CET 00:00:00 - 28/10/2009

مساحة رأي

بقلم: منير بشاى
بالإضافة إلى أنواع الإنفلونزا العالمية المعروفة، يبدو أننا نحن المصريون لدينا الإستعداد الطبيعى لأنواع أخرى معنوية من الإنفلونزا كنتيجة لبصماتنا الوراثية. ولعل أهمها وأخطرها إنفلونزا الرياء. ومع ذلك قد أثار الإعلام وكتب الكتاب فى مصر عن أنواع عديدة من الإنفلونزا مثل إنفلونزا الفساد، ولكننى لا أذكر أننى قرأت شيئا عن إنفلونزا الرياء. وربما يرجع هذا إلى أن هذا المرض بطبيعته يمنع الإنسان من الإعتراف بوجوده. فكيف يعترف مريض الرياء أنه مصاب بداء الرياء؟ فالرياء يدفع صاحبه أن يكذب على نفسه، ويكذب على الآخرين، وينكر حقيقة حالته، وبدلا من الإعتراف بالمرض يعتبر نفسه صحيحا معافى (وجايز الآخرين هم المرضى).

فى زيارتى الأخيرة لمصر بعد غيبة طويلة تكرر هذا المنظر أمامى. رجل يستوقفه رجل آخر ثم تسمعهما يتبادلان عبارات الحب التى تشبه الغزل. يرددان كلمات مثل: حبيب روحى... حتة من قلبى... إلخ... وأعترف أن هذه الكلمات العاطفية كانت تصدمنى فى البداية، ففى الثقافة الغربية التى تعودت عليها لا تسمع عادة كلمات الحب بين نفس النوع. ثم يتطورالأمر فبعد كلمات الحب يأتى دور الأحضان والقبلات. وهنا أجدنى أقول لنفسى: لا.. الموضوع زاد عن حده. وتبدأ تداخلنى الشكوك فى هوية الرجلين.  ولكن قبل أن يتمادى تفكيرى فى هذا الإتجاه أفيق لأذكر نفسى أننى فى مصر، وأن هذه هى الطريقة المصرية، وأنها غالبا تعبيرات بريئة لا تدل على أى إنحراف. وأتصور أنهما ربما رجلان يحبان بعضهما جدا ولم يقابلا بعضهما منذ عدة سنوات. ولكننى أفاجأ عندما أعلم أنهما فى الحقيقة كانا معا منذ أيام. ولكن المفاجأة الكبرى تحدث بعد أن يفارق الواحد الآخر.  فما أن يدير الرجل ظهره للآخر حتى يبدأ الرجل يقول رأيه الحقيقى فى الرجل الآخر، ويسرد كل عيوب الدنيا فيه والتى تغطيه من هامة رأسه الى أخمص قدميه . وهنا لا أملك إلا أن أتساءل فى نفسى: سبحان الله!! أمال لو كانوا حبايب بصحيح.. كانوا عملوا إيه؟!

عبارات المديح والإطراء التى لا تعنى شيئا أصبحت جزءا كبيرا من قاموس مفرداتنا اللغوية. وهذا أفرز المثل الشعبى القائل: أسمع كلامك يعجبنى أشوف أعمالك أتعجب. ومن كثرة ترديد عبارات المديح الكاذبة فقدت تأثيرها وأصبح الناس لا يعيرونها أى إهمية ويعتبرونها مجاملات جوفاء لا قيمة لها. وهذا دفع البعض إلى خطوة أخرى وهى محاولة تأكيد كلامهم بإضافة القسم. بل ولا حتى لو حلف الانسان ستين يمين سيجعل الناس تصدقه طالما كان واضحا أن ما  يقوله  كذبا.
هى ظاهرة الرياء اللعينة التى تفشت فى مجتمعاتنا المصرية، ربما نتيجة الظروف الصعبة التى تمر فيها مصر، والتى تدعوا البعض إلى إستخدام كل الحيل فى جعبتهم التى تساعدهم على شق طريقهم للوصول إلى ما يهدفون. وهى ظاهرة نادرا ما تلاحظها فى المجتمعات الغربية. وليس هذا لأن المجتمعات الغربية هى مجتمعات ملائكة فبالتأكيد أن لها عيوبها الكثيرة. ولكن فى موضوع الرياء تأخذ مجتمعاتنا المصرية الجائزة الكبرى دون منازع.

الرياء رذيلة تفوق غيرها من الرذائل لأنها رذيلة مركبة تجمع عدة رذائل فى حزمة واحدة. الرياء يشمل الكذب والجبن والكراهية والإغتياب والخداع والأنانية. ولذلك لم يكره السيد المسيح خطية قدر كراهيته لخطية الرياء. فلقد كان السيد المسيح محبا للعشارين والخطاة (لوقا ٧:٣٤) ورحوما غفورا للزناة والزانيات (يوحنا ٨:١١) ولكنه كان عنيفا موبخا ومدينا للمرائين حتى ولو كانوا من كبار رجال الدين. وقد وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين قائلا "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلون يدخلون. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلة تطيلون صلواتكم لذلك تأخذون دينونة أعظم" (متى ٢٣:١٣-۱٥).
ولذلك يدعونا الكتاب المقدس أن ننقى حياتنا من خميرة الرياء التى تفسد كل شئ. يدعونا أن تكون محبتنا بلا رياء (رومية ١۲:٩) وإيماننا بلا رياء (٢تيموثاوس ١:٥) وأقوالنا بلا رياء (١تيموثاوس ٤:٢) وحكمتنا بلا رياء (يعقوب ٣:١٧).
معظم خطايا الرياء هى من صنع عضو صغير فى الجسم وهو اللسان. وفى ذلك يقول الكتاب المقدس عن رياء اللسان: اللسان شر لا يضبط مملؤا سما مميتا. به نبارك الله الآب وبه نلعن الناس الذين تكونوا على شبه الله. من الفم الواحد تخرج بركة ولعنة.(يعقوب ٣ :۸- ۱٠)  ولكن الفم يعكس ما فى القلب لأنه من فضلة القلب يتكلم الفم (متى ۱۲:۳٤)

لكل مرضى الجسد والروح رجاء فى العلاج إلا مرضى الرياء. وذلك لسبب بسيط أن المريض بالرياء لا يعرف أنه مريض ولذلك فهو بالتالى لا يطلب العلاج، ومن لا يطلب العلاج لا يجده.
أللهم إجعل قلوبنا مستقيمة أمامك.
أللهم ساعدنا حتى  نعلن ما نبطن ونبطن ما نعلن.
اللهم ساعدنا حتى نقول ما نعنى ونعنى ما نقول.
أللهم دعنا نتمسك بالحق فى الفكر والقول والعمل.
لأنك أنت هو الحق ومن يتبع الحق فهو منك.
آمين...
Mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٢ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق