى النواب والشيوخ لدراسته والقيام بسن تشريع قانونى توافق عليه المجالس التشريعية. ولكى تضمن الحكومة تمرير القرار فى هذه المجالس عادة يتطلب هذا أن تقوم بمجهودات شاقة، تارة بالإقناع  وتارة بالمساومة وأحيانا بالتهديد ولى الذراع، حتى تصل الى كسب الأصوات الكافية لإنجاح القرار. ومع كل هذا فليس هناك ضمان بالنجاح.

  كمثال لذلك ما يجرى حاليا فى الولايات المتحدة من محاولة الحكومة إقرار قانون يضمن العلاج الطبى لعدة ملايين من الأمريكيين الذين لا يملكون تأمينا صحيا. بدأت المناورات بمشروع قانون قدمه الرئيس أوباما يتضمن ما يراه من حل.  وذهب المشروع إلى الكونجرس حيث يلاقى المحاولات العنيفة  لعرقلته من الحزب المعارض بل وعملية الفحص والتمحيص حتى من أعضاء حزبه . وربما يخرج فى النهاية قانون يختلف تماما عن ما إقترحته الحكومة، هذا إذا نجح وحصل على الأصوات الكافية. والمعروف أنه قد فشلت مشروعات مشابهة لعلاج نفس المشكلة فى عدة إدارات أمريكية سابقة.

 ولكن الأمر فى مصر يختلف تماما. فالحكومة فى معظم الأوقات تحتفظ لنفسها بالحق فى إصدار القرارات الجمهورية لأى شىء تريده. بل وأحيانا لا يتطلب الأمر أكثر من أمر شفوى فى شكل توجيه من الرئيس للمسئولين (كن فيكون) فيتم التنفيذ الفورى دون معارضة. ومازلنا  نذكر القرار الشفوى من الرئيس الذى بناء عليه تم إعتبار عيد الميلاد عطلة رسمية بقدرة قادر.

 ولكن لأغراض الحبكة الدرامية  والديكورات التجميلية  يوجد فى مصر مجالس تشريعية اسمها مجلس الشعب ومجلس الشورى.  وربما وظيفتها الأساسية هى المماطلة فى تنفيذ القرارات التى تريد الحكومة تأجيلها. فتناقش هذه المجالس القرارات غير المرغوب فيها ثم تناقشها وتؤجلها ثم تؤجلها الى الوقت المناسب فى نظر الحكومة.  وفى النهاية النتيجة المؤكدة أنه لا يمكن تمرير أى شئ عن هذا الطريق إلا إذا كانت الحكومة راضية عنه.

 ورغم سهولة إتخاذ القرارات  فى مصر الا ان الحكومة الحالية قد عجزت عن إتخاذ قرارات لتحسين أحوال البلد. بل يمكن القول أن الأحوال على مدى الثلاثة عقود الأخيرة منذ أن إستلم الرئيس مبارك الحكم قد إزدادت ترديا من سئ إلى أسوأ ويقشعر البدن إذا فكرنا كيف ستكون الأوضاع إذا ما سارت علىهذا النهج لمدى ثلاثة عقود أخرى.

  والمسئول بلا شك هو رئيس الجمهورية لأنه هو شخصيا من يملك سلطة صناعة القرار فى مصر. ومن هنا جاء عنوان إعلاننا فى الصفحة المدفوعة الأجر التى صدرت أثناء زيارة الرئيس مبارك الأخيرة الى واشنطن: YOU ARE RESPONSIBLE! (أنت هو المسئول)

 ولكن لكى تبررالحكومة فشلها فى تحسين أوضاع المصريين تحاول أن تلقى باللوم على عناصر أخرى. وهناك قائمة طويلة تستخدمها الحكومة باللوم حسب الحاجة منها: أمريكا - إسرائيل- السعودية - أقباط المهجر – الإخوان المسلمون.

 وسأركز بالمناقشة هنا على اكثر هذه التبريرات استعمالا من أجهزة البروبوجندا الحكومية:

   أمريكا دائما هى الهدف المفضل. أمريكا بالنسبة للعرب والمسلمين هى الشيطان الأكبر التى يلمونها على أى شئ وعلى كل شئ. مع أن أمريكا هى التى إكتشفت البترول للعرب وصنعته لهم ثم بعد ذلك إشترته منهم بسعر السوق. وهذه الأموال العائدة من البترول حولت بعض الدول العربية الى أغنى دول العالم بعد أن كانوا قبلا  قبائل بدوية معدمة يعيشون فى الخيام.  وأمريكا هى التى تحمى كثير من الدول العربية ضد تهديدات أخوتهم العرب الطامعين فى ثروتهم. وأمريكا هى التى تقدم المعونات السخية المالية والعينية لكثير من الدول العربية المحتاجة مثل مصروالأردن. وأمريكا هى التى تعمل لحل القضايا العربية الإسرائيلية وإيجاد السلام فى الشرق الأوسط. وفى المقابل ماذا أخذت أمريكا من العرب غير وجع القلب والإعتداءات المتكررة على مصالحها فى العالم والعمليات الإرهابية داخل بلادها. هذا مع أن أمريكا تفتح أبوبها للعرب والمسلمين المضطهدين فى بلادهم وتوفر لهم حياة آمنة مزدهرة وتعطيهم الحرية فى العبادة وبناء المساجد والتبشير بالإسلام. هذا بينما تجرم بعض البلاد الأسلامية دخول المبشرين المسيحيين وتحظر بناء الكنائس على أرضها.

 أما الأخوان فمن المضحك أن يلاموا على كل مشاكل مصر. فالحكومة هى التى تعطيهم حرية الحركة فى البلاد ليفعلوا ما يشاءوا.  ومع أنهم "جماعة محظورة" إلا أنهم يقومون بنشاطهم دون حظر فقياداتهم معروفة وأماكن مكاتبهم معروفة ونشاطهم يتم علنا وينشر على صفحات الجرائد. وقد دخلوا الإنتخابات البرلمانية ونجحوا تحت سمع وبصر الحكومة والآن يمثلون حوالى ٢۰% من النواب المنتخبين. وأيضا قد سيطروا على النقابات المهنية.  كيف تعطيهم الحكومة هذه الشرعية ثم بعد ذلك تشكو منهم ومن تأثيرهم على المجتمع؟ فى إعتقادى أن الحكومة تخطط لهذا وراضية عنه حتى تستخدمهم كفزاعة لتخيف بهم الأقباط والدول الغربية .

  أقباط المهجر هو ثالث شيطان إبتكرته الحكومة لتبرير فشلها. فيدعون أن أقباط المهجر هم الذين يسيئون الى سمعة مصر فى الخارج. وأن أقباط المهجر هم الذين يقوموا بالعمالة لصالح إسرائيل. وأن أقباط المهجر هم الذين يعملوا على قطع المعونة الأمريكية. وقائمة الإتهامات طويلة. مع أن أقباط المهجر هم المصدر الأكبر للعملة الصعبة التى تصل إلى مصر بسبب المعونات التى يرسلونها. وأقباط المهجر هم الذين يحثون الإدارة الأمريكية على إستمرار المعونة. وأقباط المهجر ليس لهم أجندة خاصة سوى الرغبة فى أن يروا أخوتهم أقباط مصر فى مساواة مع أخوتهم المسلمين. إذا كانت هذه جريمة فليشرحوا لنا كيف تكون.

 الحكومة المصرية وعلى رأسها الرئيس مبارك هى المسئولة عن كل مشاكل مصر وأيضا عن كل مشاكل الأقباط. معظم مشاكل الأقباط يمكن حلها بقرارات جمهورية تحمل توقيع رئيس الجمهورية ولا تستغرق أكثر من دقائق فى تنفيذها. ولكن عوضا عن الحل يحيلوننا الى البرلمان ويدخلوننا فى دوامة الحوارات والتخديرات والمسكنات. ولا علاج فى الأفق.

 ولكن السبب الحقيقى يتلخص فى جملة واحدة: أن الدولة لا تملك الإرادة لحل مشكلات الأقباط.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع