بقلم: د. عبدالخالق حسين
يصر أعداء العراق من فلول البعث وحلفائهم أن يجعلوا كل أيامه دامية، فكان الأربعاء الدامي قبل شهرين، ليتبعه الأحد الدامي يوم أمس 25 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وهذا لا يعني أن بقية الأيام مرت بسلام، وإنما صارت تسمية اليوم دامي أو غير دامي حسب حجم الدمار وعدد الضحايا. فمجزرة الأحد الدامي تمت بتفجير سيارتين مفخختين قرب وزارة العدل ومجلس محافظة بغداد في الصالحية، والتي راح ضحيتها أكثر من 130 شهيداً ونحو 600 جريح من مختلف الأعمار، بينهم أطفال ونساء وشيوخ وغيرهم، فالقتل هنا عشوائي وبدون تحديد عمر أو جنس أو هوية الضحية، القومية أو الدينية، لأنها حرب إبادة ضد الشعب العراقي بجميع مكوناته.
من هم وراء الجريمة؟
كل ذي عقل سليم وبالتحليل العقلاني يستطيع تشخيص الجريمة ومعرفة منفذيها. فلا شك ولا مراء أن مجزرة الأحد الدامي تحمل بصمات مجزرة الأربعاء الدامي وكل مجزرة أخرى.
لقد جاءت مجزرة الأربعاء 19/ آب المنصرم مباشرة بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي، السيد نوري المالكي لدمشق، والتي وقَّع خلالها نحو 11 اتفاقية اقتصادية، كلها في صالح سوريا أكثر مما في صالح العراق مقابل تعاون الحكومة السورية مع العراق في دحر الإرهاب. فطالب المالكي الحكومة السورية في تلك الزيارة بتسليم المجرمين البعثيين المقيمين على أراضيها، وقدم الأدلة الثبوتية تؤكد ضلوعهم في تخطيط وقيادة وتنفيذ المجازر بحق الشعب العراقي منذ سقوط حكمهم. تلك المطالبة المشروعة أثارت غضب الرئيس السوري، بشار الأسد، فتصرف كرئيس مافيا، حيث فقد صوابه ووصف المطالبة بأنها "لا أخلاقية" واعتبرها تهمة شنيعة ضد سوريا!! وراح يلقي المحاضرات على العراقيين عن الأخلاق. يقول الروائي الفرنسي بلزاك: "حذارى من امرأة تتحدث عن الشرف كثيرا". وهكذا فعندما يتحدث رئيس عصابة إرهابية مثل بشار الأسد عن الأخلاق عندئذ أقرأ على الأخلاق السلام لدى هذا الشخص .
وكذلك مجزرة الأحد الدامي، حصلت مباشرة بعد عودة السيد المالكي من زيارته الناجحة للولايات المحتدة، ودعوته المستثمرين الأمريكان للاستثمار في العراق، فما أن عاد وحتى حصلت هذه الانفجارات كرد فعل على نجاح الزيارة، لأن أعداء العراق لا يريدون له والعملية السياسة أي نجاح، وذلك تنفيذاً لوصية سيدهم المنفوق صدام حسين الذي وعد بأن الذي يحكم العراق من بعده يستلمه أرضاً بلا بشر. ولذلك يشن أيتام البعث وحلفاؤهم أتباع القاعدة حرب الإبادة ضد الشعب العراقي.
ومن هنا نعرف أن مرتكبي مجزرة الأحد هو أنفسهم مرتكبو مجزرة الأربعاء الدامي وكل المجازر التي ارتكبت بحق العراق المحرر من الفاشية البعثية منذ سقوط نظامهم وإلى الآن. والجدير بالذكر أن هذه العمليات الكبرى ليست بمقدور أفراد أو منظمات لوحدها، بل هي تحالف منظمات إرهابية، وراءها حكومات أهمها سوريا وحليفتها إيران، وكذلك السعودية، ولكل من هذه الحكومات أغراضها وأجندتها الخاصة في تدمير العراق وإفشال العملية السياسية.
كذلك نعرف من تصريحات الإرهابيين السعوديين الذين فشلت عملياتهم الانتحارية بالصدفة، وتم تأهيلهم فيما بعد، اعترفوا في لقاءات تلفزيونية أنهم دخلوا العراق عن طريق سوريا حيث تم استلامهم من قبل مراكز الأمن السوري وأدخلوا دورات تدريبية، وبعد دخولهم العراق استلمهم أناس آخرون لا يعرفونهم ولا تنظيماتهم، وتحت أسماء إسلامية، يتصرفون بهم ويحددون لهم حركاتهم وأهدافهم. ونحن نعرف أن معظم أسماء التنظيمات الإسلامية "الجهادية" هي تنظيمات وهمية، تستخدم كغطاء لفلول البعث. وهذا يعني أن أتباع القاعدة في العراق هم تحت تصرف البعثيين وليس غيرهم.
ما الغرض من هذا الإرهاب؟
وجهت لي إذاعة الكويت مشكورة في مقابلة أجرتها معي البارحة (مساء 25 الجاري) عبر الهاتف حول مجزرة الأحد الدامي السؤال التالي: ما الغرض من هذه الأعمال الإجرامية الإرهابية، وما فائدتها لمرتكبيها؟ فكان جوابي كالتالي:
1- زعزعة الأمن والاستقرار في العراق لإعطاء انطباع للشعب أن حكومته عاجزة عن حفظ الأمن وتأمين سلامتهم،
2- زعزعة ثقة الشعب بالسيد المالكي شخصياً وإظهاره بمظهر العاجز!!
3- إشاعة الفوضى وإفشال العملية السياسية وإجهاض الديمقراطية الوليدة،
4- تعطيل الانتخابات المزمع إجراؤها في 16/1/2010،
5- وأخيراً، التمهيد لعودة البعث، وإلغاء كل ما تحقق للشعب العراقي من منجزات منذ سقوط الفاشية عام 2003 ولحد الآن، وإغراق البلاد في أنهار من الدماء.
أما فائدة هذه الجرائم لمرتكبيها، فالجواب، لا شيء يستفيد منه المجرمون، وإنما هي نتيجة سايكولوجية خاصة بالإرهابيين، وهي أنهم عدميون (نهلستيون) تحركهم نزعة العداء للشعب العراقي، وكرههم الشديد للحياة. فالبعثيون وبعد أن خسروا الحكم الذي أدمنوا عليه لـ 35 عاماً، لن يستطيعوا العيش بدونه، لذلك يعملون وفق شعار (عليَّ وعلى أعدائي يا رب، واليكن من بعدي الطوفان). أما حلفاؤهم من أتباع القاعدة فغايتهم معروفة من قتل الأبرياء وهي الرغبة الجامحة في لقاء الحور العين بأسرع وقت وأقصر طريق، كما أفتى لهم مشايخهم الوهابيون.
كما ونؤكد لأولئك الذين يحلمون باستسلام شعبنا لإرادة الإرهابيين وبإسقاط المالكي وحكومته عن طريق الإرهاب أو تبريره ووصفه بـ"المقاومة الشريفة" بحجة محاربة الاحتلال الأمريكي وحكومة "المحاصصة الطائفية العميلة"، فاللعبة باتت مكشوفة ولن تنطلي على شعبنا الذي عرف أغراضها الخبيثة اللئيمة، ونؤكد لهم أن هذه الأعمال الإرهابية لن تزيد شعبنا إلا صموداً ووحدة الصف، كما وقوت من تأييد الشعب للمالكي. إضافة إلى تأييد الشعب وقواه السياسية للحكومة في مطالبتها للأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي عن الإرهاب ومن يقف وراءه من الحكومات الراعية للإرهاب وخاصة سوريا.
تقسيم الإرهابيين
والملاحظ أيضاً، أن المجرمين وراء حرب الإبادة هذه ينقسمون إلى قسمين، قسم المنفذين الذين يرتكبون الجريمة، وقسم آخر متغلغلون في الحكومة والبرلمان وأجهزة الأمن والإعلام. مهمة المتغلغلين في أجهزة الأمن هي تسهيل وصول المنفذين للجريمة إلى أهدافهم. أما الآخرون، فمهمتهم إعلامية عبر تصريحات معدة مسبقاً، يبعدون بها التهمة عن البعثيين المجرمين الحقيقيين وحلفائهم الوهابيين عندما تقع أية مجزرة، وتوجيه إصبع الاتهام ضد الحكومة نفسها. وهم خبراء في خلط الأوراق وخلق التشويش وبلبلة الرأي العام العراقي والشارع العربي.
والغريب هنا أن نفراً من هؤلاء ومنهم برلمانيون، يتهمون المالكي بالعمالة لإيران، وأن رجال حمايته هم إيرانيون، وتحركاته كلها خاضعة لسيطرة وحماية إيرانيين!!! ولكن في نفس الوقت يلقون تهمة مجازر يومي الأربعاء والأحد الدامية على إيران. نحن هنا لا نريد أن ندافع عن إيران ودورها القذر في زعزعة الأمن في العراق، معاذ الله، فلإيران دور كبير في خلق الاضطرابات الأمنية في العراق، ولكن هل هذا الخلط في الأوراق يعقله عاقل؟ فإذا كان المالكي عميلاً لإيران، كما يدعي هؤلاء، فلماذا تريد إيران زعزعة ثقة الشعب برئيس وزراء هو عميل لها؟
وماذا عن المصالحة؟
قلنا مراراً وتكراراً أن البعثيين لا تفيد معهم أية مصالحة لأن غرضهم ليس المشاركة في السلطة الديمقراطية، بل إسقاط السلطة والهيمنة الكلية عليها والعودة إلى ما قبل 2003. فلم يصدقنا البعض. وبعد كل هذه المجازر التي ارتكبها البعثيون وحلفاؤهم من أتباع القاعدة، وبدعم من بعض دول الجوار: سوريا وحليفتها إيران، وكذلك السعودية، نود أن نسأل أصحاب "النوايا الحسنة" الذين ما انفكوا يطالبون الحكومة ليل نهار، بالمصالحة مع القتلة ومشاركة البعثيين في الحكم. فهل بعد كل هذه المجازر وحرب الإبادة العشوائية ضد الشعب العراقي من مجال للحديث عن المصالحة مع البعث الفاشي؟ وهل تمت مصالحة ومشاركة النازيين في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية في الحكم؟
أيها السادة الأفاضل، إن البعث الفاشي هو أسوأ ملايين المرات من النازية الألمانية، فالنازية لم ترتكب الإرهاب ضد شعبها بعد سقوط هتلر ونظامه. أما البعث فهدفه اغتصاب السلطة وبأي ثمن، حتى ولو كان الثمن إبادة الشعب العراقي. وهذا مستحيل، فمهما أمعن البعثيون في إرهابهم، فلن يزيدهم ذلك إلى المزيد من الصمود في إنجاح العملية السياسية الديمقراطية. والمجد لشهداء شعبنا، والخزي والعار لأعداء شعبنا من فلول البعث وبقايا القاعدة ومن يقف معهم.
ـــــــ
العنوان الإلكتروني للكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.com/ |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|