|
يا خسارة يا مصر.. جملة قالها لي أخي عندما قرأ خبر تصدير نساء مصريات عاملات نظافة إلي الخليج.. ورغم أنني كتبت في العدد الماضي عن هذا الموضوع ثم كتبت مرة أخري في جريدة »المصري اليوم« اليوم ورغم أن أقلاماً كثيرة كتبت وطالبت بإيقاف هذه »المذلة« إلا أن الحكومة كعادتها ودن من طين وودن من عجين وذلك لأنها قررت منذ أن تفوهنا بكلمة »ديمقراطية« ومنذ أن ظهرت في مصر أحزاب ومنذ أن سمعنا ان في بلدنا معارضة وصحف معارضة..
قررت منذ بداية هذا المشروع الوهمي أن تتبع سياسة مستفزة لنا ومريحة جداً لها.. فالحكومة تترك من يعارض ليعارض ويصرخ وصوته يتنبح ويطق له عرق ثم يخبط رأسه في أقرب حائط ثم ينادي علي زوجته لتحضر جالون جاز وعلبة كبريت وتولع فيه.. وتجلس الحكومة في الحجرات المكيفة آخر سقعة وبرودة ولكنها للحق تتابع هذا المعارض وهو يحترق ويتلاشي وأمام الأمريكان إحنا عندنا معارضة وقلة منحرفة كمان وميت فل علي كدة..
والحقيقة ان الإهانة الشديدة في تصدير العاملات ليست في المهنة ذاتها ولا في الأجر الزهيد ولا في العقد المجحف لصاحباته ولكن في أن تتم هذه الصفقة من خلال وزارة قوي عاملة تتبع لحكومة الحزب الوطني الذي احتفل بنفسه وحلاوته في مؤتمر عالمي منذ أيام. من البديهي ان نري عاملات مصريات في أي بلد عربي ومنذ سنوات أيضا ولكن عددهن كان قليلا وسافرن بمفردهن وباختيارهن ومن البديهي أيضا أن تتولي أي وزارة تتبع حكومة الوطني إرسال خبرات وكوادر محددة لديها إلي وزارة مماثلة في أي بلد عربي كإعارة لمدة عدة سنوات محددة وأن تتدخل هذه الوزارة بمستشاريها القانونيين لتنقيح العقود
وضمان حقوق رجالها ونسائها.. يعني وزارة الصحة بلد كذا تطلب من وزارة الصحة المصرية أو وزارة التعليم أو رآسة جامعة كذا وكذا.
لكن أن تطلب حكومة بلد عربي من السيدة وزيرة القوي العاملة أن تصدر لها »عاملات نظافة« فهذا كثيرا جدا ومهين جداً ومؤلم جداً.. وهذه الصياغة
الرسمية للصفقة والإعلان عنها بهذا الشكل يقترب بالأمر من التشهير وليس التسفير خاصة وأن السيدة الوزيرة نفسها رفضت مشروعا مماثلا من قبل وقالت انها إن وافقت علي مشروع كهذا سوف تفتح علي نفسها أبواب جهنم أي أنها تعلم تماماً أن مشروعا مثل هذا سيثير الغضب ويشعرنا بالهوان. ولا أدري لماذا وافقت هذه المرة.. هل تأكدت ان أبواب جهنم محكمة الإغلاق وأن الكرامة سقطت واختلطت بأسفلت الشوارع وأن نساء مصر أصبحت أسعارهن في متناول الجميع وأن اللي زي حالاتي ممكن يهاتي ويتعصب ومرارته تفرقع ولكن أخيراً سوف أخطف رجلي لشط إسكندرية عشان أشرب من المالح. المصيبة الثانية أن مئات أو ربما آلافا الله أعلم أسرعن وهرولن إلي هذه الوظائف المشرفة للحصول عليها.. ولا أستطيع أن ألوم أو أن أسب فالحوجة شديدة..
قالت لي سيدة إن هذه الوظيفة لو عرضت علي ابني الشاب خريج الجامعة سوف يذهب لأنه عين في إدارة حكومية بمرتب قدره 172 جنيها لا تكفيه مواصلات وسندويتش فول وكوب شاي يومياً. في الوقت الذي يقسم فيه وزير المالية برحمة جده الكبير بأنه لا يوجد في مصر أحد يقبض أجرا أقل من 300 جنيه. ما علينا .. أريد الآن أن أعرف من أي أحد في مصر المحروسة ما قيمة إتمام هذه الصفقة من خلال السيدة وزيرة القوي العاملة؟ إذا كانت المهنة حقيرة والأجر زهيدا والعقد يعتبر عقد »إجحاف« رسمي لأن السيدة العاملة إذا توفاها الله لها أجر شهر فقط طيب وإذا ماتت مقتولة؟ أو إذا اعتدي عليها أحد؟ بلاش كدة.. إذا ماتت وتم صرف مرتب شهر واحد فقط لها من الذي سوف يتكفل بنقل جثمانها إلي بلدها لتدفن علي الأقل في تراب الوطن الذي طردها شر طردة؟ وفي أحد البنود.
إن الإدارة من حقها طرد العاملة دون إبداء الأسباب وسوف تسافر الي بلدها علي نفقتها الخاصة!!. ولو طردت بعد أن أرسلت كل ما لديها إلي أهلها في مصر ولم يكن معها أجر الطائرة ماذا تفعل؟ هل تسير تتسول في الشوارع حتي تجمع ثمن تذكرة الطائرة أؤ تلجأ للسفارة المصرية لتسفرها؟ وإذا حدثت معجزة واستجابت السفارة المصرية لست غلبانة كانت عاملة نظافة في مدرسة يعني تكنس الفصول وتمسحها وتنظف الحمامات وتحمل صناديق القمامة لا مؤاخذة.. إذا حدثت المعجزة واستجابت السفارة المصرية للسيدة الضالة الطريدة المفلسة في شوارع الأشقاء حبايبنا.. أعز الناس.. وقامت بالعناية بها وقطعت لهاتذكرة طيارة علي حساب وزارة الخارجية؟ ما هو مكسب الصفقة إذن؟ يعني الست الوزيرة تصدر والإدارة هناك ترفد والخارجية تدفع.. إيه العك ده؟ ..
وكمان هذا علي أساس ان السيدة الضالة الطريدة استطاعت الوصول إلي سفارتها وهذا خيال غير علمي.. ماذا لو لم تستطع؟ .. قولوا إنتم بقي.. أنا شخصيا أتوقع ان تعود بعد سنوات لتشتري عمارة بسكانها. أنا أعلم جيداً أنني أتعب نفسي علي الفاضي وأن السادة القراء سوف يجهدون أعينهم بلا مقابل ولن تتراجع السيدة عائشة عبدالهادي عن مشروعها الوطني بتاع الحزب الوطني الذي وعد بتشغيل الشباب وأهوه قد أوفي الحمد لله. ولكن أتساءل سؤالاً بريئا.. لماذا لم يتم هذا المشروع من خلال مكاتب تخديم؟ وهي كثيرة جداً في مصر هذه الأيام؟.. وهل كان ضروريا أن يكون عن طريق وزارة مصرية؟ أم أن الوزارة أنشأت مكاتب تخديم ملحقة بها وإحنا جهلة ما نعرفش؟ إذا كان الأمر كذلك كان لابد أن يكتب في الصحف ان الحكومة الكويتية طلبت من مكاتب »المخدماتي« الملحق بوزارة القوي العاملة 500 عاملة.. كدة الخبر يبقي مظبوط وما نقعدش نحرق في دمنا كده.. حرام عليكم.
نقلا عن : الوفد |
مقالات مختارة 
الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت
عدد التعليقات: ٠ تعليق
