بقلم: مجدي نجيب وهبة
في الجلسة الختامية للمؤتمر السنوى السادس 2009 خطفت "أمل قديس" بنت قرية "البهجورة" مركز نجع حمادي بقنا الأنظار أمام الرئيس مبارك بعد حديثها المرتجل عن تجربتها في العمل السياسي، حيث أبهرت جميع الحاضرين بلغتها البسيطة وقدرتها الفائقة على توصيل وجهة نظرها فتضمنت كلماتها رسائل عديدة وجهتها لجميع طوائف الشعب، وقالت في رسالتها:
"الناس فاكرة إن المسيحيين مضطهدين، إحنا واخدين كل حقوقنا ومفيش فتنة طائفية عندنا في "بهجورة" وكل اللي بيقولوه عشان عايزين يولعوها نار".. فقال لها الرئيس "أنا فخور بيكي... وبشجاعتك".
بهذه الكلمات حيّا الرئيس مبارك "أمل صلاح قديس" بنت قرية البهجورة صاحبة الـ43 عامًا، ومع تقديرنا واحترامنا الكامل للأستاذة "أمل قديس" إلا أنه يبدو أنها أرادت أن تتحدث عن قرية البهجورة، فخرج حديثها عن جميع أرجاء المحروسة وأن الحياة وردية والدنيا ربيع والجو بديع، رغم أنها نشأت في قلب ومنطقة ملتهبة بالأحداث الطائفية التي بدأت تلتهب وتتصاعد وتنمو في صعيد مصر منذ بداية ظهور جماعات التطرف الإسلامى السياسى في السبعينيات.
نعم.. مصر منذ منتصف القرن التاسع عشر شهد لها كل قادة المنطقة العربية والعالم الغربي أنهم أحفاد رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وقاسم أمين وسلامة موسى وهدى شعراوي وطه حسين ونجيب محفوظ، هؤلاء جميعًا قهروا الإستعمار بوحدتهم الوطنية.. قهروا الإستعمار بشعار "الدين لله والوطن للجميع".
نعم.. هذه هي مصر التي ربما أرادت أن تتحدث عنها "أمل قديس"، فنحن نحييها على إذكاء أعظم حضارة إنسانية في التاريخ، أما إذا كانت تتحدث عن مصر في مشارف القرن الواحد والعشرين فنحن نتساءل.. هل هي لا تعلم أن الإستبداد والرجعية الإسلامية قد نجحت في إعادتها إلى قرونا طويلة من الزمن إلى الوراء؟
نعم.. هناك حياة شبه عادية وطبيعية بين أبناء الوطن الواحد، لكن هناك تطرف وجهل تسرب إلى عقول البسطاء لتدمير الحب والتآخي بين أبناء الأمة.
لقد نجح أسامة بن لادن وعصابته في خلق جيل من القتلة المحترفين يحركهم مثل الإنسان الآلي، تتلمذ على يديه د. أيمن الظواهري وكثيرون آخرين، وقد تحولوا إلى قتلة ومأجورين لا يفرقون بين تدمير دبابة روسية في جبال قندهار وبين قذف كنيسة في أرض مصر، كم من أحداث إرهابية وقعت في الصعيد وفي المنتجعات السياحية، بدأت بأحداث الدير البحري ثم شرم الشيخ وطابا ودهب، ضربات موجعة بهدف تجويع الشعب وزعزعة الإستقرار والنيل من هيبة الدولة وتحدي مؤسساتها من أجل توفير المناخ المناسب للخروج عليها وإسقاطها، ثم تحولت دفة هذه الجماعات الإرهابية بعد أن تلقت ضربات متتالية وموجعة من الأمن للتربص بالمسيحيين المصريين وتحول كراهيتهم التي يبثونها في المجتمع إلى واجب ديني مقدس.
لقد نجح مشايخ السلف والإخوان في إشاعة مناخ هيستيري من كراهية المسيحيين في مصر بدأ منذ أحداث الزاوية الحمراء في مسلسل كريه ومخزي ومستمر من الإعتداءات المنظمة أو العفوية على أرواح وممتلكات المسيحيين المصريين، وللأسف تنامت هذه الظواهر واستفحلت مع تواكب وتساهل الدولة في مواجهة التحريض الطائفي وعدم تفعيل القوانين المجرمة له والعقاب الرادع للجناة، والإكتفاء بجلسات التصالح العرفية التي تُعيد تكرار هذه الأحداث من جديد.
هل تناست أمل قديس أن هذه الجماعات المتطرفة خلقت تنافرًا بين الإسلام والأقباط بزعم أنه لا جنسية للمسلمين إلا في عقيدتهم، واعتبار كل أبناء الوطن بمثابة أقلية داخل كيان الدولة الإسلامية.
لقد امتلأ قلب د. أيمن الظواهري زعيم تنظيم الجهاد بالكراهية والحقد ضد وطنه إلى حد أنه أراد إشعال النار في كل ركن فيه، وعبأ من أجل ذلك عصابات القتلة وقطاع الطرق، هل تناست أمل قديس أن هذه الكراهية أدت إلى أحداث إمبابة 1991 وما تعرض له الأقباط من ترويع وقتل ونهب ممتلكاتهم، وأعقبها أحداث كثيرة وأسيوط 1994 ثم أحداث الأقصر والذي راح ضحيته أكثر من ستين سائحًا سنة 1997 وأعقبها تدهور السياحة، ثم أحداث أبو قرقاص 1997 والاعتداء على كنيسة أبو قرقاص وقتل 23 طفلاً وهم يصلون ولا يحملون مدافع رشاشة أو عبوات زجاجية بها مواد حارقة بل كانوا يحملون بعض صور القديسين وبعض القروش القليلة.
هل تناست أمل قديس حادث طحا الأعمدة والذي على إثره فقدت فيها القرية ثلاثة من رجالها من بينهم كاهن كنيستها الأثرية والوحيدة "أبونا إبراهيم" وإثنان من خدام الكنيسة؟ هل تناست أحداث العياط؟ هل تناست بني والمس ودهشو؟ هل تناست أحداث قرية بشرى بمركز ببا محافظة بني سويف وتكررت الحوادث من الدخيلة لسوهاج لبنى سويف لأحداث بمها والتي قام فيها المتطرفون بحرق وسرقة أكثر من 47 منزلاً للأقباط بسبب إشاعة بناء كنيسة؟ ثم أحداث الزاوية الحمراء في 17 يونيو 1981 وهي نفس الأسباب (بناء كنيسة) ودفع ببعض الصبية في شن الأحداث، وللأسف كانت وراء هذه الأحداث قيادات كبيرة تحركهم وبكل أسف تركتهم الدولة ثلاثة أيام ليقوموا بأعمال السلب والنهب! ولا ننسى أحداث الكشح الأولى 1998 والتي راح ضحيتها حوالى 27 شخصًا مسيحيًا وأحداث الكشح الثانية عام 2000، وقد أرجحت معظم التحقيقات أن سبب المشكلة يرجع إلى رفض المسلمين أن يعيش المسيحيون معهم. بل وصل حد التحريض اعتلاء بعض الأئمة بالمساجد في قرية الكشح للدعوة بقتل المسيحيين بينما تركت الشرطة لكل منهم مهمة الدفاع عن نفسه بدلاً من القبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة منعًا لانتشار سرطان الكراهية، هذا بجانب الحوادث اليومية نتيجة للتعاملات والإحتكاكات اليومية إنتهاء بأحداث ديروط ودير مواس.
إنها أحداث لتذكرة الأستاذة أمل قديس نرجو ألا تتجاهلها.
ثم تتحدث في رسالتها هل الناس فاكرة أن المسيحيين مضطهدين؟ بل وتؤكد أن الأقباط واخدين كل حقوقهم، وهي نفس التصريحات التي أدلت بها بعض كوادر المتطرفين والإخوان المسلمين مثل الكاتب فهمي هويدي والشيخ يوسف القرضاوي والدكتور سليم العوا وغيرهم من بعض الكتاب والمفكرين... إنها الطاحونة التي يعيش فيها الأقباط ويصارعون في الوطن من أجل الخروج من دوامتها.
على الذين يتحدثون بإسم الأقباط الا يتجاهلوا تلك الأحداث الطائفية حتى لا يتهمهم الآخرين بتضليل الرأي العام.
مجدى نجيب وهبة
رئيس مجلس إدارة جريدة النهر الخالد
elnahr_elkhaled2009@yahoo.com |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|