CET 00:00:00 - 24/03/2009

مساحة رأي

بقلم: القس رفعت فكري
دعا الراحل الأستاذ "علي أمين" أن يكون يوم 21 مارس عيداً للأم تقديراً منه للدور الجليل الذي تقوم به الأم في تربية أبنائها, فالأم هي كلمة صغيرة جداً في حجمها ولكنها أوسع من البحار في معناها وأرسخ من الجبال في قوتها وأشد وقعاً على أسماع الناس من جميع موسيقى الأرض وألحانها المبهجة.

ومما لا شك فيه أن الأم لها دور عظيم وتأثير لا يبارى في تربية أبنائها، فالطفل يتأثر كثيراً بما يتعلمه من أمه, لذا يجب علينا ألا نغفل ما للأم من تأثير عظيم على المجتمعات والأمم بل وعلى العالم بأسره, فالأم تستطيع أن تصوغ الأمة كما تشاء،  فبإمكانها أن تبني وبإمكانها أن تهدم, لأن الأم التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها, فما من أمة من الأمم إرتقت في مدارج العظمة إلا وكانت الأم أساس ذلك الإرتقاء, ومن أراد أن يخلق رجلاً عظيماً عليه أولاً أن يخلق له أماً عظيمة فهكذا شهد الرجال العظام وهكذا صرحوا، قال "إبراهام لنكولن" محرر العبيد بالولايات المتحدة الأمريكية "كل ما وصلت إليه وما أتمنى أن أصل إليه فأنا مدين به لذاك الملاك الطاهر الذي هو أمي".

وقال "توماس أديسون" صاحب الإختراعات العظيمة (أمي هي العاملة التي صنعتني)، وبنظرة واقعية للعصر الذي نعيش فيه نجد أننا اليوم نعيش في عصر المدنية والحضارة, عصر الذرة والإنترنت, وكنا نتوقع أن نرى تقدماً في الأخلاق والمُثل يتماشى مع التقدم العلمي الهائل, ولكن ما حدث هو العكس فعلى الرغم من هذا التقدم الهائل في مجال المادة والإختراع، نجد العالم الحديث وقد تجرد تماماً من الأخلاق الفاضلة والسلوك الحميد, ففي عصرنا إنقلبت المفاهيم وتصدعت القيم وإنهارت المبادئ والأخلاقيات, لذا فنحن اليوم أحوج ما نكون إلى الأمهات التقيات السالكات بحسب الحق ليغرسن في أولادهن منذ الصغر مبادئ الحق.
إن عالمنا العربي أحوج ما يكون إلى الأمهات التقيات الناضجات اللواتي يدفعن أبنائهن إلى التسلح بالعلم وإتباع المنهج العلمي في التفكير, حيث أن إتباع هذا المنهج هو الذي يقود نحو الرقي والتقدم.

إننا نحتاج إلى أمهات يغرسن في أبنائهن منذ الصغر حب الله من كل القلب والفكر والعقل فيعبدونه العبادة الحقيقية الخالية من الزيف والرياء بدلاً من تلك العبادة المظهرية الشكلية التي لا تمنع فساداً, ولاتقلل فسقاً.
نحتاج إلى أمهات يعلمن أولادهن أن يكونوا أصحاب مبدأ وأصحاب وجه واحد فلا يأكلون الشاة مع الذئب وبعد ذلك ينوحون عليها مع الراعي.
نحتاج إلى أمهات يعلمن أولادهن نبذ النفاق والكذب والخبث والخداع, لأن النفاق ليس سياسة وأكل عيش، والكذب ليس حكمة وحسن تصرف، والخداع ليس ذكاء وشطارة.
نحتاج إلى أمهات يعلمن أولادهن أن كلمة الحق لا يمكن أن تموت فيقولونها في وجه الأقوياء دون رهبة أو خوف, فالحق بصمته أقوى من جلجلة وصياح المنافقين.
نحتاج إلى أمهات يغرسن في نفوس صغارهن الحفاظ على المال العام فلا يمدون أيديهم لأخذ الرشوة من هذا أو ذاك.
نحتاج إلى أمهات يعلمن أطفالهن كيف يحبون الآخر المغاير أياً كان لونه أو دينه أو جنسه أو معتقده, فالبشر جميعاً على إختلاف ألوانهم وأجناسهم وأديانهم هم أبناء لأدم وحواء، ومن ثم فهم أخوة لبعضهم البعض حتى وإن كانوا مختلفي الأديان والألوان.
نحتاج في عالمنا العربي إلى أمهات يغرسن في نفوس صغارهن حب الإنتماء ليس للوطن المحلي فقط, وليس للقومية العربية فحسب ولكن حب الإنتماء للحضارة الإنسانية ككل.
نحتاج إلى أمهات يغرسن في نفوس صغارهن ثقافة التسامح ونبذ التعصب وقبول التعددية والتنوع دون إشمئزاز أو تذمر لأن العصفور الواحد لا يصنع ربيعاً والزهرة الواحدة لا تصنع بستاناً.
نحتاج إلى أمهات يعلمن صغارهن أن الحقيقة نسبية وليست مطلقة، فالله سبحانه وتعالى هو الحقيقة الوحيدة المطلقة، وهو الذي يمتلكنا ولسنا نحن الذين نمتلكه.

ألا أيتها الأم أن لك في الحياة رسالة عظيمة تتوقف عليها إلى حد كبير مصائر الرجال وأقدار الشعوب, فمصير أي أمة في أي دور يتوقف على روح الأمومة السائدة فيها، لذا فأنتِ بحياتك المنيرة وقدوتك الصالحة قادرة على صياغة شكل المجتمع من خلال أبنائك الذين تهيئهم يداك لمعترك الحياة.
إن حياتك بمثابة واحة خضراء وطفلك هو أول من يمتص رحيق حياتك وشذا سلوكك وعطر قدوتك, فما أقدس الدور الذي تقومين به وما أجمله وما أسماه فإنك تصيغين بيديك الناعمتين مصائر الأجيال, فإذكري رهبة هذا الواجب وعظمته وقدسيته, وإن كان نابليون بونابرت عندما سئل عن الحاجة القصوى التي تحتاجها فرنسا فأجاب "أمهات .. أمهات"، فنحن بدورنا نقول إن عالمنا العربي لكي ينمو ويزهر ويتقدم إلى الأمام ويواكب القرن الحادي والعشرين, ولكي يتصالح مع الحضارة الإنسانية, ومع العالم من حوله يحتاج إلى "أمهات.. أمهات"!!        

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق