الخبر نشرته جريدة «نهضة مصر» القاهرية بتاريخ الأحد 18 أكتوبر 2009 تحت عنوان «الجَلد عقوبة ارتداء الـ(سوتيان) في الصومال». يقول الخبر: «في دعوة إلى الممارسات الخاطئة باسم الإسلام جلدت أمس حركة الشباب الإسلامية الصومالية علانية نساء لارتدائهن مشدات الصدر (سوتيان) بحجة أن ذلك يخالف الإسلام لانطوائه على غش وتضليل. وكانت الحركة المتمردة التي تسعى إلى تطبيق تفسير متشدد للشريعة الإسلامية في أنحاء الصومال قطعت قدم ويد شابين اتهما بالسرقة هذا الشهر. كما منعت عرض الأفلام والرنات الموسيقية للهواتف المحمولة والرقص في الأعراس ولعب أو مشاهدة كرة القدم. وذكر سكان أن مسلحين كانوا يطوقون أي امرأة يبدو صدرها مشدودا ثم يقوم ملثمون بجَلدها علنا. وأمر المسلحون النساء بعد ذلك بخلع المشدات وترك صدورهن بشكلها الطبيعي. وقالت مواطنة تدعى حليمة: (أجبرنا الشباب على التحجب وفق طريقتهم، والآن يجبروننا على هز صدورنا). وأضافت أن بناتها تعرضن للجَلد. وأردفت: (في البداية منعوا الشكل السابق من الحجاب وجاءوا بأقمشة خشنة تغطي صدور النساء ويقولون الآن إن الصدور يجب أن تكون مشدودة بشكل طبيعي أو مسطحة). ورفض المسئولون في حركة الشباب التي تقول واشنطون إنها وكيل تنظيم القاعدة في الصومال التعقيب. وصدم تفسير الحركة المتشددة للشريعة الإسلامية الكثير من الصوماليين وهم مسلمون معتدلون في الغالب. ومع ذلك يرجع إليها البعض فضل إعادة النظام إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها. وتسيطر الحركة على أجزاء واسعة من جنوب ووسط الصومال».
في كل أدبيات المتطرف، ستجد أنه يطلب المزيد من الإخفاء والستر لملامح جسم المرأة لكي لا تثيره بأنوثتها الظاهرة، وحتى أصحاب العقول الراجحة يصدقون أن هذا هو مطلب المتطرف بالفعل، متجاهلين حقيقة أن ما يطلبه المتطرف ليس هو ما يريده بالفعل، فالأقرب إلى طبيعة الأفكار المتطرفة هو أن ترتدي المرأة مشد الصدر وليس أن تخلعه، الأقرب إلى مفهوم المتطرف هو ألا يهتز صدر المرأة أثناء حركتها بما يذكره بأنوثتها، وبالتالي يثير رغبته فيها، أما في هذا المشهد فهو يطلب العكس تماما في لحظة صدق نادرة تكشف دوافعه الجنسية المنحرفة. ولا يكتفي بذلك، بل يقوم بتنفيذه علنا في الشارع فيما يشبه الاحتفالية الجنسية (Sexual orgy) وهو ما سيتضح لك إذا أعملت خيالك وحولت الخبر الذي قرأته إلى مشهد درامي مكون من لقطات، وليكن عددها ما يكون طبقا لما يسعفك به خيالك، تستطيع أن تبدأ بجماعة الصمود والتصدي للسوتيانات وهي تتمشى في شوارع المدينة أو القرية وتحدق بقوة وافتراس في النساء المارات، اقترب بالكاميرا من صدور النساء في لقطات سريعة، الأنثى الناجية هي تلك التي يهتز ويترجرج صدرها بوضوح، ولكن.. زوم إن على هذه الفتاة، اقترب من صدرها في لقطة مكبرة، صدرها ثابت لا يهتز وكأنها رجل.. عد بالكاميرا إلى الوراء في لقطة واسعة تستعرض الفريق المهاجم، لقطات سريعة لوجوههم وهم يشعرون بالانتصار لوقوع فريسة، على الفور (يطوقونها) كما يقول الخبر.. يصيح أحدهم.. قفي مكانك.. (ابحث عن كاتب حوار صومالي يكتب لك الحوار في هذا المشهد، وإذا عجزت استعن بالجامعة العربية، لا تنسَ أن الصومال بلد عربي، إذا لم تسعفك الجامعة اكتفِ بصرخات الرجل فقط مع موسيقى رعب) قفي.. هل ترتدين سوتيانا؟.. تتلعثم المرأة، يستولي عليها الفزع، لا تعرف بماذا تجيب، من المؤكد أنها لا تعرف بماذا تجيب، ربما المطلوب هو معاقبة من لا ترتديه، تصمت للحظات في فزع انتظارا لمعجزة تنقذها، تنظر في استغاثة للناس الذين بدأوا يتجمعون حولها، هذا المشهد بالتحديد شاهدناه في مئات الأفلام، في لحظة سيظهر البطل لينقذها، ولكن المسكينة تكتشف أن الأبطال يظهرون في الأفلام فقط، أما في الواقع فالأوغاد فقط هم من يتسيدون مشاهد الحياة الواقعية.. صيحاتهم تشتد، لم يقل الخبر إن أعضاء الجماعة معهم امرأة للقيام بمهمة التأكد من وجود مشد الصدر، أو لعلها في إجازة.. لذلك سيتولى أحدهم هذه المهمة، لقطة عامة للحشد الذي تحول إلى عدة مئات، الكاميرا في بان سريع إلى فوق الأسطح ثم فوق الأشجار.. كل من في المشهد حبس أنفاسه، الرجل يمد يده إلى صدرها يتحسسه، تحاول هي العودة إلى الوراء في فزع.. عملاقان يمسكانها من الخلف يقيدان حركتها، ينظر الرجل إلى الجماعة في حالة شك في النتيجة، هو ليس متأكدا.. ولذلك لا بد أن يكشف عن صدرها مرتكبا بذلك جريمة هتك عرض كما تعرفها كل قوانين الأرض.. شهقة عالية من الجماهير المحتشدة.. هي ترتدي بالفعل حمالة صدر، صيحات انتصار من الجماهير.. (ما تنساش اللي فوق السطوح واللي في الشبابيك واللي فوق الشجر) بتؤدة وبحركات مدروسة، مسئول الجماعة يفك السوتيان ثم يرفعه عاليا بين صرخات الجماهير المتحمسة للفضيلة، ها هم يرون بأم أعينهم وخالة أعينهم وعمة أعينهم أن المرأة لم تُتهم ظلما، هي مجرمة بالفعل تم ضبطها في حالة تلبس ـ هذا معنى جديد ومباغت لكلمة (تلبس) التي نقرؤها كثيرا في صفحة الحوادث ـ وعلى الفور تبدأ حالة الجَلد علنا في نفس الموقع، لقد بدأت الاحتفالية الجنسية، مع كل جلدة، تصرخ المرأة ويهتز ويترجرج صدرها العاري، فيصرخ المحتفلون من فرط الرغبة والاشتهاء، هل ما زلت تعتقد أن هذا المشهد مجرد فعل متطرف أو متشدد قام به متطرفون أو متشددون؟
إن أطباء النفس المعالجين وأساتذة التحليل النفسي يحرصون على سماع الحالة جيدا، هناك مقاومة بالطبع سيقوم بها الوعي لعدم الإدلاء بالحقيقة التي تؤلم صاحب الحالة، غير أن هناك عدة ألفاظ سيتمكن اللاوعي من تسريبها بدفعها إلى السطح، سطح اللسان تكشف عن حقيقة ما يعانيه صاحب الحالة. حتى إن الأطباء العاديين المتدربين ينصحهم أساتذتهم بالاستماع جيدا لمرضاهم: خذ تشخيصك من فم المريض.. استمع إليه جيدا وهو يصف لك ما يشعر به من أوجاع.
أريدك أن تستمع جيدا إلى السيدة حليمة وهي تصف ما حدث: أجبرتنا حركة الشباب على التحجب وفق طريقتهم، والآن يجبروننا على هز صدورنا.
السيدة حليمة من المؤكد أنها لم تقرأ حرفا واحدا لفرويد، ومن المؤكد أيضا أنها لم تقرأ (أصول الدافع الجنسي لكولن ولسون)، بل ربما هي لا تعرف القراءة والكتابة، أي أن عقلها لم تلوثه الثقافة بعد، غير أنها كأنثى وأُم جُلدت ابنتاها، وصاحبة خبرة كبيرة بالبشر، كان من السهل عليها أن تشخص المرض بدقة وهو (هم يريدون إجبارنا على هز صدورنا). بالضبط يا ست حليمة، هذا هو التشخيص الصحيح لحالة هؤلاء الناس العقلية، هم يريدون الاستمتاع بذلك فقط ولا صلة بما يريدونه بأي دين سماويا كان أو أرضيا.. وما قلتِه ببساطة نادرة يفني علماء النفس أعمارهم من أجل الوصول إليه.
نقلا عن الشرق الأوسط |