بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
يُقال ان السياسة الخارجية الأمريكية تتأرجح ما بين مبدأين متضادين إلى حد بعيد, أحدهما مثالي النزعة عبر عنه الرئيس وودرو ويلسون في أعقاب الحرب العالمية الأولى, يؤيد استقال الشعوب المستعمرة عندئذ وحقها في الاستقلال وتقرير مصيرها بذاتها. أما الثاني فبرجماتي منفعي يرمي إلى تحقيق أكبرالمكاسب, التي هي بالتعريف العملي مادية بحتة تزيد من ثروات الولايات المتحدة المادية ونفوذها الدولي وبالتالي إلى قدرتها على توجيه الأمور لما فيه صالحها أولاً وأخيرًا. وكثيرًا, بل ودائمًا ما يتناسى منفذو السياسة الأمريكية المثالية -شكلاً وموضوعًا- عندما تشكل هذه أية إعاقة فعلية أو محتملة لتنامي قوى السيطرة. بذلك تكون المحصلة بين المثالية والعملية في اتجاه الأخيرة بلا منازع.
وإحقاقا للحق, فإن هذا الخيارلا تنفرد به الولايات المتحدة بين سائر دول العالم بل هو الطريق المعهود التي تسلكه كافة الحكومات الناجحة في العالم التي تعمل على تقدم شعوبها وليس على البقاء في الحكم بأي ثمن كما نرى في البلاد المتخلفة, التي هي أيضًا فقيرة وليس هناك ما يدهش في تلازم الفقر والتخلف. وقيل قديمًا أن الغنى يجلب الغنى والفقر يجلب الفقر.
وربما حرك حادث الاغتيال الجماعي بقاعدة فورت هود بتكساس في الخامس من نوفمبر بعض التساؤلات عن مجرى وسلامة السياسة الأمريكية الخارجية. فقد بدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما فترة حكمه بالتقرب إلى العرب والمسلمين من خلال خطابه الذي ألقاه من منبر جامعة القاهرة في الرابع من يونيو لهذا العام, ولم يتورع أن ينحني باستجداء لم يسبقه إليه حتى أصغر رؤساء الدول واقلها شأنًا عندما صافح ملك المملكة العربية السعودية. وقد همهم بعض الأمريكيون دهشة واحتجاجًا على هذا الحدث الغريب الفريد من نوعه ولكن يبدو أن غالبية الشعب الأمريكي المشغول بالأزمة الاقتصادية الشديدة التي تمر بها امريكا والعالم, وربما لرغبتهم في عدم تعكير مرود الرئيس الجديد الذي وضع الكثير منهم فيه الأمل في الانتقال إلى أوقات أفضل من فترة حكم سابقه قد تغاضى عن هذا الفعل المهين. أعلن الرئيس أوباما كذلك استعداده لمفاوضة إيران في مواجهة مشروعها النووي ورغبته في الانسحاب السريع من العراق وإصراره على دفع التفاوض للوصول إلى حل مقبول للفلسطينيين والإسرائيليين. أمر واحد أصر عليه هو البقاء في أفغانستان حتى.... مش عارف إيه وليه! كان من المتوقع من العرب, من قبيل فض الأزمات أو حتى من قبيل "التهويش" أو الله لا يقدر "الذوق" أو حتى التقية أن تلقى هذه المبادرات الأمريكية الشفوية والرمزية, أن تقابل بأفكار او مؤشرات عربية وإسلامية ايجابية. ولكن ما حدث هو العكس تمامًا. فقد تعددت الانفجارات في بغداد بعد هدوء, واشتعلت باكستان بنيران مفجري الذات الباحثين عن حور العين, واشتدت هجمات الطالبان في افغانستان وتكرر الإعلان في الولايات المتحدة عن اكتشافات لجماعات وافراد أرادوا تعميم الإرهاب في داخل البلاد وكانت مذبحة فورت هود آخر هذه الجهود الجهادية.
لا شك أن استمرار الإستجابة الإسلامية على هذا المنوال سيزيد الأمور تعقيدًا وسيقوي شوكة القائلين بالتصدى للعداء الإسلامي لأمريكا بالرغم من بوادر استعدادها لتغيير ما أُخذ على الإدارة السابقة خلال تولي الرئيس جورج بوش الرئاسة. وسيترتب على ذلك إضعاف موقف الرئيس أوباما داخل البلاد وإحراجه بالقول بأنه قد وضع بعض الأمل وربما الثقة أيضًا في مَن لم يقدرون ولا يستحقون.
الولايات المتحدة تجابه طرفًا لا يتعامل مع الواقع بالأسلوب الذي تتبعه حكومات وشعوب العالم الأخرى، وعلى ذلك ليس هناك طائل من استمرار أمريكا على هذا النهج، فالقاعدة تقول أنه من الغباء أن تستمر في تكرار ذات الفعل وتتوقع نتيجة مغايرة. هل هناك طريق آخر؟
يقترح العبد لله الآتي رغم اعترافي العلني بأنني لست من المتمرسين بتلافيف الساسية ودهاليزها الملتوية أو الدارسين المتخصصين لعلومها. أقول للأمريكيين:
1. أسرعوا الخروج من العراق حتى لا تُتهموا بإعادة "الحروب الصليبية" (بصرف النظر عن اقتناعي بأنه كان لتلك الحروب أكثر من مبرر قوي وعادل).
2. اخرجوا من أفغانستان. فلم تكن هذه الرقعة من الأرض في يوم من الأيام دولة, بل موطن لجماعات من القبائل المتناحرة وعصابات زارعي الأفيون الذين لن يتنازلوا عن مصدر رزقهم حتى إذا حاولت أمريكا بهبلها المعهود ردعهم بالرشوة واستبدال الأفيون بغيره من المحصولات الزراعية. الأفغان غارقون في فكر إسلامي من العيار الصناعي الثقيل لن يثنيهم عنه كونهم متخلفين وبؤساء ولن يرجعهم عن هذا أن العالم قد تركهم يتمرغون في التراب وانطلق إلى ما بين النجوم وتحكم في صبغيات الخلايا الحية. حكوماتهم معتادة على الفساد وتزدهر في سباخه. على الولايات المتحدة أن تنسى تمامًا مشروعات "بناء الدول" في أفغانستان خاصة وحتى في العراق, بل وفي كل بلد يدّعي الإسلام دينًا ودولة.
3. أما إذا تطاول الإرهاب النابع من هذه البؤر واعتدى على الولايات المتحدة أو مواطنيها أو ممتلكاتهم, فإنه في قدرة هذا البلد العظيم أن يرسل طائراته وصواريخه للقضاء على مصادر العدوان وإعادتها إلى العصر ما قبل الحجري دون أن تطأ أراضيه قدم أمريكية.
4. على الولايات المتحدة أن تعلم أنها لن تستطيع إنهاء الخلاف بين الفلسطينيين والعرب من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. بل إنني لا أعتقد أن هناك حل لهذه القضية على الإطلاق. أنه صراع بين الإسلام ونصوصه الصريحة المتكررة المحرضة ضد اليهودية والمعادية لها (والنصارى كمان بالمرة) والديانة اليهودية. إنه ليس بصراع على الأرض. فلم ينبس المسلمون ببنت شفة عندما احتل العثمانيون المسلمون أرض فلسطين واللي خلفوها لأربعة قرون وأذلوا سكانها بما لا تتقبله الدواب, ومع ذلك هناك من كان -والبعض ممن لا زالوا- ينادون بدولة الخلافة! والمصيبه اللي ما حدش واخد باله منها هي أن تركيا بحكومتها ذات الأصول والميول الإسلامية صدقت الحكاية ونزلت الملعب من جديد خاصة بعد انحسار مصر وأفول نجمها. سيبكم يا أمريكان من حكاية فلسطين دي وتعاملوا بما فيه صالح أمريكا بلا مواربة أو اعتذار أو خجل.
هذا ما يقترحه العبد لله من حلول، وإن كنت لست بالسياسي المحترف إلا أننى متأكد أن الموضوع واضح وربنا عرفوه بالعقل. والحقيقة أنه لسة فيه كلام كتير بس كفاية كدة دلوقت. |