بقلم: ماجد الراهب
تعددت وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة على مصر وهي هدم الكنائس ومنع ترميمها، حتى لو في مخيلة أحد إن هذا المبنى سوف يتحول إلى كنيسة أو مكان للصلوات يسارع العامة في هدمه، والغريب إن يتم ذلك بحماية بعض رجال الأمن ولا تخلو محافظة من ذلك وطبعًا تتربع على العرش المنيا وكأنها في سباق مع باقي المحافظات من تتبوأ هذه المكانة؟ وطبعًا السيد المحافظ في سبات عميق كان الله في عونه.
استرعتني هذه الظاهرة وحاولت أن أجد لها علة أو سبب حتى وقع في يدي كتاب في غاية الأهمية أهداه لي صديقي الدكتور جمال أبو زيد الكاتب والباحث، والكتاب بعنوان سؤال في الكنائس تأليف شيخ الإسلام أبي عباس تقى الدين ابن تيمية تحقيق وتعليق الدكتور جمال أبو زيد... الناشر دار الحرية.
وإذا عرف السبب بطل العجب وكان في هذا الكتاب الرد المنطقي لكل ما يحث في مصر الآن.
ابن تيمية هو من مواليد يناير 1263م ولد في حران وهى مدينة قديمة في بلاد ما بين النهرين تقع حاليًا في تركيا، وفي صباه ذهب إلى دمشق وتعلم بها وكان نابغًا فصار من مصاف العلماء والفقهاء وهو مازال في سن العشرين.
وفي هذه الفترة كانت البلاد تقع تحت الغزو التتاري فقل الإنتاج العلمي واقفل باب الاجتهاد وسيطرت نزعة التقليد والجمود (حسب كلام الدكتور جمال)، فكان هذا حافزًا أن يدخل هذا الشاب هذه الساحة بلا منافس، فصال وجال وقام بتأليف كثير من الكتب منها (الاستقامة، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، درء تعارض العقل والنقل، وكتاب مجموع فتاوى ابن تيمية والذي جاء في المجلد الثامن والعشرون كتاب باسم "سؤال في الكنائس").
وفي سنة 1307 م وكان عمره حوالي خمسة وأربعون عامًا جاء إلى مصر بعد استدعاء الولاة له لمحاكمته على أفكاره التي كانت تدعو إلى مواجهة الحكام ولأفكاره المتطرفة، وسجن في مصر لمدة سنتان وبعد خروجه من السجن طالب الصوفية في مصر خروجه منها وعودته إلى دمشق برغم رغبته الشديدة في البقاء بصر، ولكنه اضطر إلى الخضوع والعودة إلى دمشق. وأثناء سفره تم الإمساك به والزج به في السجن مرة أخرى بمصر.
واستمر على هذا المنوال يخرج ويدخل السجن بسبب فتاويه العجيبة والتي رفضت في مصر حتى توفي في دمشق سنة 1330 تقريبًا.
ونأتي إلى هذه الفتوى التي جاءت في القرن الرابع عشر لتصير واقع في القرن الواحد وعشرون وهذا هو منطوق السؤال الذي وجّه إلى بن تيمية (ما تقول السادة العلماء أئمة الدين في الكنائس التي بالقاهرة وغيرها التي أغلقت بأمر ولاة الأمور، إذ ادعى أهل الذمة أنها أغلقت ظلمًا وإنهم يستحقون فتحها، وطلبوا ذلك من ولى الأمر أيّده الله تعالى ونصره فهل تقبل دعواهم؟ وهل تجب إجابتهم أم لا).
هذا جزء من السؤال وهو ملخص لتساؤلاتهم حول ترميم أو فتح أو بناء كنائس سواء موجودة قبل الغزو العربي أو بعده، ويأتي رده هكذا (الحمد لله رب العالمين، أما دعواهم أن المسلمين ظلموهم في إغلاقها فهذا كذب مخالف لإجماع المسلمين فإن علماء المسلمين من أهل المذاهب الأربعة........... متفقون على إن الإمام لو هدم كل كنيسة بأرض العنوة كأرض مصر والسواد بالعراق وبر الشام ونحو ذلك مجتهدًا في ذلك ومتبعًا في ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ذلك ظلمًا منه بل تجب طاعته في ذلك ممن يرى ذلك، وإن امتنعوا عن حكم المسلمين لهم كانوا ناقضين العهد وحلت دمائهم وأموالهم، ليس ذلك فقط بل ما هو أقصى من ذلك فيقول (والمدينة التي يسكنها المسلمون والقرية التي يسكنها المسلمون وفيها مساجد المسلمين لا يجوز أن يظهر فيها شيء من شعائر الكفر لا كنائس ولا غيرها .... فلو كان بأرض القاهرة ونحوها كنيسة قبل بنائها لكان للمسلمين أخذها لأن الأرض عنوة فكيف وهذه كنائس محدثة أحدثها النصارى).
هل هذا كل شيء؟.. ياريت بل هناك ما هو أفظع فلقد وصم الدولة الفاطمية ( 358-567هـ/ 969-1172م ) والتي استمر حكمها ما يقرب من مائتين سنة بالكفر "الرافضة" لأنهم سمحوا للأقباط ببناء الكنائس وولوهم في الوظائف الكبيرة مثل الوزير المسيحي الأرمني بهرام وبدر الدين الجمالي.
هل هذا كل شيء؟.. طبعًا لا فهناك ما هو أشد فقد طالت أحاديث الرسول فهناك حديث يقول (من أذى ذميًا فقد أذاني) وهذا الحديث منتشر جدًا في مصر يقال ليؤكد مكانة الأقباط عند رسول الإسلام ولكن حتى هذا الحديث أصبح مشكوك في صحته فيقول بن تيمية (فهذا كذب على رسول الله، لم يروه أحد من أهل العلم).
أعتقد الأمور وضحت وكل ما يفعل هو تنفيذ لصحيح الدين وخاصة أن كل هجوم يكون بعد تحريض من رجال الدين.
هناك الكثير والكثير ولكن أكتفي بهذا القدر الذي لا يحتاج تعليق ولكن يحتاج إلى دراسة وتوثيق فلقد رفضه المصريين في القرن الرابع عشر، والآن مع انتشار الفكر الوهابي وجدوا في ابن تميمة ضالتهم المنشودة ليغذوا به فكر العامة ويشعلوا النيران في مصر باسم الدين، فماذا نحن فاعلون!! |