بقلم / د. أنور عبدالملك |
موعدنا اليوم يبدو بعيدا عن حروب العصر الجديد, إذ أنه وقفة عند ما أحاط باحتفالنا بالعيد السبعيني لثورة19 مارس1919, وما أثاره هذا الاحتفال من حنين وتساؤلات وكأننا أمام حدث خارج علي سياق الركود الذي يحاصرنا الي حد دفع بزميلنا الأستاذ صلاح عيسي الي إعلان أن الثورات ليست أخطاء تاريخية( المصري اليوم,2009/3/14). سمعنا في شبابنا روايات جمهورية زفتي, حدثنا المؤرخون ـ خاصة الدكاترة محمد أنيس ومدرسته حتي رفعت السعيد هذا العام ـ بأن الثورة امتدت الي أعماق الريف المصري, إذ تقدم فقراء وصغار الفلاحين ثورة شعبية بكل معاني الكلمة, هي التي حركت أعيان وباشاوات المدن والأرياف, هذا بينما أكد الباحثون أن قيادة ثورة1919 تركزت بين ايدي التنظيم السري للوفد المصري بقيادة القائمقام( عقيد) عبدالرحمن فهمي بك الذي كان سكرتير عام الوفد باعتراف المشاركين والمؤرخين آنذاك, وقد اجتمع صفوة الثوار من المثقفين والمهنيين والضباط والعمال والفلاحين والطلبة في إطار هذا التنظيم السري, العقل المدبر واليد المنفذة لثورة الشعب المصري ضد الاحتلال بعد الحرب العالمية الأولي. من هنا جاءت ثورات الأقاليم, وفي مقدمتها جمهورية زفتي, ومن هنا أيضا جاء المناخ الذي أتاح تكوين منظمة الكادر في قلب التنظيم السري التي أطلقت علي نفسها تسمية اليد السوداء. هنا استسمح القارئ العزيز في فتح كتاب الذكريات التي قد تضئ بعض النواحي المغيبة من ثورة مصر الأولي في القرن العشرين. توفي والدي ولم أبلغ الثامنة والنصف من سنين الطفولة, كان أقرب الصديقين هما عبدالحليم البيلي بك المحامي الوفدي المرموق والقائمقام( العقيد) حافظ صدقي بك. حركة23 يوليو1952 تطيح بالملكية, وكذا بمؤسسات الطبقة الوسطي من الأحزاب الي مجلس الدولة, من الصحافة الي طلائع الجامعة, ثم يبدأ الحراك التصنيعي والاستقلالي بدءا من تأميم قناة السويس والسد العالي, تتوالي حملات العدوان من دول الغرب وإسرائيل حتي نكسة يوليو1967, وفي هذا الجو يزداد التنقيب عن أعماق ثورات مصر, انتصاراتها ونكساتها, وفجأة تنشر بعض الصحف ذكريات التنظيم السري لثورة1919 ـ1923, ومعها, فجأة ذكري تنظيم باسم اليد السوداء علي صلة وثيقة بأسماء نادرة الذكر, وفي مقدمتها عبدالحليم البيلي بك, حاولت لأن أتحري الدقة, وقد أشار عنه بعض المعلقين علي أنه كان الرجل ومعه أقرب الأصدقاء, ووالدي في مقدمتهم, في دائرة هذا الجديد الذي يطفو علي السطح دون مقدمات لحظة البحث عن أعماق تاريخنا الثوري. قبل هذه اللحظة كان من الواضح أن التنظيم السري للوفد المصري, منظما وقائدا لثورات الفلاحين في الريف ونشأة الحركة العمالية النقابية وامتدادها الي الحزب الاشتراكي منذ1920 ثم الحزب الشيوعي الأول في1923, وهو الأمر الذي يفسر تاريخ مناضل شاب جمع بين الثورة الوطنية التحريرية ونصرة الحركة العمالية الناشئة ب تمر السنون, تشاء الظروف أن يدعي كاتب هذه السطور زميلا أي أستاذا زائرا في معهد الدراسات المتقدمةwiko في برلين عام1985, كانت ألمانيا مازالت منقسمة الي ألمانيا الغربية, حيث مقر المعهد وألمانيا الشرقية التي تبدأ من قطاع الأوسط والشرقي من العاصمة برلين, كان من واجب كل زميل أستاذ زائر في المعهد أن يدعو ضيفا مرموقا من الخارج الي العشاء مع زملائه في المعهد للتعارف وتبادل الآراء, وقد شاءت الظروف, والظروف تشاء أن تكون السفيرة رئيسة البعثة الدبلوماسية المصرية في برلين هي كريمة القائمقام عبدالرحمن فهمي بك قائد التنظيم السري لثورة الوفد المغيب, وقد تفضلت بقبول الدعوة, فكان حديثنا بعد العشاء الرسمي في المعهد غير تقليدي, إذ قدمت الضيفة الكريمة الي مجلس الإدارة وكبار الأساتذة والزملاء بصفتها الرسمية بطبيعة الأمر, ثم أضفت أنني أعتز بتحيتها بوصفها كريمة قائد المرحوم والدي أيام التنظيم السري لثورتنا المصرية الأولي في القرن العشرين, وقد أثارت هذه الكلمات تساؤلات تحولت الي حوار مفتوح امتد فيما بعد لمحاضرة في المعهد عن حقيقة ثورة1919, وأسباب تغييب الحقيقة, وكأن الثورات أخطاء تاريخية يجب التنصل عنها. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع:
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |