بقلم: مجدي جورج
لا شك أن الأزمة التي يتعرض لها السودان بسبب قرار المحكمة الدولية بإيقاف الرئيس السوداني عمر البشير هي أزمة شديدة ويتطلب علاجها أفكار جرئية وقرارات صعبة لمصلحة السودان والسودانيين.
والبشير الذي يتباكى عليه العديد من العرب والسودانيين الذين يعتبرون مثل القط الذي يحب خناقه أو مثل الضحية التي أدمنت جلد جلادها هو وليس غيره الذي أدخل منذ وصوله إلى حكم السودان عام 1989 البلاد في أزمات عديدة ومتعددة في الداخل والخارج:
أولاًَ: في الداخل
دخل في نزاع وتخلص من أستاذه حسن الترابي الذي ساعده في القفز على الحكم وتخلص من بعدها من معظم رفقائه فيما دعي بثورة الإنقاذ وعندما وقع على معاهدة سلام مع جون جارانج ووجد فيه زعيم ذو كاريزما من الممكن أن يؤثر عليه تخلص منه في حادثة طائرة لازالت إسرارها لم تكشف بعد،.ثم دخل في نزاعات مسلحة في جميع المناطق السودانية المختلفة:-
1 - ففي الجنوب كانت هناك حرب ضروس كان البشير يقف ويحث الشباب السوداني على الإستشهاد في سبيل الله، دافعهم دفعاًَ إلى محرقة الجنوب ولم تقف هذه الحرب إلا بعد أن حصدت أرواح الملايين من السودانيين في الشمال والجنوب ولم تتوقف إلا بعد ضغوط ووساطات دولية متعددة.
2 - وفي شرق السودان كانت ولازالت هناك قوى معارضة مؤثرة مثل مؤتمر البجا وغيرها حاربت حكومة الإنقاذ لتعرض هذه المناطق للظلم والإجحاف ولم تتوقف هذه الحرب إلا بعد وساطات من دول الجوار خصوصاًَ أريتريا وليبيا.
3 - وفي الشمال هناك ظلم وتهميش للنوبيين ومحاولة للقضاء على ثقافتهم وتاريخهم ومنعهم من تعلم لغتهم بل ونقلهم من بيوتهم ولعل مشكلة سد مروي ليست ببعيدة.
4 - أما في الغرب، فحدث أيضاًَ ولا حرج، وبشهادات موثقة عن أفعال البشير وحكومته ومليشيات الجنجويد بالسكان المحليين من أهالي دارفور في محاولة لتعريب هذا الجزء من غرب السودان بالقضاء على هوية هؤلاء السكان، فهناك تهجير وقتل وإغتصاب للفتيات وحرق للقرى وهذه هي الأزمة التي تستند إليها المحكمة الدولية في شأن قرارها إيقاف البشير مع إن ما فعله في جنوب السودان كافي للحكم عليه بالإعدام.
ثانياًَ: في الخارج
وهذا الملف هو ملف متخم أيضاًَ فهناك خلافات ومشاكل مع جميع دول العالم الغربي فلا يزال العالم يذكر له إستضافته لإثنين من أئمة الإرهاب في العالم، فقد أمن مخبأ أمن لكارلوس رأس الإرهاب العالمي سابقاًَ، ثم من بعدها إستضاف أسامة بن لادن رأس الإرهاب العالمي حالياًَ.
وأيضا بالإضافة إلى ما سبق فإن نظام البشير دخل في خلافات مع جميع دول الجوار فقد كانت هناك قطيعة بينه وبين مصر بسبب إستضافته لمن حاولوا إغتيال مبارك في أديس أبابا في التسعينات، وبسبب هذه المشكلة فقد دخل أيضاًَ فى نزاع مع أثيوبيا ودخل في نزاع مع نظام اسياس افورقي في أريتريا، وإتهمه أفورقى بأنه يساعد المتمردين على نظام حكمه.
ثم دخل في نزاع مع أوغندا التي إتهمته بمساعدة جماعة جيش الرب المتمردة، ومن بعدها دخل في نزاع مع تشاد التي إتهمته بأنه ساعد المعارضة التي حاولت إغتيال التشادي إدريس ديبى والإستيلاء على العاصمة نجامينا، كما ان نظام البشير إتهم سابقاًَ بأنه يساعد المعارضة الإسلامية في الصومال بقيادة شيخ شريف محمد ضد قوات الحكومة السابقة التي كانت تساعدها أثيوبيا.
كل هذه النزاعات التي دخل فيها السودان في الداخل والخارج قام بها نظام البشير الذي لازال هناك من يدعمه ويتباكى عليه بحجة الخوف على السودان وعلى وحدته مع ان البشير هو من يقود بسياساته التمييزية السودان إلى التقسيم فسبب حربه الضروس في الجنوب، فإنه من المتوقع أن يختار الجنوبيين الإنفصال وتكوين دولتهم في الإستفتاء المزمع تنظيمه العام المقبل، وها هي حركات التمرد في دارفور تطالب بمثل هذه المطالب، وفي الشرق هناك أحلام ورؤى مثيلة لذلك.
يا سادة إن قرار المحكمة الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير ليس قرار إنتقائي، وهو ليس قرار ضد الإسلام والمسلمين كما يدعي البعض، فقد سبق إن شكلت محاكم دولية لمحاكمة كل من "سلوبدان ميلسوفيتش" الرئيس الصربي السابق، وكذلك "رادو فان كارديتش"، وأيضاًَ الرئيس الليبيري السابق "تشارلز تايلور"، وكذلك زعماء الحرب السابقون في رواندا، وكل هؤلاء ليسوا بعرب وليسوا بمسلمين ولكن يد العدالة إستطاعت أن تصل إليهم وتحاكمهم.
إذاًًَ فهذا القرار ليس ضد المسلمين أبداًَ بل على العكس هو لصالح المجني عليهم من المسلمين غير العرب الذين يعيشون في دارفور والذي فعل فيهم نظام البشير مالا يفعل.
إن حيلة النظام السوداني بالإيحاء للجنة علماء السودان لإصدار فتوى تمنعه من السفر حماية له وللسودان كما يقولون، ثم إستجابته المتوقعة لهذه الفتوى لن تحل المشكلة أبداًَ، فهذه الطريقة التي أدمنها الحكام العرب والمسلمين للبقاء في الحكم، وهي اللعب على وتر الدين كلما إرتكبوا الأخطاء الكفيلة بإزاحتهم عن كراسيهم، أقول أن هذه الطريقة لن تجدي نفعاًَ للسودان فسيظل السودان كدولة مهدد ومحاصر بسبب رغبة البشير في إستمراره على كرسي الحكم للأبد.
والحل من وجهة نظري هو ان يقوم البشير بالتنازل عن الحكم لصالح هيئة تعد البلاد لإنتخابات جديدة، ربما تفرز هذه الإنتخابات عن شخص يستطيع قيادة السودان إلى بر الأمان، بدل من هذا التخبط وهذه هي أقل تضحية يمكن أن يقدمها البشير للسودان إذا كان يهمه السودان والسودانيين. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|