بقلم: نشأت عدلي
انتشرت كثيرًا في السنين الأخيرة عمليات جراحة التجميل الخاصة بالوجه وذلك لتجميل جزء منه أو تغيرة بالكامل، وأصبح في إمكان كل شخص أن يغير كل ملامحه إلى ما يريده هو، هذه العمليات يجريها أطباء متخصصون في التجميل، ولكن يوجد نوع من عمليات التجميل لا تُجرى إلا عن طريق طبيب أوحد هو المتخصص الوحيد فيها، وهي عمليات تجميل النفس الداخلية للإنسان، ولا يجريها إلا الله.. منهـــا..
- التجربة:
كل موقف عادي يمرّ على الإنسان يكسبة خبرة حياتية لمنفعته، والتجربة موقف ولكن به شيء من الصعوبة، تشعر مع هذه التجربة أن الحياة قد وقفت إلى هذه اللحظة، وفي حقيقة الأمر أن التجربة تصقل النفس وتدربها على نوع جديد وخبرة جديدة في الحياة الروحية، تلجأ لأصدقائك.. لمعارفك.. فلا تجد حلاً.. فيصبح منفذك الوحيد هو جثو الركب والصلاة بحرارة قلب حائر وربما مكسور، ولكن ملؤة ثقة، وإذ بهذه التجربة المريرة تتحلل كل أجزائها ويوجد لك الرب حل لكل جزء منها، فإذ بها تذوب بأكملها أمامك وتصبح لا شيء وتكتسب خبرة وعشرة مع الرب في كل تجربة تمر بك حتى لو كانت أقسى وأشدّ من سابقتها، بل يصبح القلب يتلذذ بهذه التجارب حتى تختبر عطف وقوة الله وحنانه معك، ربما تأتي حلول الله في أيام كثيرة وليس على حسب رغباتك في أن يكون الحل سريعًا، ولكنها تأتي بحسب ترتيبه ومشيئته.. بدون أية تدخّلات تُذكر من البشر، فالتجربة تنقلك من مرحلة الطفولة الروحية إلى مرحلة النضوج الروحي.
وأحيانًا يستلذ الإنسان الروحي بلحظات ضعفه لكي يستقوي بالله ويلتصق به، ويأخذ لضعفة قوة ينتصر بها.. ويهتف من عمق القلب.. معك لا أريد شيئًا على الأرض.
- الضيقة:
أجمع الكثير من الآباء على أن الضيقة هي تجربة مريرة.. وأشد من التجربة العادية..
والضيقة هي.. ما ضاق القلب البشري على احتمالها (قداسة البابا شنودة الثالث)
أو ما ضاق الإنسان على تحملها والتوافق معها، وعندما تأتي الضيقة لأي إنسان منا نجد الروحيين يتقبلوها بفرح شديد ويهتفون مع الرب.. لأنه بضيقات كثيرة يبنغي أن ندخل ملكوت السموات، لأنها تُصقل النفس وتزيل منها الشوائب التي تلوثها فتصبح نقية، وقد قال المتنيح القمص بيشوى كامل.. الضيقة هي جراحة التجميل التي يجريها الرب للنفس البشرية.. بل بعض الروحيين يطلب من الرب هذه الضيقات لكي ينظروا عمل الرب ويتمتعوا به، فهم يقولون أن هذه الضيقات كنار شديدة تحرق الشوائب التي بداخل النفس البشرية لتتصفى وتتنقى كمثل الذهب الذي يدخل البوتقة ليخرج ذهب نقي خالي من الشوائب، تكتوى بنار الحب الإلهي.. وتتذوق النعمة.. تذوق حلاوة هذه النار وهي تصلي بحرقة وإشتياق، تأكل من هذا المنّ السمائي ولا تشبع..
تطلب الضيقات لتستمر العشرة والصلاة بعمق القلب، لكي ترى من خلالها الله وهو يتجلى بقوته العظيمة.. ويمسح بيديه دموع الألم.. ويجفف عرق المعاناة، وتعيش في دنيا التعزية الربانية.. وتضع يدك على خدك وتنظر للسماء، وتتأمل صنائع الرب وعجائبه معك.. وتهتف له من عمق القلب.. صغير أنا يارب عن جميع ألطافك، وتذوب في هذا الحب العجيب.. بل وترى ملكوت الله الذي قرأت عنه.. بداخلك.. يتغلغل في كل كيانك.. فتسمو روحك وكل ما فيك.. وتنسى كل شهوة أو غريزة أرضية.. ويرتفع عقلك إلى السماء.. ولا تمل من النظر إليها، فترى الله المحب العجيب يسكن هذا القلب الصغير الذي لا يسع هذا الحب، وتسأل نفسك كثيرًا.. ماذا فعلت مقابل هذا الحب؟؟ وماذا أعطيت لكي يحبنى بهذه القوة ويفديني ويموت من أجلي، للآن لم أعطه شيئًا.. بل أتمنى أن أموت فداء لهذا الحبيب.. وتتمنى حينما تخرج من تجربة أو ضيقة أن تدخل في الأخرى لترى قوة الرب وهي متجلية معك تصنع العجائب، لقد عرفت.. بل واكتسبت خبرة روحية على كيفية التغلب على التجربة أو الضيقات.
إن التجارب والضيقات هي مقياس يقيس به الرب مدى تحملنا واحتمالنا وحبنا له، والله غير مُجرب بالشرور.. ولايعطى التجربة إلا ومعها المنفذ، ولكن هذا المنفذ لا بد وأن يكون عن طريقة هو، فكل ضيقة أو تجربة تمر على الإنسان ما هي إلا جراحة تجميلية للنفس لكي تتهذب، ويستمر في هذه الجراحات إلى أن تتجمل النفس وتُرضي الله بهذا الجمال، إلى أن تنطبع صورة جماله علينا.. لكي تبقى النفس البشرية مستحقة أن تتواجه مع الله في صورتها الجديدة، فتصعد إليه وهي في قمة الاشتياق الروحي أن تتلاقى معه.. وتنظرة بعينيها.. وتتمتع بكل الحب الذي وعدنا به، حينئذ.. نرتمي في أحضانه.. وننسى كل ما عانيناه من تعب.. ويمسح بيديه كل دمعة سالت من أعيننا ندمًا عن بعدنا عنه.. ونصرخ من كل القلب.. لقد التهبت شوقًا إلى هذه اللحظة منذ تعرفنا عليك وتقابلنا معك. |