بقلم: نذير الماجد سيبدو الخلاف من هذه الزاوية بين الاسلام السني والاسلام الشيعي خلافا شكليا تحدده الحاجة الاجتماعية، فحتى تلك المجتمعات السنية التي انتقلت إلى مرحلة الزراعة استعاضت عن التشيع الطقسي بالتصوف الذي يؤمن لها حاجتها إلى الطقوس، لأن الطقس الذي له بعد وظيفي سيكولوجي يعبر في الأساس عن حاجة اجتماعية خاصة بالمجتمعات الزراعية، وهذا لا يعني انعدامها كليا في حياة البادية إلا أنها ستكون حاجة ملحة خاصة في تلك المجتمعات الانتقالية، حيث تتأكد الحاجة الاجتماعية النفسية للطقوس والشعائر التي ترتكز على آلية الاسترجاع الجماعي التي تعيد إلى الذاكرة الشعبية الأصول والقيم وتساهم في ترسيخها في المجتمعات التي تعاني من صراع قيمي وانفصام اجتماعي بحيث تضطلع بمهمة حماية الذات من الذوبان والاستلاب. وإلى جانب هذه الاستقالة الجماعية من العقل ثمة قاسم مشترك آخر يجمع بين الدوغمائية السلفية والطقوسية هو إلغاء الآخر: إن كل طرف يسعى إلى استئصال الآخر بحكم طبيعته السراطية "الأرثوذوكسية" وكل مذهب يسعى إلى الانتشار على حساب الآخر، ضمن معارك وسجالات مذهبية أثبت التحليل السوسيولوجي عبثيتها، هذه الحرائق العبثية تهجس بالواقع الديني في المجتمعات المتأخرة وتستأثر باهتمامها، وذلك تعويضا عن الاخفاق في احراز أقل قدر من التنمية والنهوض، فالتوسع الجغرافي للجماعة "الطائفة" ليس سوى حقنة مخدرة تلجأ إليها الجماعة التي تعاني من انحسار في الخيارات التنموية وانكماش الأمل في التقدم والازدهار. نسمع كثيرا عن محاولات لنشر التشيع وأخرى لنشر التسنن وكل طرف يرتاب من الآخر ويتشكى منه، تلك هي ظاهرة التبشير التي لا يتورع أصحابها حتى عن التلويح بالرغيف وبريق الدرهم والدينار للوصول لأجندته، إذ لا تستثني من جنونها التبشيري حتى القرن الأفريقي رغم ما يحمل من عذابات وألم وجوع، فالمجتمعات التي يطوقها الفقر هي المرشحة وحدها لتصفية الحسابات بين المذهبين الغريمين المتصارعين، وهنا تلجأ ظاهرة التبشير إلى ابتزاز فج ومبتذل يتلخص في المقايضة التالية: آمن معي وسأمنحك قطعة خبز وكيسا من النقود. الكتاب يعالج قضايا عقدية وفقهية عديدة كالعصمة والموقف من الصحابة وعبادة القبور وزواج المتعة والخمس وغيرها من ملفات شائكة هي محور اهتمام الطرفين بين أخذ ورد، يزمع المؤلف أنه يعالجها بروح موضوعية وحتى نقدية معرفية محايدة ولكني أميل إلى الاعتقاد أن المحاور الأساسية التي انطلق منها الكاتب في صرخته لا يمكنها أن تصل إلى الاشكاليات الجوهرية التي تغلف التفكير الديني برمته، لذلك يلوح لي أنه وقع تحت تأثير ردة فعل انفعالية ازاء بعض السلوكيات الخرافية والمجانبة للعقل والتي قادته إلى موقف لا يقل بعدا عن العقل بحيث يوشك على اعتناق تصور ديني أكثر تزمتا ودوغمائية وهو الفكر السلفي تحت مظلة ابن تيمية وابن القيم ومن لف لفهما ولذلك ستبدو كل الاشكاليات والمآخذ من الهامشية والسخف بحيث تثير ضحك الانسان المعرفي الذي يحاول أن يلتزم جادة النقد المعرفي الرصين دون أدلجة مسبقة. ما هو واضح هنا أن الكاتب يثير اشكالات سطحية قشرية تشي بقصور معرفي ونقص مخجل في الحاسة النقدية المعرفية: المتعة التي لها وجه سلفي أسوأ بكثير هو زواج المسيار، تهمة عبادة القبور التي ستكون شركا وفق عقلية ظاهرية تجمد التأويل وتلتزم القراءة الحرفية الجامدة منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، شتم الصحابة التي هي بمعنى موازٍ اضفاء العصمة عليهم والعصمة كما نعرف هي إحدى التهم السلفية ضد الشيعة ولكن الأدهى من ذلك أن هذه الذريعة تقود إلى اضفاء القداسة على اللحظة التأسيسية للتجرية الاسلامية برمتها وبالتالي تجمد العقل في القراءة الموضوعية للتاريخ الاسلامي ما دام الصحابة كلهم -وليس فقط الأئمة- يتمتعون بارتقائهم لجة العصمة والقداسة. وهذا يؤكد أن العقلية التي نسجت هذه السطور النقدية ليست مؤهلة إلى أن تحدث أقل اهتزاز في القناعة الشيعية لسبب بسيط وهو أن العقل الشيعي جزء أساسي من التفكير الديني الذي يشمل العقل السلفي وكلاهما يتقاطعان في خصلة مشتركة هي استقالة العقل. |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |