صبحي فؤاد
بقلم: صبحي فؤاد
قضية المرحومة مروة الشربيني المصرية التي كانت تقيم في ألمانيا وقُتلت غدرًا على يد ألمانى من أصل روسي داخل قاعة إحدى المحاكم، هذة القضية كشفت تناقضات العرب والمسلمين وفضحت ازدواجية معاييرهم وسلوكهم وأفعالهم، فعقب مقتل السيدة مرورة الشربيني "المسلمة المتحجبة" خرجت مظاهرات العرب والمسلمين في شوارع ألمانيا وبعض الدول العربية منددة بالجريمة وموجهة أصابع الاتهام نحو ألمانيا والشعب الألماني واتهامهم بالعنصرية ومعاداة الإسلام وكراهية المسلمين.
وبنفس الحماس والقوة نددت الحكومة المصرية بالجريمة البشعة وقامت بمطالبة الحكومة الألمانية رسميًا بمعاقبة القاتل، ولم تكتفِ بهذا الأمر وإنما قامت بتكليف عشرات المحامين وإرسالهم على نفقة الدولة إلى ألمانيا لرد الاعتبار للقتيلة واسترداد حقوقها، بالإضافة إلى المطالبة بتوقيع أقصى العقوبات على القاتل، وعلى نفس الموال سار الإعلام المصري وانشغل لأسابيع بهذه القضية واستغلها بمهارة وحنكة لتهيج مشاعر المسلمين في مصر وتحريضهم ضد الألمان والغرب وتصوير ما حدث على أساس أنه حرب شعواء ضد الإسلام وليس جريمة قتل عادية تقع مثلها عشرات يوميًا في قرى ومدن مصر والدول العربية والإسلامية.
ورغم صدور حكم بالسجن مدى الحياة منذ أيام قليلة ضد القاتل، إلا أن البعض في مصر أظهروا عدم رضاهم عن هذا الحكم وقرروا أن يتقدموا بعدة طلبات ضد القاضي والحارس الذي أطلق الرصاص على زوج المرحومة ظنًا منه أنه القاتل بالإضافة إلى طلب التعويض المناسب.
وعلى النقيض تمامًا من موقف نفس هؤلاء المصريون المسلمون وحكومتهم السنية تجاه قضية المرحومة مروة الشربيني، وجدنا الأكثرية داخل مصر والعالم الإسلامى يلتزمون الصمت المخزي تمامًا، ومن لم يلتزم الصمت حاول أن يجد العذر والمبرر لعشرات جرائم القتل العنصري ضد أطفال صغار رضع ونساء وشيوخ كبار في السن مسيحيون في مصر كانت جريمتهم الوحيدة أنهم لا يتبعون دين الدولة الرسمي!! عشرات الجرائم البشعة التي تعد طبقًا للقوانين الدولية جرائم ضد الإنسانية لم تحرك القيادة السياسية في مصر أو أصحاب الضمائر من اخوتنا المسلمين لاستنكارها والتنديد بها مثلما فعلوا عقب مقتل السيدة مروة الشربيني، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد مرتكبيها لردعهم ومنعهم من إعادة ارتكابها مرة ثانية.
لقد قامت المستشارة الألمانية بالاعتذار للرئيس مبارك وتعزيته في مقتل مرورة، بينما لم يُظهر الرئيس مبارك أدنى اهتمام ولو في مرة واحدة من المرات العديدة التي تم فيها قتل بعض المسيحيين من أبناء مصر بدم بارد ونازية ودموية لم نسمع عنها من قبل.
لقد مر ما يقرب على عشرة أعوام على جريمة أو مذبحة قرية الكشح في صعيد مصر، التي قتل فيها المتطرفين المتأسلمين عشرات الأقباط من سكان القرية عمدًا مع سبق الإصرار، ومع هذا لم يُحاكم حتى الآن قاتلاً واحدًا من القتلة المجرمين ولم يتم تعويض سكان القرية المسيحيين عما أصابهم، كل ما هنالك أنه تم عقد جلسات صلح عرفية لا وجود لها في قانون أو دستور الدولة أو القوانيين الدولية، وانتهى الأمر عند هذا الحد!
وليست مصر وحدها التي تُعرف بازدواجية معاييرها ومفاهيمها للعدالة وقوانين حقوق الإنسان بل هناك أيضًا السودان، مئات الألوف قُتلوا في الجنوب لأنهم رفضوا تطبيق الشرعية الإسلامية عليهم، ومئات ألوف آخرين قُتلوا في دارفور لأنهم يطالبون حكومة البشير بالاهتمام بهم وتخصيص جزء من مصادر الدولة للصرف عليهم وتحسين أحوال معيشتهم، ورغم هذا تجد من يدافع عن البشير ويتهم العالم بالعنصرية لأنهم قرروا محاكمته ومساءلته عن الجرائم التي أُرتكبت في حق ألوف من أبناء شعبه!!
ونفس الشيء يحدث في الصومال، جرائم رجم ضد الرجال والنساء وقطع أيادي باسم الشريعة الإسلامية والدفاع عن الإسلام، جرائم قرصنة يوميًا تُرتكب ضد السفن المدنية والركاب الأبرياء بمعرفة الجماعات الإسلامية التي تحلل ارتكاب هذة الجرائم وتجد فيها مصدرًا للرزق وكسب لقمة العيش!
ورغم هذا لا تجد أحدًا في مصر أو العرب أو العالم الإسلامي يعترض ويندد بجرائم العصابات والقراصنة الصوماليين، بل على العكس تجد جماعة الإخوان المسلمين في مصر تقوم بتعضيدهم أدبيًا ومعنويًا وسياسيًا وربما ماديًا.
والصراع الداخلي في اليمن وعلى الحدود السعودية هو أيضًا نوع من ازدواجية المعاير عند العرب والمسلمين، فعندما قذفت حماس القرى والمدن الإسرائيلية الحدودية وردت اسرائيل بالمثل دفاعًا عن النفس هاج العالم العربي والإسلامي وخرج الألوف إلى الشوارع في عواصم الدول العربية والإسلامية، ولكن عندما قامت السعودية بنفس الشيء للحفاظ على حدودها والتصدي للمعتدين على أراضيها التزم الجميع الصمت ومن لم يلتزم بالصمت أعرب عن تعضيده وتأييده الكامل ودعمه للسعودية ضد الحوثيين.
ليت العرب والمسلمين يقبلون التعامل معهم بالمثل، فلا يصح أبدًا أن يطالبوا على سبيل الذكر الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة بإصدار قانون يُجرّم ويعاقب من يهين الإسلام أو يسيء إليهم بينما هم أنفسهم لا يكفّون يوميًا عن الإساءة إلى أصحاب الأديان الأخرى وعقائدهم وأنبياءهم..
صبحى فؤاد
استراليا
Sobhy@iprimus.com.au
http://www.copts-united.com/article.php?A=10063&I=264