نحن بحاجة الي تجديد فكرنا الديني الإسلامي والمسيحي معا, وعندما نتحدث عن موضوع مهم مثل تجديد الفكر الديني وإشكالياته الراهنة, تقفز الي الذهن مباشرة عدة إشكاليات نذكر بعضها بإيجاز, وربما نستكملها فيما بعد.
إشكالية المتغيرات اللاهثة حولنا: يعيش العالم كله ـ وبلادنا ومنطقتنا جزء من هذا العالم ـ فترة من أصعب الفترات.
ظهرت مصطلحات جديدة مثل ما بعد الحداثة العولمة أو الكوكبة, والسؤال المطروح ماهو تأثير هذه المتغيرات من عولمة وغيرها علي الفكر الديني؟ وماهي الاستجابة الصحية والصحيحة للفكر الديني في مواجهة هذه المتغيرات؟ هل العجز والجمود؟ أم التجديد المستمر. خاصة أن الإنسان المعاصر في مواجهة هذه المتغيرات التي تلاحقه في كل لحظة, وفي صراعه مع حالة عدم اليقين ومايصاحبها وينتج عنها من قلق وحيرة, قد اتجه الي الدين بنفس قوة اندفاع سبل المتغيرات, ولهذا لم يستطع أن يتوقف ويفكر ويختار من الأفكار الدينية المعروضة أمامه, ولم يستطع أن يتبين الغث من السمين من هذه الأفكار الدينية المطروحة من كل اتجاه في وسائل الإعلام وفي الفضائيات.. إلخ..
إشكالية المؤسسات الدينية: تجديد الفكر الديني تحتم بالأولي تجديد فكر القائمين والعاملين في هذا المجال, رجال الدين, أو بعبارة أوسع المؤسسة الدينية. وهنا دعوة الي تحديث عقلية رجل الدين وتنميته باستمرار. وهذا يقتضي الاهتمام بنوعية رجل الدين الذي نريده من البداية, من أول شروط القبول, الي مناهج التعليم التي يتلقاها أثناء الدراسة, وبالدراسات التجديدية التي يجب أن يتعرض لها دائما. ومن الجانب الآخر, لابد من تحديث وإصلاح المؤسسات الدينية, والنظم والأساليب التقليدية التي تعمل بها.
إشكالية المناخ العام السائد في المجتمع: يستطيع أي متابع لطريقة التفكير السائدة في المجتمع, أن يلمس بوضوح أن المناخ العام كثيرا مايعوق حركة التجديد.
وعندما نضيف الي ذلك بعض العيوب الأخري في تفكيرنا مثل غياب العقل الناقد, وتقلص مساحة قبول الآخر, والابتعاد عن الموضوعية, والميل الي الاستكانة والسطحية, وتفشي الخرافة بشكل خطير, وانتشار التزمت والتطرف, هنا تصبح الحالة غير مشجعة.
إشكالية الزمن: ولهذه الإشكالية أكثر من مظهر في مواجهة حركة تجديد الفكر الديني, فهي تظهر أولا في إشكالية التعامل مع التاريخ, فنحن نعيش في ظل أقدم حضارة إنسانية. هذا التاريخ الطويل يجب أن يوظف بمهارة في تقدم الحاضر واقتحام المستقبل, لكن أحيانا يشكل عبئا ثقيلا في حركتنا واستجابتنا للمتغيرات حولنا, وذلك بالتراكم الطويل للأفكار والتقاليد والموروثات دون توقف للتقويم والاختيار الواعي. وبالتالي تظهر حالة اضطراب الزمن في حياتنا من ناحية, ونفقد الحرص علي قيمة الوقت من ناحية أخري.
إشكالية الموقف من فكرة تجديد الفكر الديني: فتجديد الفكر حركة حية نامية مستمرة يجب أن تحدث كل فترة من الزمن. وهو يرتبط من ناحية بفكرة التغير التي أشرنا إليها, وبالتالي لابد أن يتم التجديد ليلاحق المتغيرات التي حدثت في الفترة اللاحقة والراهنة. وهو يرتبط من ناحية أخري بفكرة التقدم وبالتالي لابد أن يتم في إطار رؤية إستراتيجية مستقبلية شاملة للمجتمع.
إننا بحاجة الي فكر ديني يزود الإنسان المؤمن بقيم إيمانية أصيلة, وبعقلية الإبداع في العلم والفكر والفن, وبعقلية التفوق في الإنجاز والحركة, وبعقلية التعايش البناء مع من حوله. ولأن الدين مكون أساسي من مكونات ثقافة المجتمع, فلكي يتحقق تجديد الفكر الديني لابد من تجدد ثقافي يسمح بذلك. وهذا ماتم في أماكن كثيرة في العالم.
نقلا عن جريدة الأهرام |