بقلم: ماهر ميشيل
منذ نعومة أظفارنا ونحن نرى في شوارعنا مشروعًا مستمرًا لا ينقطع، وكل ما ينتهي هذا المشروع تجده بعد فترة وجيزة يتجدد من جديد، إنه مشروع الساعة ومشروع الأجيال ومشروع كل مسئول قديم أو جديد، إنه "مشروع الرصيف".
يبدأ المشروع كالعادة بهدم الرصيف القديم -حتى لو كانت حالته لا تستدعي هذا الهدم- لكن لكل عمل أصوله وخطته، ثم بعد مرحلة الهدم تأتي مرحلة البناء، وبعد مرحلة البناء تأتي مرحلة التجميل، مشروع كامل متكامل له بداية ووسط ونهاية، وطبعا ليس خفيًا على حضراتكم إن لكل مرحلة ميزانيات خاصة على طريقة "مشروع الخروف" في فيلم نجيب الريحاني حينما لاحظ أن ناظر العزبة (ملخبط) في الحسابات فقال له نجيب الريحاني: اكتب 25 قرش حبل للخروف 75 قرش جردل للخروف 100 قرش مزين لزوم تنظيف الخروف!
فاليوم هذا الرصيف أرضيته من الحجر القديم، فيأتي المشروع ويغيره من حجر إلى أسفلت، ثم يأتي عليه مشروعاً جديداً ويحول الأسفلت إلى بلاط ثم بعد البلاط العادي يأتي مشروعًا جديدًا ليجعله بلاط ملوّن، وفي أحد هذه المشروعات الإطار الخارجي من الحجارة الصخرية الكبيرة وفي الأخرى نجد الإطار المصنوع من الخرسانة. إنه تطور واهتمام وتجديد كبير في مشروع الرصيف.
وفي نفس المشروع نجد داخله تجديد من نوع آخر، فاليوم يوجد في هذه المنطقة "ملف للسيارات" وغدًا تجد هذا الملف قد تحول إلى رصيف، وبعد غدًا تحول هذا الرصيف إلى حديقة، ثم يأتي من يحول الحديقة إلى وضع الرصيف ثم يأتي من بعده من يعيد "ملف السيارات" مرة أخرى!! وكأننا ندور في حلقة مفرغة.
هذا ناهيك عن زيارات المسئولين، تجد هذه الأرصفة قد صارت تلمع من النظافة ويتم وضع عليها الأشجار –التي يتم إزالتها بمجرد انتهاء زيارة المسئول!!- وتجده مدهونا بالأبيض والأسود أو الألوان. كل ذلك يحدث في إطار هذا المشروع الواسع الفضفاض "مشروع الرصيف".
ونستغرب من هذه الظاهرة، لماذا كل هذا الاهتمام بهذا المشروع دونًا عن أي مشروع آخر بالدولة؟؟!! أعتقد إنه كما يعتقد كثير من حضراتكم إنه مشروع مربح، بما أن كل مسئول لابد أن يقوم في عصره بعمل هذا المشروع، لكي يأخذ نصيبه من "تورتة الرصيف" فهي تورته كبيرة وطعمها لذيذ، ولذا الكل يلتف حولها ويتهافت ليحصل على أكبر قطعة ممكنة من هذه التورتة.
وبالطبع كلنا نعلم من الذي يدفع فاتورة هذه "التورتة" إنه العامل الكادح، والفلاح، والطبيب، والمهندس، وعامل النظافة، وكل فئات الشعب، واذكر هنا طبقة "المدرس بالحصة" والذي يحصل على جنيهان فقط عن كل حصة يدخلها، والغريب إنه غير مؤمن عليه وبرغم ذلك يخصم منه 25 % من دخله تأمينات وضريبة كسب عمل!! هذا المدرس يشارك هو أيضًا في تمن التورتة رغم أن مرتبه الذي يحصل عليه في نهاية الشهر يقل عن المائة وخمسين جنيهًا!!
على الجانب الآخر نجد مشروعًا آخر مشروع هزيل لا يحظى بنفس الاهتمام الذي يحظى به زميله "الرصيف"، وهذا المشروع هو "مشروع الرغيف" حيث كما نعلم جميعًا أنه بهذا المشروع بالذات توجد أزمة "نوعية" و"كمية" في صناعة الخبز في بلدنا، وليس بخفي عن الكل ما يصنعه أصحاب المخابز في الدقيق المدعم من الاتجار به في السوق السوداء طالما أن مفتش التموين أخذ نصيبه.
وبالطبع نظرًا لعدم الاهتمام بهذا المشروع، وبما أنه هو الشغل الشاغل للكل سواء كان فقيرًا أم غنيًا، أن يجد "لقمة العيش" التي تقوته وتقوت بيته، فقد ظهرت نتائج لذلك من أمثلة هذه النتائج ظاهرة طابور العيش، واستغلال بعض المرتزقة لهذه الأزمة وبيع الرغيف المدعم بأعلى من سعره لكي تعفى من الوقوف في هذه الطوابير، ومن النتائج الأخرى ظهور ما يسمى بـ "الرغيف السياحي" بأسعاره المتفاوتة حسب كل منطقة. إنها نتائج يعاني منها الجميع -فقيرًا كان أم غنيًا-.
لماذا لا يحظى هذا المشروع "الرغيف" بما يحظى به شقيقة "الرصيف" من اهتمام المسئولين؟! لماذا لا نهدم مخابزنا القديمة التي تعمل بالسولار وتعمل بالعمالة اليدوية، وتُستبدل بمخابز آلية ؟؟ لماذا لا يعاد النظر في مسألة الدعم وتوفير الدقيق بكميات تفي احتياجات الشعب؟؟
هل التخطيط والتنفيذ لهذا المشروع الثاني "الرغيف" أصعب من مشروع "الرصيف" أم أن قطعة التورتة في "الرصيف" أكبر وأطعم بكثير من "الرغيف"؟؟
لماذا لا تتحول نصف ميزانية "الرصيف" لتواجه العجز والنقص في "الرغيف" اعتقد لو تم هذا لقضينا عن جزء كبير من مشكلة الرغيف في بلدنا.
إن الهدف من هذه المقالة ليس السجع "رصيف ورغيف" لكن، الهدف أن أوجه صرخة للمسئولين أن يفكروا بفكر المواطن، خصوصًا إن الرصيف لم يشتكي من كونه على هذا الشكل أو ذاك، لكن الذي يشتكي ولا مجيب هو المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة، وكل طلباته هو مأكل وملبس ومسكن، ليعيش حياة كريمة.
وما ينطبق على الرغيف ينطبق على كل اهتمامات المواطن، فهو يريد مسكن يقدر أن يحصل عليه بدخله المحدود، ويريد طرق ومواصلات تكفيه لكي يذهب لعمله ويعود في مواصلات تصون كرامته وآدميته وليس كما يحدث بمواصلات الحشر العظيم التي نراها يوميًا بشوارعنا، طلبات اعتقد إنها مشروعة ومن حق كل مواطن يعيش على أرضنا الحبيبة مصر.
فرجاء من المسئولين صناعة قراراتهم بما يتناسب مع احتياج المواطن وليس مع ما يتناسب مع احتياجاتهم هم، فالرغيف أولى وأهم عند المواطن من مليون رصيف. |