بقلم: يوسف سيدهم ولعله من المناسب الإشارة إلي أن الحالات التي تناولتها والخاصة بأقباط مغاغة والعدوة ليست حالات نادرة الحدوث أو مقصورة عليهم وحدهم، إنما هي تمثل نموذجاً لمعاناة شريحة من المواطنين، بلغ بها الضيق والقهر أن انفجرت بالشكوي وهكذا وصل صوتها لنا، لكن هناك غيرها وغيرها من ضحايا هذا الواقع الكئيب المريض...وعبثاً يحاول عقلاء وحكماء هذا البلد-مسلمون ومسيحيون- المطالبة بتحرير القيود المفروضة علي بناء وصيانة دور العبادة وجعلها واحدة لكل المصريين، إلا أن الواقع يشهد بأن السلطة تصم آذانها عن تلبية هذا المطلب في إصدار القانون الموحد لدور العبادة والذي يحظي بموافقة سائر التيارات السياسية والدينية، لكنه للأسف لا يحظي بمباركة الإدارة السياسية ويبقي في انتظار توفر الإرادة لديها منذ أعوام خمسة. بينما علي الجانب الآخر تعتبر السلطة إقامة الصلوات والشعائر الدينية للمسيحيين في غير كنائسهم مخالفة للقانون تستوجب إيقافها، ولا تجد السلطة في مسلكها هذا إهداراً للمساواة بين المصريين إزاء حرية العقيدة المكفولة في الدستور، بل تمعن في استبدادها وصلفها وتنقض لإيقاف وتجريم وإرهاب كل من تسول له نفسه فعل ذلك بالرغم من تمام علم السلطة بأنها ذاتها المتسببة في لجوء المسيحيين إلي هذه البدائل بتجريمها بناء وتدعيم كنائسهم. مجلس الدولة يحكم بجواز إقامة الشعائر الدينية في أي مكان يخصص لهذا الغرض، ولا يحق لوزارة الداخلية وقف أو تعطيل هذه الشعائر-16ديسمبر1952 - القضية رقم 538 سنة قضائية، المقامة من حنا سليمان جرجس ضد وزارة الداخلية، وكانت هيئة المحكمة برئاسة حضرة الدكتور عبد الرازق أحمد السنهوري رئيس المجلس وعضوية حضرات الأساتذة المستشارين سيد علي الدمراوي وكامل بطرس المصري وعبد الرحمن نصير وطه عبد الوهاب...وتتلخص الدعوي في أن المدعي يملك أرضاً بناحية القصاصين مقاماً عليها مبني خصصه للصلاة مع إخوانه من الأقباط الأرثوذكس، وهو يتظلم من صدور أمر الإدارة بإيقاف الشعائر الدينية بالمبني حتي يصدر مرسوم ملكي باعتماده كنيسة. جدير بالذكر أن هيئة المجلس في معرض حيثيات هذا الحكم رسخت مبادئ مهمة جداً، فقد دفعت وزارة الداخلية ضمن دفوعها في القضية بأنه يجب ترخيص المبني ليكون كنيسة بناء علي أحكام الخط الهمايوني الصادر عام 1856 لكن حيثيات الحكم تضمنت الآتي:"...إن اشتراط ترخيص في إنشاء دور العبادة علي نحو ما جاء في الخط الهمايوني لا يجوز أن يتخذ ذريعة لإقامة عقبات لا مبرر لها دون إنشاء هذه الدور مما لا يتفق مع حرية إقامة الشعائر الدينية، إذ إن الترخيص المنصوص عليه في هذا الخط الهمايوني لم يقصد به عرقلة إقامة الشعائر الدينية، بل أريد به أن يراعي في إنشاء دور العبادة الشروط اللازمة التي تكفل أن تكون هذه الدور قائمة في بيئة محترمة متفقة مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها، حتي إذا ما استوفيت هذه الشروط وروعيت الإجراءات تعين صدور الترخيص في مدة يعينها التشريع، فإذا لم يصدر في هذه المدة كان الطالب في حل من إقامة دار العبادة التي طلب الترخيص في إنشائها...ولا يسع المحكمة إلي أن يصدر التشريع المشار إليه إلا أن تبسط رقابتها علي تصرفات الإدارة في الإذن بإقامة دور العبادة حتي تطمئن إلي أنه ليس ثمة تعسف في حبس هذا الإذن أو تلكؤ في إصداره». إن ما رسخه مجلس الدولة في هذه القضية من مبادئ تتفق مع الدستور وتؤصل حرية العقيدة-عام1952 - ليدعو للفخر، وفي ذات الوقت يدعو للألم علي ما آلت إليه الأوضاع اليوم بعد نحو ستين عاماً...أليست هذه المبادئ عينها ما يدعو إليها القانون الموحد لدور العبادة الذي تحبسه الحكومة وتمنع إصداره بالرغم من موافقة الجميع وإلحاح المجلس القومي لحقوق الإنسان؟ |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |