CET 13:07:10 - 01/11/2009

مساحة رأي

بقلم: يوسف سيدهم
المتأمل للحلقات الأربع المنشورة في هذا المكان عبر الشهر الماضي تحت عنوان «العقاب الجماعي للمواطنين=الاضطهاد» لن يجد صعوبة في استخلاص موطن الداء وراء جميع أوجه المعاناة التي استعرضتها عن أقباط مغاغة والعدوة بمحافظة المنيا،فسواء كانت معاناتهم مع السلطة الإدارية والأمنية بخصوص كنيسة أو جمعية دينية أو مبني خدمات أو حتي مسكن خاص...موطن الداء هذا يكمن في خنق السلطة حريتهم في الصلاة وإقامة الشعائر الدينية، وذلك يتخذ أشكالاً عدة تتراوح بين رفض الترخيص للكنائس الجديدة المطلوبة لمواجهة الزيادة الطبيعية في أماكن الصلاة لمواكبة الزيادة الطبيعية في السكان، وبين التعنت في إصدار الموافقات الخاصة بتجديد وتدعيم وترميم الكنائس القائمة حتي إنها تترك لتتداعي وتمثل خطورة حقيقية تهدد سلامة مرتاديها،
ويصل الأمر بعد ذلك إلي مطاردة الأقباط والتربص بهم لإمساكهم متلبسين بإقامة الصلاة في مقار جمعياتهم الدينية والادعاء أنها جمعيات غير مرخص لها بإقامة الشعائر الدينية...ثم يجيء مسك الختام بتربص السلطة بالأقباط في صورة فرض وصايتها علي حريتهم وحقهم في بناء مساكن خاصة يسكنون فيها عندما تتهمهم بأن لديهم نية مبيتة لتحويل مساكنهم إلي مكان للصلاة وتنقض علي المساكن لتهدمها للحيلولة دون ذلك.

ولعله من المناسب الإشارة إلي أن الحالات التي تناولتها والخاصة بأقباط مغاغة والعدوة ليست حالات نادرة الحدوث أو مقصورة عليهم وحدهم، إنما هي تمثل نموذجاً لمعاناة شريحة من المواطنين، بلغ بها الضيق والقهر أن انفجرت بالشكوي وهكذا وصل صوتها لنا، لكن هناك غيرها وغيرها من ضحايا هذا الواقع الكئيب المريض...وعبثاً يحاول عقلاء وحكماء هذا البلد-مسلمون ومسيحيون- المطالبة بتحرير القيود المفروضة علي بناء وصيانة دور العبادة وجعلها واحدة لكل المصريين، إلا أن الواقع يشهد بأن السلطة تصم آذانها عن تلبية هذا المطلب في إصدار القانون الموحد لدور العبادة والذي يحظي بموافقة سائر التيارات السياسية والدينية، لكنه للأسف لا يحظي بمباركة الإدارة السياسية ويبقي في انتظار توفر الإرادة لديها منذ أعوام خمسة.
لكن هل فعلاً هناك في القوانين المصرية ما يجرم إقامة الشعائر الدينية في غير دور العبادة؟...إن بحث هذا الأمر بات ملحاً لمواجهة تجاوزات السلطة في هذا الصدد...وأول ما يقفز إلي الذهن ليؤكد كفالة الحريات في إقامة الصلاة في غير دور العبادة هو الزوايا المخصصة لصلوات الإخوة المسلمين والمنتشرة في جميع المباني - العامة والخاصة - والتي لا تتمتع فقط بالشرعية ولكن تتمتع أيضا بمزايا عديدة وبإعفاءات تبسط علي المباني التي تضمها من الضرائب والعوائد.

بينما علي الجانب الآخر تعتبر السلطة إقامة الصلوات والشعائر الدينية للمسيحيين في غير كنائسهم مخالفة للقانون تستوجب إيقافها، ولا تجد السلطة في مسلكها هذا إهداراً للمساواة بين المصريين إزاء حرية العقيدة المكفولة في الدستور، بل تمعن في استبدادها وصلفها وتنقض لإيقاف وتجريم وإرهاب كل من تسول له نفسه فعل ذلك بالرغم من تمام علم السلطة بأنها ذاتها المتسببة في لجوء المسيحيين إلي هذه البدائل بتجريمها بناء وتدعيم كنائسهم.
وأعود إلي التساؤل:هل تجرم التشريعات المصرية إقامة الشعائر في غير دور العبادة؟...تلقيت في هذا الخصوص رسالة كريمة من القارئ الأستاذ أنور يسي منصور هالني محتواها، إذ يلقي الضوء فيها علي أحكام واضحة قوية للقضاء المصري تكفل جميع الحريات الدينية وتصونها لكن يبدو أننا في جهادنا من أجل محاربة خنق الحريات نحتاج لكل عقل متيقظ واع ليذكرنا بما لا نعرفه في تشريعاتنا، ويتم التعتيم عليه لحساب فرض السطوة والتفرقة بين المواطنين من جانب السلطة.
يقول الأستاذ أنور يسي منصور: أرسل لكم نماذج من أحكام صادرة عن دوائر قضائية متعددة بخصوص أماكن العبادة وإقامة الشعائر الدينية للمسيحيين ليطلع عليها الجميع ويعرفوا ماذا كانت عليه مصر من كفالة الحريات الدينية بلا معوقات:

مجلس الدولة يحكم بجواز إقامة الشعائر الدينية في أي مكان يخصص لهذا الغرض، ولا يحق لوزارة الداخلية وقف أو تعطيل هذه الشعائر-16ديسمبر1952 - القضية رقم 538 سنة قضائية، المقامة من حنا سليمان جرجس ضد وزارة الداخلية، وكانت هيئة المحكمة برئاسة حضرة الدكتور عبد الرازق أحمد السنهوري رئيس المجلس وعضوية حضرات الأساتذة المستشارين سيد علي الدمراوي وكامل بطرس المصري وعبد الرحمن نصير وطه عبد الوهاب...وتتلخص الدعوي في أن المدعي يملك أرضاً بناحية القصاصين مقاماً عليها مبني خصصه للصلاة مع إخوانه من الأقباط الأرثوذكس، وهو يتظلم من صدور أمر الإدارة بإيقاف الشعائر الدينية بالمبني حتي يصدر مرسوم ملكي باعتماده كنيسة.
وقامت هيئة المجلس بتداول الدعوي حيث نظرت الأمر وانتهت إلي أن وزارة الداخلية لايدخل في اختصاصها منع الاجتماعات الدينية وتعطيل الشعائر نظراً لمنافاة ذلك للحرية الفردية وحرية العقيدة وحرية العبادة وكلها من الأمور التي كفلها الدستور وليس في القوانين واللوائح ما يمنع حرية الاجتماع لممارسة الطقوس وشئون العبادة في مكان مملوك للمدعي.. وبناء عليه صدر الحكم بإلغاء الأمر الإداري الصادر من وزارة الداخلية بوقف الاجتماعات الدينية التي تقام بالمكان.

جدير بالذكر أن هيئة المجلس في معرض حيثيات هذا الحكم رسخت مبادئ مهمة جداً، فقد دفعت وزارة الداخلية ضمن دفوعها في القضية بأنه يجب ترخيص المبني ليكون كنيسة بناء علي أحكام الخط الهمايوني الصادر عام 1856 لكن حيثيات الحكم تضمنت الآتي:"...إن اشتراط ترخيص في إنشاء دور العبادة علي نحو ما جاء في الخط الهمايوني لا يجوز أن يتخذ ذريعة لإقامة عقبات لا مبرر لها دون إنشاء هذه الدور مما لا يتفق مع حرية إقامة الشعائر الدينية، إذ إن الترخيص المنصوص عليه في هذا الخط الهمايوني لم يقصد به عرقلة إقامة الشعائر الدينية، بل أريد به أن يراعي في إنشاء دور العبادة الشروط اللازمة التي تكفل أن تكون هذه الدور قائمة في بيئة محترمة متفقة مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها، حتي إذا ما استوفيت هذه الشروط وروعيت الإجراءات تعين صدور الترخيص في مدة يعينها التشريع، فإذا لم يصدر في هذه المدة كان الطالب في حل من إقامة دار العبادة التي طلب الترخيص في إنشائها...ولا يسع المحكمة إلي أن يصدر التشريع المشار إليه إلا أن تبسط رقابتها علي تصرفات الإدارة في الإذن بإقامة دور العبادة حتي تطمئن إلي أنه ليس ثمة تعسف في حبس هذا الإذن أو تلكؤ في إصداره».

إن ما رسخه مجلس الدولة في هذه القضية من مبادئ تتفق مع الدستور وتؤصل حرية العقيدة-عام1952 - ليدعو للفخر، وفي ذات الوقت يدعو للألم علي ما آلت إليه الأوضاع اليوم بعد نحو ستين عاماً...أليست هذه المبادئ عينها ما يدعو إليها القانون الموحد لدور العبادة الذي تحبسه الحكومة وتمنع إصداره بالرغم من موافقة الجميع وإلحاح المجلس القومي لحقوق الإنسان؟
هذا ما رسخه مجلس الدولة عام1952، ولنا لقاء قادم حول ما حكمت به محكمة النقض عام1924،ومن بعدها محكمة سمالوط الوطنية عام1954 علاوة علي قرار النيابة في الشكوي المقدمة لها عام 1958وجميعها تدور حول حق عقد الاجتماعات الدينية والصلاة في غير أماكن العبادة.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق