CET 00:00:00 - 15/11/2009

مساحة رأي

بقلم: عماد توماس
الهدف الذي أحرزه لاعب منتخبنا المصري عماد متعب فى الجزائر أحيا الآمال لملايين المصريين في الوصول لنهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا، والفرحة العارمة التي شهدناها في إستاد القاهرة والتلاحم الشعبي نحو منتخبنا القومي وخروج الجماهير لشوارع وميادين المحروسة من الحالات الاستثنائية التى تعبر عن حب المواطن لبلده ومدى انتماء المواطن للوطن،  هذه المباراة التاريخية أظهرت المعدن الأصيل للمواطن المصرين ولعل هذه المباراة وأحداثها قد طرحت بعض التساؤلات حول مفهوم الوطنية وهل تتعارض مع القومية وإذا تعارضا هل نعلى الوطنية على حساب القومية أم نعلى القومية على حساب الوطنية، نحاول في هذا المقال إجابة هذا التساؤل.
مفهوم الوطنية في أصلها اللغوي صفة من "الوطن" الذي هو البقعة من الأرض التي ينشأ فيها الإنسان، فهي صفة لأبناء الوطن مرتبطة بخاصية من أخص خصوصياته، لا يمكن التفريط فيها أو إستبدالها، وتعني في صورتها العامة "حب الإنسان لوطنه، وإرتباطه به، وشعوره بالولاء نحوه وإلتزامه بالنظم والقوانين السائدة فيه، وبذل الجهد للدفاع عنه والنهوض به وتطويره".
أما عن مفهوم"القومية": فإنه أكثر إتساعًا من "الوطنية" فالقومية لغويًا صفة من "القوم" الذين يقصد بهم "الأمة" أي الجماعة الكبيرة من الناس الذين تجمعهم أهداف ومشاعر نفسية واحدة ويرتبطون معًا بمبادئ مشتركة مثل الأرض واللغة والتاريخ وغيرها.

والمفترض أن الوطنية لا تتعارض مع القومية، وإنما تتكامل معها في إطار من المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة، وعندما تتعارض هذه المصالح فيجب الإختيار بين الوطنية والقومية، وفي الستينات من القرن الماضي غلبت القومية الوطنية، عندما شاركت مصر في معارك ليس لها فيها ناقة ولا جمل.
وتبدو الصورة الآن مختلفة فمنذ عدة سنوات في فترة التسعينات قام المدير الفني للمنتخب المصري -في ذلك الوقت الكابتن طه إسماعيل- بتغيير إسم المنتخب من "المنتخب المصري القومي" إلى "المنتخب المصري الوطني"، وما يحدث على الساحة الآن حول تجمع وحشد المصريين حول منتخبهم الوطني ضد المنتخب الجزائري المنافس جعل الوطنية تعلو القومية، ففي التنافس الكروي دعك من مصطلحات القومية والعروبة فالوطنية تنتصر شئنا أم أبينا ودليلنا هذه الحالة الجماعية من الحماس والترقب لنتيجة مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر.

مبنقبلش الإهانة
لم تكن الكلمات المعبرة في أغنية "الراب" التي كتبها ولحنها كريم سعد وأخرجها مايكل مجدي إلا أبلغ رد لــ "وطنية المصريين" في ردهم على إستفزازات لاعبو الجزائر فتقول بعض كلمات الأغنية:
مبنقبلش الإهانة علشان تكونوا فاهمين...ولا بنقبل أى كلمة تمس المصريين
مبنقبلش الإهانة علشان تكونوا فاهمين ...دي مصر غالية علينا وبكده عارفين
فعندما قام نفر من الجزائريين بحرق قميص المنتخب المصري والإستهزاء بالمدير الفني للمنتخب المصري حسن شحاتة، ثار المصريون وإعتبروه إهانة لكرامتهم وقرروا الرد الحضاري بالأغاني.
في كتابه البديع "سيكولوجية الجماهير" يرى عالم النفس الفرنسي "جوستاف لوبون" إن للجماهير خصائص تميزها عن الأفراد، وتقوم أحيانًا بأدوار متناقضة فهي تمارس دورها الوطني بالدفاع عن الوطن وأحيانًا تمارس دورًا معاديًا للوطن، وكل من إنضم إلى جمهور لتنفيذ مهمة وطنية يمكن أن يقدم أعمال إستثنائية غير متوقعة، مثل من قال أنه سيطلق زوجته إذا لم تفز مصر على الجزائر!! أو من سيمتنع عن أكل "الحلويات" في حالة هزيمة المنتخب أو مريضًا في "القلب" يحرص على المشاهدة رغم تحذير الأطباء له!!
ربما تكون كرة القدم هي الوحيدة التي إستطاعت أن تجمع كافة المصريين بكافية أطيافهم على حب هذا الوطن والتضامن الحماسي معه أمام المنتخبات المنافسة، بعيدًا عن شعارات "العروبة" و"الأمة العربية" و"الإخوة العربية".

الوطنية تجمع
المشهد المعبر في فيلم "الإرهابي" عندما إحتضن عادل أمام "المسلم" جاره في الفيلم "مصطفى متولي" عندما أحرز المنتخب المصري هدفًا في مباراة لكرة القدم، يعني من ضمن ما يعني أنه إذا كان "الدين" قد فرق المصريين، فإن الوطنية تجمعهم، فلا يمكنك أن تفرق بين مسيحي أو مسلم أو بهائي أو لا ديني أثناء تشجيع المصريين لمنتخبهم. فما فشلت فيه السياسة والدين في تجميع المصريين نجحت الرياضة في "توحيد" أبناء الوطن الواحد نحو منتخبهم الوطني.

حالة إستثنائية
نسى الشعب المصري -مؤقتًا- كل أحزانه ومشاكله وقضاياه من (خطر الأنفلونزا، وتصادم القطارين بالعياط، الأحداث الطائفية في ديروط وملوي، المشاكل الإقتصادية، التامين الصحي)،
وتفرغ لمتابعة منتخبة الوطني نحو الوصول لنهائيات كأس العالم في جنوب أفريقيا 2010، تهافت الآلاف من الجماهير للحصول على تذكرة دخول المباراة وعلقت أعداد كبيرة من المنازل والسيارات علم مصر.
الفتيات والسيدات يحرصن على المتابعة والدعاء للمنتخب ومعظمهم لا يتابعون المباريات لكن حمى "الوطنية" إنتابهم فتجدهم يرددون الدعاء عفويًا لفوز مصر بــ "الكأس" مثلما جاء في أحد الإعلانات -ولا تدرك هذه الأم البسيطة أن الفائز بالمباراة لن يحصل على "كأس"- يحرص الشباب والرجال على مشاهدة المباراة وسط "الجماعة الوطنية" داخل "المقاهي" ووضع علم مصر بجوارهم وكأنهم في إستاد القاهرة، الأغاني الوطنية التي لا تفارق المحطات الفضائية وقنوات التلفزيون المصري وكأن البلاد تقترب مع حرب مع العدو!!
كبريات الصحف إحتلت أخبار المباراة عناوين صفحتها السياسية الأولى، إحتفالات ومؤتمرات متعددة تأجلت لما بعد المباراة، فالأضواء والإعلام لا يشغله الآن إلا هذه الحالة الإستثنائية في التاريخ الكروي لمصر في مبارتها مع الجزائر.
وأصبحت كرة القدم الفرحة الحقيقية لجموع المصريين فقد يغضب ويثور من البلد والحكومة، قد يخرج في مظاهرات وإحتجاجات ضد النظام، لكنه يلبي نداء "منتخبه الوطني" في الدعاء له وتشجيعه على الفوز.

الرياضة والسياسة
لم تصبح كرة القدم مجرد أداة سياسية لإلهاء الشعوب عن الحديث عن مشكلاتها، فقد إنقلب السحر على الساحر وأصبح الحكام ورؤساء الدول تستهويهم "كرة القدم" يتحدثون عنها ويهتمون بها، وأصبحت دولة مثل "البرازيل" وهي أحد دول العالم الثالث حديث العالم لما لها من صيت وشهرة عالمية بفضل كرة القدم، ولا عجب أن يذهب رئيس البلاد في زيارة تشجيعية لتدريب المنتخب، أو تشاهد أعلي سلطة تنفيذية في البلاد تتابع المباريات من الملعب، وأصبح الإنتصار في مباراة كرة قدم أشبة بالإنتصار في "المعارك"، والمصريين المغتربون في الخارج وخاصة في الدول العربية يدركون حجم شعبية وتأثير كرة القدم على "نفسية" المغترب فقد لا يخرج من المنزل عند هزيمة منتخبة الوطني حتى يتجنب "شماتة" الآخرين.

هذا الشعور الوطني المتنامي ربما لم يكن بهذا الحماس المنقطع النظير قديمًا، فلم يكن هناك روابط للمشجعين، ولم تكن وسائل الإعلام بهذا العدد والإنتشار، ولم يكن الإنترنت قد ظهر بعد، ولم تكن دائمًا "الوطنية" أعلى من "القومية" وهي حالة تغيير نراها إيجابية في المجتمع المصري، وقد يغضب بعض المسيحيين من نسب البعض لإنتصار كروي للدين، أو تسمية المنتخب المصري بمنتخب الساجدين أو عدم وجود لاعب مسيحي واحد في المنتخب، لكن هذا لا يقلل أو يمنع -ولا يجب أن يقلل أو يمنع- فقيمة الوطن وحبنا وإنتمائنا له أعلى من عبث بعض من أفراده.

ما أجمل أن نختم هذا المقال بكلمات من آخر قصيدة لشاعرنا المصري الكبير فاروق جويدة  
"هذا عتاب الحب للأحباب" عندما يقول :
تساءلوا: كيف تقول:
هذي بلاد لم تعد كبلادي؟!
فأجبت:
هذا عتاب الحب للأحباب.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق