الراسل: سوزان قسطندي
كنت وقتها جنينًا في بطن أمي.. وبعد أن اكتملت مراحل نموّي، أصابتني طلقات كادت أن تقتلني!!
أتذكّر كل ذلك جيدًا..
ما هذا؟! يبدو أنه زلزال مدمّر!! كم كان الوضع مخيفًا!!
آه.. إني أفقد الماء من حولي!! إنى أختنق!!
هذا الزلزال المرعب لا يريد أن يتوقّف!! إنه يدفعني دفعًا للدخول إلى نفق ضيّق!!
آه يا رب، يبدو أنه الموت!!
ألهذا خلقتني يا إلهي.. لكي أموت؟!
لقد كنت سعيدًا في عالمي.. ألهو وأتحرّك وأتبسّم وأتنفّس وأتغذّى وأنمو.. فهل بعد أن يكتمل نموي، تنتهي هكذا حياتي وأموت؟!
ولكن.. يبدو أن الرب لا يسمع.. وأنا لا أستطيع التحكّم في الأمر.. الموت قادم قادم..
استسلمت أخيرًا لذلك المصير المجهول..
إجتزت في ذاك الطريق الضيّق بقوة الدفع.. ولا أعلم كم من الوقت مضى وأنا أسير في طريق الموت!!
ولكن..
أمور عجيبة بدأت تحدث من حولي وبداخلي لم أكن أستطيع أن أتخيّلها أو أفهمها.. بدأت تتكشّف الآن أمامي تدريجيًا!!
لقد دخلت إلى عالم جديد..
الآن تستطيع عيناي أن ترى النور..
الآن أستطيع أن أتنفّس الهواء وتمتلئ به رئتاي، تلك التي كانت سابقًا عاطلة عن العمل..
الآن أتغذّى بطريقة جديدة..
إن حواسي جميعها بدأت تعمل بقوة..
إن جسدي بدأ يأخذ طبيعة جديدة..
ومَن هؤلاء الذين يظهرون من حولي؟! إنهم يفرحون بقدومي ويطلقون الزغاريد ويتبادلون التهاني.. إنهم يتعاملون معي برفق وعناية خاصة..
هذه أمي وهذا أبي وهؤلاء أقاربي وأولئك معارف عائلتي..
لقد كنت أعرف أن لي أبًا وأمًا كوّناني، وأن لي أسرة ومجتمع يهتم لأمري، ولكنها كانت معرفة جوفاء.. لقد كنت أعرف بعض المعرفة، وأما الآن فأنا أعرف وأرى كل شيء على حقيقته.. بل أنني أنمو في المعرفة..
إن هذا العالم الجديد الكبير لهو أفضل بما لا يُقاس من عالمي الخاص الصغير.. وكأنني كنت محصورًا في سجن البطن، ثم انطلقت إلى عالم الحرية!!
ما لم تكن عيناي قد رأته وما لم تكن أذناي قد سمعته وما لم يكن يخطر على قلبي، هو ما أعددته لي يا الله!!
آه يا ربي.. إغفر لي.. فما قد حسبته الموت، لم يكن إلا الحياة!!
ليس موت لنا يا رب، بل هو انتقال إلى الحياة الأبدية، إلى الملكوت السماوي الذي أعددته لنا من قبل إنشاء العالم..
على موضوع: الموت راحة أبدية ومجهول يحمل الكثير |