بقلم: لطيف شاكر
اللغة القبطية لسان القبط
فى القرن الخامس عشر
يكتب المقريزي -و هو المؤرخ العربي الشهير، المتوفي سنة 1441م- في كتابه "الخطط و الآثار" فيقول (في المجلد الثاني، صفحة 507) ضمن حديثه عن دير موشه ما يلى:
"والأغلب على نصارى هذه الأديرة معرفة القبطي الصعيدي وهو أصل اللغة القبطية، وبعدها اللغة القبطية البحيرية، ونساء نصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا بالقبطية الصعيدية، ولهم أيضًا معرفة تامة باللغة الرومية".
وعند كلامه فى نفس الكتاب (الجزء الثاني، صفحة 518)عن دير درنكة يقول :"ناحية درنكة هي قرى النصارى الصعايدة، و نصاراها أهل علم في دينهم وتفاسيرهم في اللسان القبطي".
في القرن السادس عشر وحتى أوائل القرن السابع عشر للميلاد:
1. يقول عالم المصريات الشهير "ماسبيرو" في محاضرة ألقاها بنادي رمسيس في 19 نوفمبر 1908م عن "صلة المصريين الأقدمين بالمصريين الحاليين":
" ولكن من المؤكد أن سكان صعيد مصر كانوا يتكلمون ويكتبون باللغة القبطية حتى السنين الأولى من القرن السادس عشر في أوائل حكم الأتراك. ويؤخذ من بقايا كتابات ذلك العصر (أن العنصر القبطي كان لم يزل قويًا محترم الجانب في تلك الأنحاء) .
ولم يمر قرن ونصف قرن فقط حتى قدم سائح فرنساوي في أيام لويس الرابع عشر(1643– 1715م) إلي أخر كاهن قبطي يجيد التكلم باللغة القبطية، والمرأة العجوز التى تنازعه ذلك الإمتياز المحزن. ومن ذلك الوقت أصبحت القبطية لغة الطقوس الدينية فقط (جرجس فيلوثاؤس عوض، المجلة القبطية، السنة الثانية، صفحة 12).
2. يذكر الرحالة الألماني "الراهب الدومينيكاني فانسليب" في كتابه المترجم إلى الإنجليزية بعنوان:"حالة مصرالحاضرة أو رواية جديدة لرحلة حديثة لتلك المملكة"-تمت عامي 1672- 1673 م، والمطبوع في لندن سنة 1678م- أنه وجد بين الأقباط من يتكلم لغته الأصلية، فعند زيارته لأسيوط قابل فيها المطران القبطي الأنبا يوأنس الذي عرفه بأحد أصدقائه المدعو المعلم أثناسيوس، وهو الشخص الوحيد في مصر العليا الذي يتكلم لغة البلاد الأصلية؛ أي اللغة القبطية.
في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين للميلاد:
1. فَقَدَ كثير من الأقباط القدرة على قراءة نصوص الصلوات المكتوبة باللغة القبطية، فبدأوا يكتبون النصوص القبطية بحروف عربية، فظهرت إبتداء من القرن الثامن عشر "مخطوطات لأبصلموديات وخولاجيات وخدمة الشماس وأجبيات" نصوصها القبطية مكتوبة بحروف عربية، وبعضها مكتوب في ثلاثة أعمدة للصفحة الواحدة كمخطوط خولاجي دمنهور، حيث نجد فيه العمود الأيسر مخصصًا للنص القبطي بحروفه القبطية، والعمود الأوسط للنص القبطي مكتوبًا كتابة صوتية بإستخدام الحروف العربية، والعمود الأيمن للترجمة العربية.
2. وكان رجال الإكليروس خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حريصين على المحافظة على التراث الباقي من القبطية الذي يربطهم بأمجاد الماضي وتراث الأباء. فكانوا لا يقدسون القداس ولا يتكلمون داخل الهيكل إلا باللغة القبطية. وبالرغم مما أنتابهم من الجهل والفقر بسبب ظلم الحكام لم يهملوا لغة الأباء. وكانوا يعتقدون أن الصلاة داخل الهيكل بغير اللغة القبطية أمر لا تقره القوانين الكنسية.
3. ولئن كان الإستخدام المتصل للغة القبطية في الحياة اليومية قد إنتهى، إلا إنه بقيت لدى بعض العائلات القدرة على التحدث باللغة القبطية، ولو أن هذة المقدرة إستمرت في التناقص تدريجيًا من جيل إلى جيل. ومع ذلك فقد بقيت كثير من المفردات والتراكيب القبطية مستعملة في لغتنا العربية العامية، وبعضها شائع على ألسنة الأقباط والمسلمين على السواء (مقال"المفردات القبطية في لهجة مصر العربية العامية"،المنشور بالإنجليزية في دائرة المعارف القبطية للدكتور إميل ماهرemile maher ishak,"Egyptian Arabic vocabulary, Coptic influence on" the Coptic encyclopedia,ed atiya ,a.s.,vol.8,pp.112-118..
4. الروايات عن بعض عائلات قبطية إحتفظت بالقدرة على التحدث بالقبطية في أمور الحياة اليومية خلال القرن التاسع عشر كثيرة، و لكن يلزم أن نتذكر أنهم كانوا يتحدثون أساسًا باللغة العربية، وأن تحدثهم باللغة القبطية كان يجرى لبعض الوقت بصفة مستديمة.
وقد سجل "ورل" ماسمعه عن القسوس في فرشوط في القرن التاسع عشر ولم يكونوا يتكلمون داخل هيكل الكنيسة سوى باللغة القبطية، وأنهم بعد الصلاة كانوا يشربون القهوة مع العرفاء ويتحدثون بالقبطية، وأن الأطفال كانوا يتأثرون كثيرًا بهذة اللغة السرية وإشتهوا أن يتعلموها. ويقول ورل إن التحدث بالقبطية كان عادة وتقليدًا عائليًا متوارثًا في عائلات العرفاء والقسوس بما في ذلك النساء. وإن مواضيع الحديث بالقبطية كانت تتطرق إلى حالة الجو، وأسعار البهائم، والأعراس، والوفيات، والزيارات، والحكايات، والأساطير(المرجعworrell<Coptic texts<1942<p>306<quoting az(=zas)39(1901),p.87)
العلامة يسى عبدالمسيح (المتوفي سنة1959م)ينقل عنه ورل أن جده أخبره أنه كان يسمع أباه والناس يتحدثون معًا بالقبطية في الكنيسة (نفس المرجع)
1. من تراث اللغة القبطية في الزينية (الأقصر):
الزينية قرية من توابع الأقصر تحتفظ إلى الآن بتقليد النطق الأصيل الصحيح للغة القبطية، كما أنها من المعاقل الأخيرة التي تحتفظ ببقايا تراث عائلي للتحدث باللغة القبطية. وقد إهتم به معهد الأبحاث الأثرية بجامعة ميتشجان في أمريكا، فأوفد بروفسور "ورل" أستاذ اللغة القبطية في تلك الجامعة ليجري أبحاثًا مع دكتور فيسيشل؛ لتسجيل تراث اللغة القبطية في تلك القرية خلال عامي1936,1937م. ونشرت عنه مقالات مبدئية في المجلات العلمية إلى أن نشر البحث نفسه كفصل ملحق بكتاب ورل عن النصوص القبطيةpopulartraditions of the Coptic language" in worrell ,w.h.,Coptic texts,ann arbor 1942,pp.295-342.,.worrell,w.h.,and vycichl,w
بدايات الدراسات القبطية في الغرب
جاءت صحوة الغرب في العصر الحديث وإهتمامه باللغة القبطية وتراثها الأدبي في القرن السابع عشر الميلادي، أي في نفس الذي كانت اللغة القبطية موشكة فيه على الزوال من الإستخدام كلغة تخاطب في الحياة اليومية.
المخطوطات القبطية تصل إلي الغرب
إجتذبت اللغة القبطية إنتباه علماء الدراسات الشرقية الغربيين وإستولت على إهتمامهم فانكبوا على دراستها، يحفزهم إلي ذلك تزايد مجموعات المخطوطات القبطية التي بدأت تصل إلي الغرب يحملها الرواد الأوائل من السياح المثقفين الذين بدأوا يتوافدون على مصر بأعداد تزايدت عبر السنين.
و كان من أوائل هؤلاء واحد من النبلاء الرومان يدعى بيترو ديلافال Pietro della Valle (1586 – 1652م) عاد من مصر إلي أوربا بمجموعة من المخطوطات القبطية، من بينها خمسة كتب للقواعد (مقدمات) وإثنان من المعاجم القبطية المعروفة بالسلالم.
وخلال القرن السابع عشر كانت المكتبات الأوربية توفد مندوبين في مهمة لإقتناء المخطوطات القبطية لحسابها بهدف إثراء تلك المكتبات بنوادر المقتنيات، فإقتنى "فانسليب" (Vansleb Wansleben ) خلال إقامته بمصر سنتي 1672– 1673م مجموعة كبيرة من المخطوطات من بينها رقوق من دير القديس "الأنبا شنودة" المعروف بالدير الأبيض بجبل أدريبه بالقرب من سوهاج، و هي تشكل جزءًا من المجموعة القديمة من مقتنيات المكتبة الوطنية بباريس التي أثريت فيما بعد من نفس المصدر بمكتشفات جاستون ماسبرو سنة 1883 م، والإخوة السمعانيين The Assemani brothers و هم من عائلة السرياني الموارنة بسوريا الذين تخرجوا من الكلية المارونية بروما، إقتنوا في العقد الأول من القرن الثامن عشر المجموعة الكبرى من المخطوطات القبطية البحيرية التي يوجد معظمها الآن في مكتبة الفاتيكان، وإقتنوا أيضًا مجموعة المخطوطات السريانية الهامة التي كانت محفوظة في دير السريان بوادي النطرون بمصر.
(Shore, "Christian and Coptic Egypt " , in Harris , The Legacy of Egypt p. 418 ).
الدارس الأوربي، والمطبعة القبطية الأولى..
كان المستشرق المتخصص في الدراسات العربية توماس أوبيسيني Thomas Obicini (توماس دي نوفارا Thomaso di Novara) هو أول من خطا الخطوة الأولى نحو تفهم اللغة القبطية ، وإنتاج أول حروف طباعة قبطية في العالم في سنة 1628م. ولكن وفاته المفاجئة في سنة 1632م عطلت نشر كتب القواعد التي كان بيترو ديلافال قد أحضرها إلى الغرب (نفس المرجع).
- أول كتاب مطبوع عن اللغة القبطية في القرن السابع عشر الميلادي..
و بعد أربع سنوات أي في سنة 1636م أخذت الدراسات القبطية مكانها وتثبتت مكانتها في الغرب عندما نشر الراهب اليسوعي العلامة أثناسيوس كيرشر Athanasius Kircher مؤلفه بعنوان :
Prodromus Coptus sive Aegyptiacus, romae 1636.
و فيه يقرر أن اللغة القبطية هي السلالة المباشرة للكلام في العصور الفرعونية.
كما طبع كيرشر أول أجرومية قبطية ومعجم قبطي بلسان أوربي في روما سنة 1643 – 1644م بعنوان :
Kircher, A., Lingua aegyptiaca restituta, romae 1643
و يحتوي هذا الكتاب على مقدمة السمنودي ومقدمة ابن كاتب قيصر، و السلم الكبير لأبي البركات شمس الرئاسة، و السلم المقفى لأبي إسحق بن العسال.
-المطبوعات القبطية في القرن الثامن عشر الميلادي
طُبعت مجموعة من كتب قواعد اللغة القبطية، أولها نشره بلمبرج Blumberg سنة 1716م، وتلاه كريستيان شولتز Christian Scholtz ، ثم الأسقف القبطي الكاثوليكي بروما روفائيل الطوخي سنة 1778م، كما طبع لاكروزLacroze قاموسه القبطي سنة 1775م، وطبع ديفد ويلكيز David Wilkins العهد الجديد كله بالقبطية البحيرية سنة 1716م، أسفار موسى الخمسة بالقبطية البحيرية سنة 1731م، و طبع روفائيل الطوخي سفر المزامير بالقبطية البحيرية سنة 1744م، و طبع جورجى Georgi جزءًا من إنجيل يوحنا بالقبطية الصعيدية في روما سنة 1789م.
وإشترك فويدا Woide في طباعة العهد الجديد من نسخة الإسكندرية اليونانية، و أضاف إليها أجزاء من العهد الجديد بالقبطية الصعيدية من المخطوطات في أكسفورد في سنة 1799 م مع تعليق له يقول فيه: "عن أي شخص يريد أن يطبع النسخة اليونانية السبعينية في المستقبل علية أن يرجع إلى النسخ القبطية للإستفادة منها" ويقدم من واقع خبرته أمثلة يحتفظ فيها النص القبطي بمزايا تتفوق على النص اليوناني وتوضيحه، و تؤكد أن النص القبطي يرجع إلى نسخ يونانية أقدم من النسخ اليونانية المعروفة، نشر روفائيل الطوخي مجموعة من الكتب الطقسية القبطية المكتوبة بالقبطية مع الترجمة العربية، وهى الخولاجي للقداسات الثلاثة (1736م)، وكتاب الصلوات الليلة والنهارية السبع أي (الأجبية 1750م)، وكتاب الرسامات لدرجات الأكليروس وتقديس الميرون -المطبوعات القبطية في القرنين التاسع عشر والعشرين للميلاد..
إزدهرت الدراسات القبطية في الغرب منذ القرن التاسع عشر إلى الآن وبدأت تنشط أيضًا في مصر، فطُبعت نصوص قبطية كثيرة وقواميس وكتب لقواعد اللغة القبطية يخرج حصرها أو التحدث عنها بشىء من التفصيل عن نطاق هذا الكتاب، ويريد التعرف على المزيد من قوائم أسماء الكتب القبطية التي صدرت خلال تلك الفترة أن يطلع على قوائم المراجع الملحقة بأجرومية شترن (سنة 1880م)، وأجرومية مالون في طبعاتها الحديثة، و بيليوغرافيا كامّارير قوائم الببليوغرافيا التكميلية التي تنشرها مجلة Orientalia
ابتداء من سنة 1949م، وكذلك مخطوطات نجع حمادي الخاصة بالغونسيين، والدراسات التي صدرت و ما زالت تصدر بحيث أصبحت لكثرتها تشكل مكتبة قائمة بذاتها.
اللغة القبطية (لغة مُفترى عليها) (2/5)
لغة مفترى عليها.. اللغة القبطية (1-5) |