بقلم : مفيد فوزى |
لست مثاليا ولا أستطيع! أنا إنسان من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس, ومن أخطائي تعلمت الصواب, ومن هزائمي ذقت طعم الانتصار, وفي مرايا الآخرين رأيت نفسي! لم أفقد الدهشة, فمازلت انبهر, ولم أفقد الحماس, فمازلت أغضب, أعيش العصر بهمومه وأوجاعه قارة النفس البشرية بالتأمل ولاتزال النزوات وقودا علي الطريق, ولولا الأمل, لكفنت نفسي!. أشعر بالعطش لشيء غير الماء, هذا الظمأ في عقلي وصدري ويعشش في وجدان عقلاء منا في مصر تلك الدرة المحروسة بعناية الله ورعاية المخلصين لها, نعم( الميه تروي العطشان) ولكن هناك ما يروي القلب والوجدان. أتوق للعطش لتفعيل العقل وبلغة الشارع تشغيل المخ وتقفز أمامي عبارة رددها الحس الشعبي وهي: ده مخ مش مهلبية, لكننا عاملنا المخ في أحيان كثيرة علي أنه مهلبية وهبطنا به الي مستوي( البرطوشة), كان الفنان الراحل الكبير حسن فؤاد يقول:( دي أمور تتاخد بالعقل, احنا مش بنعمل قباقيب)..ألغينا عقولنا لأن الأنانية في أبلغ صورها سكنت نفوسنا وجعلت منا( نفوسا ميتة) نسبة الي رواية جوجول الشهيرة, وحين نلغي عقولنا, نصبح فريسة سهلة للدهماء والعشوائية والغوغائية, ونفكر بعواطفنا وتتحول مباراة كرة قدم رياضية مع فريق الجزائر كساحة حرب مشحونة بعدوانية صنعها إعلام طائش وتسقط فيها الرياضة شهيدة. في انتخابات مجلس الشعب, نلغي عقولنا لأن( القبلية) تسكن نفوسنا ونتصرف في أصواتنا كالسائرين نياما, بجنيهات معدودة تشتري الأصوات وبشوية بطاطين وشكارتين رز تشتري الأصوات وبوعود عمل بعد البطالة تشتري الأصوات, نعم, فلا شيء يدهش أكثر من الحقيقة. أشعر بالعطش للتسامح, انها قيمة انسانية مضطهدة في حياتنا وما كل الفتن الطائفية التي تظهر علي سطح المجتمع بين الحين والآخر إلا نتيجة غياب التسامح.. في السبعينيات طرت الي نيقوسيا العاصمة القبرصية لأحاور الأسقف مكاريوس حول الحروب الناشبة بين الأتراك والقبارصة, وقال لي الأسقف الحكيم يومئذ: اننا بحاجة للتسامح في العقول والصدور, لان قوات الأمم المتحدة ستحفظ النظام الحدودي وقتا ثم يعود الصراع, ما أبلغ قول مكاريوس, فالقوة لا تمنع الصراع والمعالجات الأمنية لا تمنع الصراع, ولكنه التسامح وقبول الآخر والرغبة المشتركة في الحوار. ولست في حاجة الي التذكرة بأن( التعليم الراقي الكامل بدون مناهج محذوفة وبدون قنوات تعليمية تستعيض فيها عن اللقاء الحي المباشر بين التلميذ وأستاذه) هو القادر علي أن يملأ خياشيم الروح بالتسامح. بي عطش الي التقدير المعنوي في المجتمع, اننا من فرط أنانيتنا المزدوجة لجأنا للتعتيم علي أي جهد أو نجاح واختفي التقدير, ولكنه احيانا يلمع في أداء فعلي يثير الاحترام. إن قيمة التشجيع ضرورة قصوي في ميدان العلم ومعاهد البحوث والمراكز القومية للبحث العلمي, لأن العلم في مصر( مولد وصاحبه غايب) وان يتبع البحث العلمي ذيل وزارة, اهانة لمصر وللعلم, تشجيع العلماء ماديا ومعنويا فريضة غائبة. بي عطش الي الحب بدون مقايضة, ان أسوأ الأشياء في الحياة هي( الود بأجر), وأكثرها سوءا, حين يصبح الحب صفقة, لكل لفتة ثمن ولكل ايماءة ثمن, هنا, يتمني المرء تصحير الشفاة, ولست خياليا, فلا حب بدون مقايضة إلا حب الأم وليس لعطائها السخي فواتير. بي عطش للصدق في الكلمة. بي عطش لثقافة الفرح وليس بالضرورة أن ترتبط بالكورة. بي عطش الي الذوق السليم ولن يكون إلا اذا قاطع الناس وجهه الدميم. بي عطش الي الحساب الدائم, فبدونه تكبر خطايا المجتمع وتصنع بركة راكدة من الفساد ويتفحل! بي عطش للولاء الحقيقي لبلد أعطاك وعلمك ومن حقه عليك الانتماء الصادق له, بدون الانتماء تغدو البلد جزرا معزولة من المصالح الرخيصة. بي عطش الي الحياة والخشا والسفور آفة والحرية ليست فوضي العبث بالقيم, والحياء من أجمل صفات الأنثي بل هي مرتبة الأنوثة العالية, إن الناس تصف شبابا لاهيا بقلة الخشاء, نعم.. ما عادت البيوت في معظمها تربي, صار هدفها الأوحد تستيف الجنيه فوق الجنيه من أجل أحلام استهلاكية أو دروس خصوصية, ويوم غابت سلطة الأب, فقد الأولاد والبنات معيار الخطأ والصواب. بي عطش لديمقراطية غير منقوصة, ديمقراطية مصارحة ولا تجلب نكسات ومهما كانت مساويء الديمقراطية فهي أقل بكثير من مآسي اختناق الحرية وانتهاك العدالة نقلا عن : جريدة الاهرام. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |