بقلم: جورج شكري
الضُرّة مُرّة
(1)
هل تعرفون قصة (أم علي)
لا ليست (أم علي) التي تؤكل –إن حسبتم ذلك–، أعرف أن الجوع –كافر– ويصور للإنسان الأشياء على غير حقيقتها..
نتحدث هنا عن (أم علي) زوجة (سيد)، لا تقولوا لي أنكم لا تعرفون سيد أيضاً.. أنتم في مشكلة حقيقية إذاً..
يبدو حقاً أن المخزون الثقافي لشعوب المنطقة في تقهقر مُقلق، على كل حال سوف أروي لكم قصة (أم علي) وزوجها (سيد)، لكن ليس الآن، سأورد لكم أولاً قصة (المرأة والجرّة)، على أن تذكرونني –قبل أن ننتهي من دراستنا هذه– أن احكى لكم قصة (أم على) وزوجها (سيد)..
تقول القصة... قصة (المرأة والجرّة) وليست قصة (أم علي) وزوجها (سيد)....
يُحكى أن رجلاً كان يُكثر من القول لزوجته أنه سيتزوج.. وهي -بدورها- تُكثر من القول بأنه لا بأس في ذلك... لا ننسى هنا أن نقول أنها كانت عاقر -لا تنجب– لذا –ولذا فقط– فقد نصحته مراراً –ولو على سبيل تأدية الواجب- وإن كان هذا أيضاً من وراء قلبها (عزومة مركبية يعني) - أن يتزوج..
وأراد الرجل يوماً أن يضعها موضع الإختبار، فأحضر (جرّة) وألبسها ملابس نسائية، وزينها حتى خُيل لكل من يراها أنها عروس وقت زفافها.
ومن ثم تحيّن الفرصة وقام بوضعها في غرفة خاصة بمنزله، وتعمد –مع سابق الإصرار والترصد- أن يُريها لزوجته مُشيراً لها أنها زوجته الجديدة وموصياً إياها على حُسن معاملتها وغيرها من التوصيات التي تُقال في مثل هذه المناسبات.
صمتت الزوجة حينها ولم تنبت ببنت شفة واكتفت ببعض الإيماءات المُوحية بالطاعة والرضا، وانتظرت حتى خرج زوجها و...
وحينما عاد وجدها تبكي وقد أصيبت بما يشبه الإنهيار العصبي الهستيري المعروف عن النساء –رحم الله أزواجهن–، أخذ الرجل يُهدّأ من روعها وهو يسألها:
- "ماذا يبكيك يا زوجتي العزيزة..."
قالت الزوجة –وهي تؤدى أفضل أدوارها على الإطلاق–
- "إن إمرأتك التي جئت بها شتمتني وأهانتني وأنا لن أصبر على هذه الإهانه !!"
تعجب الزوج وكاد الذهول المُصطنع أن يفتك به –كان هو الآخر يؤدي أفضل أدواره على الإطلاق- وقال –وهو يجتهد ألا ينفجر ضحكاً- "أنا لا أرضى أبداً بإهانة زوجتي وسترين يا عزيزتي بعينيك ما الذي سأفعله بهذه الحمقاء".
ومن ثم تناول الزوج عصاه.. وضرب بها الضُرّة المزعومة على رأسها فتهشمت وإذا بها جرّة فُخاريه، و...
ماذا حدث بعد ذلك..؟!
أظن أنه لا يعنينا كثيراً أن نعرف ماذا حدث بعد ذلك، كل ما يعنينا هنا أن نؤكد أن الناس قد عرفوا بهذا القصة وتندّروا بها طويلاً في مجالسهم إلى أن ذهبت مثلاً..
(الضُرّة مُرّة ولو كانت جرّة)
وعن مرارة الضُرّة –إن سمحتم- ستدور رحى حديثنا.
(2)
إن الوجدان الشعبي –وهذا ما يجب أن نعرفه جميعاً وجيداً- لم يكتف -في حقيقة الأمر- بمجرد تمني (جيزة النصارى) أو (الجازة النصرانية) وما تعنيه من (إللي خدها هي إللي خدها.. هية إللي هتتشعلق في رقبته طول العمر.. زعلوا من بعض.. أتقندلوا.. راحو.. جُم.. آخرتها لبعض عشان معندهمش طلاق).
ولم يكن الدعاء (بالعمارة والتمارة وجيزة النصارى) قاصراً –في تصوره وتمنيه لجيزة النصارى- على مجرد عدم وجود طلاق عند النصارى، وإنما اتسع ليشمل (جيزة النصارى) بكل تفاصيلها التي لُخصت من قبل آباء الكنيسة في عبارة بليغة ألا وهي (شريعة الزوجة الواحدة).
وقد ظهر هذا جلياً في مثل –أو قل دعاء - (زيجة نصارى.. اللهم يا كافي لا تاخذ عليها ولا تطلقها).
وإن كنا قد أهدرنا كم لا بأس به من الحبر والأوراق في الحديث عن (لا تطلقها) فلا غرو –حلوة غرو دي- من أن نتعامل بالمثل مع (لا تاخد عليها)، و(لا تاخد عليها) هذه هي واحدة من المعضلات الشعبية التي عبّر عنها الوجدان الشعبي –على الأقل النسوي– جهاراً مرة وبإشارات متوارية وبصور ضمنيه مرات، من خلال رفضه للزيجة الثانية والزوجة الثانية (الضُرّة) عبر ملحمة شعبية جسدتها العديد من أشكال الأدب الشعبي ومن بينها بالطبع الأمثال الشعبية، ومنها نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
* الضُرّة مُرّة.
* الضُرّة ما تحب ضرتها لو خرجت من صُرتها.
* عقربة في الغار ولا ضُرّة في الدار.
* الضُرّة ما تجيب لضرتها غير مضرتها وقطع جرتها.
* ما تسلط من السما غير الضُرّة والعمى...
* الضُرّة مُرة ولو كانت جرّة...
* الله على مصيبتي جاتني شريكتي.. (مغربي)
* الطَبينه غَبينه.
* الطبينة تحرق ولو كانت بالمشرق.
* بغض الطباين باين.
* بنت الأم ضرتها. (ليبي)
* مركب السلايف سارت ومركب الضراير حارت. (ليبي)
* لا تمروا بي على قبر أمبنيي ترا في قبر أمبنيي ضلع يوجع..
* الضُرّة مُرّة وَلَو كَانِت دُرّة. (فلسطيني)
* اقعد على الضُر ولا تقعد على شروشه. (من الأمثال البدوية)
* الضُرّة تغور ولو كانت في قصور.
* أديني حية لما اشوف اللي جيه.
* الضُرّة تعدل العصبة.
* توب الضُر مُر ومن لبسه اتقل حياه.
* لا ضُرّة ولا سلفة دى داهية مُختلفة.
* مثل الضراير ما بيتطايقوا.
* الضُرّة مُرة ولو كانت عطية من الله.
يُلاحظ أن الطبينة هي الضُرّة والطبائن هم الضرائر وأمبينتي تعني ضرتي والإختلاف اللغوي يعود للموضع الجغرافي لرواج هذه الأمثال.
(3)
هذا وقد أمدتنا الأغاني الفلكلورية النسوية بفاصل مُدهش من فنون (الإغاظة) –إن جاز اللفظ- بين الضرائر في نزالات ومُساجلات مُُستميتة للإستئثار بالزوج ونوال حظوته ورضاه (وقد كانت ولادة الأطفال هى إحدى ساحات النزال ومحط السجال)، ولكم ان تعرفوا –أو لا تعرفوا– أن المجتمع الشعبي كان –ولا زال- يهتم اهتماماً كبيراً ومُبالغاً بإنجاب الذكور، إذ أن كثرة الذرية الذكورية تزيد من حجم الأسرة وتقوي عصبيتها وخاصة في المجتمعات القبائلية التي يعتمد كل أفرادها على الزراعة، لذا فإن إنجاب الذكور يقوي من موقف الزوجة ويؤدي لزيادة أواصر التماسك بين الزوجين، أما إنجاب الإناث –أجارك الله- فيزعزع موقف الزوجة عند زوجها وأهله بل مجتمعها بأسره، لذا فإن الأغاني الفلكلورية الشعبية الواردة على لسان الأم التي تُنجب الذكور تعكس هذا المفهوم الشعبي خاصة أمام سلفتها او أمام ضرتها (الزوجة الأولى أو الثانية حسبما اقتضت الظروف).
تقول إحدى الأغاني التي تُعد واحدة من أهم فنون (الإغاظة) كما قلنا بين الضرائر وأحيانا السلايف:
لما جالوا ولد
انشد ظهري وانسند
جابوا لى البيض مجشر..
جلت عايم في الزبد
***
لما جالوا غلام
انشد ضهري واستجام
وجابوا البيض مجشر
جلت عايم في الدهان
***
لما جالوا بنت
كانت لحظة زفت
والعصيدة بجت فرت
والبلح بجى عقارب
عمال يلدغ في الشوارب
****
لما جالوا بينية
انهد ركن البيت عليا
جابوا لى البيض بجشره
وبدل السمن مية
لكن ثمة أغانى فلكلورية وضعت البنت موضع التفضيل (وهي لا تعبر بالطبع عن الفكرة الراسخة في وجدان المجتمع الشعبي) ولكن هذه الأغاني وجدت لمواساة الزوجة التي تنجب البنات ولإغاظة الضُرّة أو السلفة التي تنجب الأولاد:
لما جالو لى بنية
جلت يا ليلة هنية
تكنس وتفرش لي
وتملا لى البيت ميه
****
لما جالوا غلام
قلت يا ليلة ضلام
أكبر وأسمنه
وياخدوه منى النسوان
ومن الأغانى التي تذكر فيها الضُرّة أيضاً تلك الأغنية التي نعرفها جميعاً –ومن لا يعرفها- (إدّلع يا رشيدي على وش المية):
إدّلع يا رشيدي على وش المية
سيب رجلي وأمسك ايدي
يا برتقال يا بو سُرة
حلفت ما آخدك على ضُرّة
صابونى فيك وأنا حرة
وثمة أغنية أخرى جاءت على لسان زوجة ذات ضُرّة بالفعل ولكنها تتوعد أنها لن تنهزم أمامها مهما كانت الوسائل:
جوزي اتجوز يا بنات
على عيني يا ضُرتي
والكحل صنعتي
والله إن ضربني بصباعه
لمسك واتبت في بتاعه
ولا افوت ليله من جمعتي
نلاحظ هنا وقاحة الزوجة وفجاجتها في التعبير عن غيظها من زوجها الذي أتى لها بضُرّة إذ تعلن بصراحتها المُجحفة أنها –حتماً ولا بد- سوف تحصل على كافة حقوقها الجنسية من زوجها بل ولن تعطي الفرصة لضُرتها لكى تقض مضاجعها وتطغى على حقها الطبيعي في زوجها، ولكم ان تنأخذوا من فجاجة وفداحة التعبير لكن لنا أن تؤاخذونا في ذكره.
(4)
زد على ذلك ما يطالعنا به التراث العربي المُوغل في القدم مُمثلاً في كتابات الميداني (مجمع الأمثال) وأبو عبيد بن سلام (الأمثال) وأبو هلال العسكري (جمهرة الأمثال) حول الضرائر، بينهم داء الضرائر.
وقد قالوا فيه... هي جمع ضُرّة وهو جمع غريب ومثله كنّه وكنائن
ويضرب للعداوة إذا رُسخت بين قوم لأن العصبية بين الضرائر قائمة لا تكاد تسكن (الميداني – مجمع الأمثال).
وقيل أيضاً يُضرب مثلاً للقوم بينهم عداوة وشر لا ينقطع وحسد الضرائر وعداوة بعضهم لبعض دائمة (أبو هلال العسكري – جمهرة الأمثال).
قال الشاعر:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا شأوة فالقوم أعداء له خصوم
كضرائر الحسنــــاء قلن لوجهها حسداً وبغياً: انه لدميم
وفي باب (فساد ذات البين وتأريث الشر في القوم)، قال أبو زيد: يُقال للقوم إذا أوفوا على الشر والفساد.. قد ثار حابلهم على نابلهم، قال الأصمعي: وإذا نشب الشر بينهم وشملهم، قيل: شرق ما بينهم بشر،
قال: فإن كان شراً دائماً لا يكاد ينقطع قيل بينهم داء الضرائر. (أبي عبيد بن سلام – الأمثال)
ويقولون أيضاً... رمتني بدائها وانسلت.
وهذا المثل لإحدى ضرائر (رُهم بنت الخرزج) إمرأة (سعد بن زيد مناه) رمتها (رهم) بعيب كان فيها.
فقالت الضُرّة رمتني بدائها.. ويضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه. (الميداني – مجمع الأمثال)
وأصل المثل أن (سعد) حين تزوج (رُهم) وقد كانت أجمل النساء ولدت له (مالك بن سعد) وكانت ضراتها إذا ساببنها يقلن لها: يا عفلاء، فقالت لها أمها إذا ساببنك فابدئيهن.. فساببتها بعد ذلك إمرأة من ضرائرها، فقالت لها رهم: يا عفلاء
فقالت ضرتها: رمتني بدائها وانسلت.
وفي شرحه لمثل (كل فتاة بأببيها معجبة) يقول الميداني أن ثلاثة نساء اجتمعن في ليلة قمرية وافضن في الحديث والتساءل أي الرجال أفضل.. فقالت إحداهن خيرهم الحظي الرضي، وقالت الثانية: خيرهم السيد الكريم ذو الحسب العميم والمجد القديم، وقالت الثالثة: خيرهم السخي الوفي الذي لا يُغير الحرة ولايتخذ الضُرّة.. حينها قالوا كل فتاه بأبيها مُعجبة.
ومن القصص الشعبية المأثورة عن الضرائر, والتي أوردها الميداني في شرحة لمثل (تحمل عضة جناها)، أن رجلاً كانت له إمرأة وكانت لها ضُرّة, فعمدت الضُرّة إلى قدحين متشابهين فجعلت في أحدهما سويقاًً وفي الآخر سماً ووضعت قدح السويق عند رأسها والقدح المسموم عند رأس ضرتها لتشربه، ففطنت الضُرّة لذلك فلما نامت حولت القدح المسموم إليها ورفعت قدح السويق إلى نفسها فلما انتبهت أخذت قدح السم على أنه السويق فشربته فماتت... فقيل تحمل عضة جناها. الجنى: الحمل, والعضة: واحدة العضاه وهي الأشجار ذوات الشوك، يعني أن كل شجرّة تحمل ثمرتها وهذا مثل قولهم "ومن حفر مهواة وقع فيها".
قد تصيبك هذه القصة التي أوردها الميداني ببعض الإرتباك لكن أرجو ألا تشغل بالك بمثل هذه الأمور..!!
(5)
وقد يخرج علينا أحد الجهابذة النوابغ ممن تجدهم تحت كل حجر ووراء كل جدار ليؤكد لنا ان المُخيلة الشعبية بالغت كثيراً في تصورها وتصويرها للضُرّة.
مرارة وعمى وتسلط من السماء وغُبن وشر قائم يكاد ألا ينقطع
إلى هذا الحد..؟!
ولا نجد في الحقيقة رد أكثر بلاغة من تلك الورقة البحثية التي قُدمت إلى مؤتمر إتحاد الأطباء النفسيين العرب في تونس عام 2005 والمعنونة بـ (إضطرابات الضُرّة النفسية... مُعاناة إمرأة تزوج رجلها بأخرى) –وهي من الأوراق النادر الحصول عليها-
عبر هذه الورقة ستدرك –وحقاً– إلى أي مدى وصلت عبقرية الجماعة الشعبية في تجسيد مرارة الضُرّة عبر أمثالها وآدابها الشعبية.
"لقد أحسست فجأة بأنني لا شيء: أحسست وكأنني لم أولد ولم أعش ولم أنجب... لقد امتد الفراغ من حياتي إلى رأسي الذي أصبح فارغاً تماماً لحظة سماعي بنبأ زواجه الثاني. لقد لُمت نفسي كثيراً لأنني لم ألاحظ أي تغيير في سلوكه معي ولم أفكر مجرد تفكير في احتمال تحولي إلى الزوجة القديمة..!
تفكيري قفز أولاً إلى أولادي الذين أقنعتهم بأنني قادرة وبكوني وسيلة لإقناع أبيهم بالإستجابة لرغباتهم، ثم أمتد شعوري بالحرج إلى عائلتي فأقربائي فمعارفي وجيراني ولم أكن لأتخيل كيف يمكنني مواجهتهم في زي المرأة المكسورة والزوجة القديمة التي حولها شريكها في الحياة إلى التقاعد؟!"….
هذه الكلمات هي تحديداً ما روته مريضة أصيبة بنوبة هيستيرية عند تلقيها خبر تحولها إلى ضُرّة، والواقع أن هذه الأحاسيس ذاتها تتردد بتعابير متشابهة أو متباعدة على لسان المتعرضات لهذه التجربة، التي لا بد من الإعتراف بقسوتها.
واضطراب الضُرّة كثير الشيوع في مجتمعنا وإن كانت الحالات لا تصل جميعها إلى العيادة النفسية.
1- مظاهر إضطراب الضُرّة ومراحل تطوره:
أ- لحظة تلقي النبأ: حيث نلاحظ ردة فعل هيستيرية من الدرجة الأولى "غالباً من النوع الكاريكاتوري"-الهيستيريا المكشوفة- وتتركز حول عدم التصديق، مع هيمنة حالة من التفاؤلية الدفاعية (إن هذا الأمر حدث ويحدث مع أخريات ولكن ليس معي، لذلك فان أمل الإسترداد وارد بتقديم بعض التنازلات).
ننطلق من إعتبار وضعية الضُرّة بمنزلة صدمة نفسية مفاجئة، وعلى هذا الأساس يمكننا تقسيم مظاهر الإضطراب تقسيماً زمنياً- إصطناعياً (إصطناعي لأن مدة كل مرحلة وحدتها تختلف باختلاف شخصية المرأة) إلى المراحل التالية.
ب- في الأسبوع الأول: وخلاله تطغي مظاهر التمرد النرجسي، حيث تتمرد كل إمرأة على طريقتها الخاصة، ومن طرق التمرد المألوفة:
1- محاولات الإنتقام بصورها المتعددة.
2- طلب الطلاق بصورة انفعالية- ثأرية.
3- اللجوء لطلب مساعدة خارجية.
4- إعتماد سلوك الإكتفاء الذاتي (النرجسي) والإستغناء عن الزوج.
ومهما اختلفت أساليب المرأة في إظهار تمردها النرجسي فإنها تكون مدفوعة ببقية من التفاؤلية الدفاعية، التي تتمثل بقناعتها بالقدرة على استرداد زوجها.
ج- في الأسابيع الأولى: تبدأ المرأة تعقيل الحدث (تصديقه ومعايشته على أنه واقع مختلف عما سبقه)، ويترافق هذا التعقيل مع مراجعات وجدانية قاسية بالنسبة للمرأة وعادة ما تستتبع هذه المراجعات مشاعر الذنب لدى المرأة (عدم قدرتها على إكتشاف الأخطاء وتصحيحها وتمتين صلاتها مع زوجها) ومعها تبدأ الأحلام التكرارية المزعجة، ومن هذه الأحلام ما هو تكراري تقليدي(كانت تحلم به في طفولتها وأثناء أزماتها، كمثل حلم الوقوع من مكان عالٍ والإستيقاظ مذعورة قبل ارتطامها بالأرض، أو حلم رغبتها بالهرب من شيء ما وعدم قدرتها على الركض….إلخ) أو غير تقليدي "على علاقة مباشرة بوضعية الضُرّة".
د- في الأشهر الثلاثة الأولى: تبدأ المرأة محاولات دائبة للتكيف مع وضعها الجديد، لكن جهودها التكيفية تصطدم بتقاطع قائمة طويلة ومتعددة من العوامل أهمها:
1- حدة ردود فعلها خلال المرحلة السابقة.
2- قدرتها على جلب متعاطفين معها (خاصة الابناء وأهل الزوج).
3- معرفتها بدقائق شخصية الزوج ونمط ردود فعله.
4- مدى نجاحها في تخطي الحدث إلى إقامة تواصل مستجد مع الزوج.
5- وعيها للأسباب الحقيقية لقرار الزوج بالزواج ثانية.
6- مستوى توازنها النفسي قبل الحدث وبعده.
7- توقعها الحدث، فالتوقع يخفف الوطأة.
8- المسافة بين موقفها الفعلي وموقفها الإنفعالي من الزوج.
ويمكن اعتبار هذا العامل مقرراً، فغالباً ما يكون الموقف الفعلي للمرأة رافضاً ونابذاً ويتحول إلى نقيضه بسبب مشاعر الغيرة من الزوجة الجديدة، وكلما ازدادت هذه المسافة كان ذلك سبباً في تردد المرأة وحيرتها وعجزها عن اتخاذ القرارات الصائبة.
وفي العادة تنتهي هذه المرحلة بالتكيّف التدريجي الذي يكتمل بعد مضي ستة أشهر على الحدث، ألا أن نجاح المرأة في التكيّف مع الوضعية الجديدة لا يعني بالضرورة استنفاذ حزنها.
وهذا الإستنفاذ يجب أن يكون هدف الفحص النفسي وتفريغ هذا الحزن لغاية استنفاذه يجب أن يكون هدف العلاج النفسي.
هـ- بعد أكثر من ستة أشهر: إذا عجزت المرأة عن التكيّف بعد مضي هذه المدة فإن ذلك يعني بداية استقرار أحد وجوه الإضطرابات النفسية أو السيكوسوماتية لديها.
2- الإضطرابات النفسية المصاحبة لوضعية الضُرّة:
في البداية نستبعد الأمراض والإضطرابات النفسية والجسدية الكامنة التي تعاود الظهور بمناسبة هذه الوضعية، كما نستبعد الأمراض النفسية والجسدية التي تظهر بهذه المناسبة بناءً على استعداد سابق للإصابة، وبذلك نحصر مناقشتنا بالاضطرابات التالية:
1- التجسيدات الهيستيرية: وتبدأ بصعوبة التنفس وغصة في الحلق ويمكنها أن تتصاحب مع مظاهر جسدية (عصبية- نباتية) من نوع تقلصات المعدة وخفقان القلب وارتجاف الأطراف والصداع والدوار وطنين الأذن...إلخ، وغالباً ما تلجأ المريضة إلى العيادة العضوية لإعتبارها هذه العلائم من الفئة الجسمية.
2- النوبات الهيستيرية: وتتراوح بين حالات التخشب والإغماء الهيستيريين المعروفين وبين حالات الرهاب (الفوبيا) أو ما يسمى بالمخاوف غير المُبرَرَة، كأن تخشى البقاء وحيدة في المنزل أو في مكان مغلق، أو أن تخاف من السير وحيدة في الشارع……الخ.
3- الإكتئاب: ويكون من النوع الإرتكاسي"الرد فعلي على الحدث" وبالتالي فان الأفكار الإكتئابية تتمحور حول الحدث وتوابعه، ومن هنا سهولة تشخيصه.
4- القلق العارم: ويمكنه أن يصل إلى حدود نوبة الهلع (Panic).
5- النشبات العدوانية (Reputes): وهي حالات من الغضب المسعور ولكن العابر، لكن الخطورة تكمن في إمكانيات القيام بأعمال عدوانية أثناء نوبة الغضب النشبة، حيث يمكننا أن نشهد محاولات إنتحار أو إيذاء للذات أو للآخرين.
6- إضطرابات الأكل: وتتراوح بين رفض الطعام (كلي أو جزئي) وبين النهم (البوليميا).
7- مظاهر من نوع البارانويا: وهي خليط من الشعور بالإضطهاد (تغذيه وضعية الضُرّة وتصرفات الزوج وصعوبات الوضع الجديد) والشعور بالعظمة، وتلاحظ هذه المظاهر لدى كافة المتعرضين لصدمات نفسية ولكن بدرجات متفاوتة.
8- الوساوس المريضة: وتعتبر من المظاهر التالية لمظاهر البارانويا. حيث تتحول مشاعر الإضطهاد إلى الإزمان، وتصبح المريضة فاقدة للتفاؤلية الدفاعية، وبالتالي فإنها تصبح ميالة للإعتقاد بأنها عرضة لسوء الحظ، ومعه كافة أنواع الإضطهاد ومن بينها المرض (وهو إضطهاد بدون موضوع- أو طبيعي) وغالباً ما تتركز وساوس الضُرّة حول الخوف من الإصابة بأمراض مميتة مثل السرطان.
9- الإضطرابات السيكاترية العابرة: حيث نلاحظ نادراً بعض حالات الهذيان العابرة، وغالبيتها تستند إلى أرضية هيستيرية وتتغذى بعناصر ثقافية مثل الكتابة والجان والسحر على أنواعه.
10- التجسيدات العابرة: ومنها ارتفاع أو هبوط الضغط وآلام هضمية متفرقة وآلآلام العضلية والاضطرابات الشريانية المحيطية (صداع الشقيقة خصوصاً)…إلخ، وصفة العابرة هنا لا تعني عدم قابلية هذه التجسيدات للإستقرار.
الورقة البحثية يشوبها –بالنسبة لقارىء عادي– اللغة العلمية الطبية التي صيغت بها لكننا آثرنا –ولو أن ذلك يخالف طباعنا– أن نحافظ على الصياغة كما هى لإكساب المقال بعض الأهمية إلا أنك قد لا تحتاج أن تقرأ هذه الورقة إلا إذا كنت من الجهابذة النوابغ الذين نجدهم تحت كل حجر وخلف كل جدار.
(6)
الضُرّة مُرة
هو إذاً الإختصار الشعبي الذي جسدته معاناة الجماعة الشعبية النسوية
قد لا تحتاج إلى مراجع طبية ولا حتى لورقة بحثية مُقدمة إلى مؤتمر إتحاد الأطباء النفسيين العرب لتدرك ان الضُرّة مرة ولو كانت جرّة (أو حتى كانت دُرة).
لنحيي إذاً عبقرية فاطنة قنديل وهى تقول: "اسمع يابو لسان طويل، دلوك الجوازة الواحدة مننا تدعى فيها بإيه؟ بإنها تعيش وتدوم والناس تخلف عيال والرجل ومرته يحبوا بعض ويعيشوا على الحلوة والمرة لحد ما يفتكرهم الحي الذي لا ينام. مش كدة واللا غير كدة..؟!"
لنرفع لها القبعات ونحن نصرخ "كدة يا ست فاطمة وستين كدة"
الجزء القادم.. أخ يا نومة النُص.
ولا ننسى قصة (أم على) وزوجها (سيد) هذا لو كان للقصة وجود.
لا انا بل نعمة الله التى معي
جورج شكري |