بقلم: مجدي ملاك
لم يكن خطاب أوباما الأخير الذي وجهه للشعب الإيراني خطاب عادي أو يمكن أن يمر دون أن نحلل ما جاء به من تفاصيل، فعلى الرغم من قصر الخطاب في كلماته إلا أن مضمونه التحليلي يحتل العديد من التفاصيل التي يجب أن ندركها ونعرف إلى ماذا تهدف في هذا الوقت تحديداً.
في البداية يخطئ كل من يعتقد أن الولايات المتحدة لديها تغيير جذري في سياستها الخارجية من خلال الإستراتيجية الجديدة التي يتبعها الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، ولكن يمكن أن نحلل ذلك الخطاب بأنه تغيير إستراتيجي في لغة الخطاب التي يبتغي البيت الأبيض اتباعها في الفترة القادمة، وأكبر دليل على ذلك أنه قبل هذا الخطاب بأسبوع تحديداً قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتجديد العقوبات المفروضة على الدولة الإيرانية لمدة عام آخر، وهو ما يعني أن هناك مواقف ثابتة لا يمكن أن تتغير.
إذاً السؤال المطروح الآن هو ما الذي دفع باراك أوباما إلى هذا الخطاب في هذا الوقت؟، والإجابة ليست بالصعوبة التي يمكن استنتاجها، ولكنها فقط تحتاج إلى نوع من التحليل لما يدور داخل الشأن الإيراني ذاته، وتحديداً ما يتعلق بالإنتخابات الإيرانية التي تشهد تغييرات كبيرة خاصة مع إعلان الجانب الإصلاحي بقيادة خاتمي إنسحابه من الإنتخابات الإيرانية وهو ما سوف ينتج عنه إضعاف أي محاولة للإنفتاح الخارجي ليس فقط على الولايات المتحدة ولكن على العالم بشكل عام، ومن المعروف أن الجانب الإصلاحي بقيادة خاتمي أكثر تقبلاً لفكرة إقامة علاقات مع الولايات المتحدة، كما أن التسلح النووي لم يأخذ هذا الحيز حينما كان خاتمي رئيس لإيران في وقت سابق، ومن ثم يمكن تفهم خطاب أوباما هو دعوة من أجل إسقاط المتشددين داخل إيران، وإن الشعب الإيراني عليه أن يختار قيادة أكثر تفهماً للظروف الدولية بما يسمح لها بإمكانية إقامة حوار حقيقي مع العالم الخارجي، وفي هذا يعتقد الجانب الأمريكي أنه إذا ما انفتحت إيران فسوف يكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يسمح المجتمع الدولي بعزلة أخرى على إيران تسمح لها بتبنى سياسات دفاعية من شأنها تهديد العديد من دول الجوار وفي مقدمتهم إسرائيل بلا شك التي أعلنت إيران في أكثر من مرة أن لديها صواريخ تستطيع الوصول إلى تل أبيب.
تفسير ذلك الخطاب لا يعني أن الجانب الأمريكي ليس لديه نيه حقيقية في السلام مع الجانب الإيراني، ولكن هذا السلام الذي ترغب فيه الولايات المتحدة ودول أوربا هو سلام يعتمد على ضرورة تقبل إيران لشروط المجتمع الدولي بما يساعد على استقرار السلام في منطقة أصبحت مليئة بالتوتر، ولذا إذا ما ساعد خطاب أوباما الإصلاحيين في إمكانية التقدم بمرشح بعد إستقالة خاتمي فهذا له ملدول واحد، أن الحوافز التي سوف تُقدم للشعب الإيراني عديدة في حال فاز الإصلاحيين، وهو ما سوف يساعد المجتمع الدولي على إمكانية إستيعاب إيران داخل المنظومة الدولية، وهو ما عبرت عنه كلمات أوباما بكل دقه حين قال أن الحضارة الإيرانية هي حضارة عريقة، وأن الشعب الإيراني يستحق أن يحتل مكانة داخل المجتمع الدولي أكثر مما هي الآن، وهي كما يقول علماء السياسة تلك هي سياسة العصا والجزرة التي تحاول الولايات المتحدة تقديمها في ظرف تاريخي يقتضي تلك السياسة بقوة.
فلا يمكن استبعاد ذلك الخطاب من الظروف الإقتصادية والسياسية التي تمر بها الولايات المتحدة في الوقت الحالي، والتي تفرض على السياسيين الأمريكي استخدام خطاب مختلف دون أن يمس ذلك الخطاب الثوابت الأمريكية فيما يتعلق بالتعامل مع دول تهدد السلام والأمن الدوليين، ولعل تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض فيما بعد تصير في كثير منها إلى صحة هذا التحليل، حين صرح بقوله أن الولايات المتحدة لديها العديد من الحوافز للجانب الإيراني ورفض الحديث عن تلك الحوافز، في إشارة منه إلى انتظار رد الفعل الإيراني تجاه خطاب أوباما الذي وصفه الكثير من المحللين بالتاريخي نظراً لتوقيت الخطاب ومضمونه الذي لم يتخيل أحد أن يشمله أول خطاب للأمة الإيرانية.
إذاً الكرة الآن في ملعب الجانب الإيراني، وفي يد الشعب الإيراني الذي سوف ينتخب رئيسه القادم، فالخطاب يعد تحفيز كبير للتيار الإصلاحي الذي يتمنى أوباما أن يفهمه هذا التيار ليحاول أن يجد بأقصى سرعة من يستطيع أن يهزم الجانب المحافظ بقيادة محمود أحمدى نجاد، ومن ثم يمكن البداية في حوار حقيقي مع تيار يتفهم طبيعة المجتمع الدولي في الفترة القادمة، ومن ثم يمكن اعتبار ذلك الخطاب فرصة كبيرة إذا لم يستغلها الجانب الإيراني فسوف يتحمل توابع ذلك الشعب الإيراني في المواجهة مع المجتمع الدولي الذي يرغب بكل قوة في إيجاد حل للقضية النووية الإيرانية. |