بقلم: نبيل شرف الدين
بنفس النزق الذي عهدته في مواقفي حيال القضايا المصيرية، كمساندة حقوق الأقليات مثل الأقباط والنوبيين وغيرهم، والقفز في حقل ألغام ما يسمى "التطبيع" مع إسرائيل، الذي تحول لفزاعة ترعب أكثر الكتّاب تحرراً في أفكارهم، دعوني أعترف لكم ببساطة أنني لا أرى أفضل من جمال مبارك في أفق مصر السياسي الراهن، ليقود البلاد في أقرب تغيير.
أرجوك لاتنفعل ولاتظن بي الظنون، فلم أتشرف بمعرفة جمال ولست عضواً بالحزب الوطني، وليست لي مآرب أخرى، بعد أن تعلمت فضيلة "الاستغناء" منذ استقالتي من الشرطة طائعاً مختاراً، وأنا في أرفع مكان بوزارة الداخلية يحلم به أي ضابط، لكني تعودت منهجاً في التفكير يعتمد على مكاشفة الذات، لا خداعها، وأن أفكر في الممكن بعقل بارد دون انفعالات، وبعيداً عن منطق التفكير بالتمني، ولنبدأ بتفكيك المسألة إلى حقائق بسيطة، ومن مجملها سنرى كيف ستتشكل الصورة النهائية:
* أن القادم للسلطة لن يكون من خارج اللعبة، ففي مصر لا يهبط مجهول من المجهول لحكم البلاد.
* أن الجيش في مصر لم يعد منذ 1967 مسيساً، بل هو "جيش محترفين"، لا صلة له بالسياسة.
* أن الانتقال الهادئ للسلطة سيكون الهاجس الأهم في مثل هذه اللحظات، كما حدث بعد اغتيال السادات.
* سيروج داخلياً لنقلة نوعية مفادها "الانتقال من عسكرة مؤسسة الرئاسة إلى ضفاف المدنية".
* سيروج خارجياً أن الثقافة الغربية التي تلقاها جمال ستضفي على البلاد مزيداً من الحداثة والشفافية.
* سيروج بأن جمال شاب، ولن يقبل بالشائخين كمساعدين له، لأنهم أبناء خبرة سياسية لا صلة له بها.
* يبقى تصوري الشخصي وهو أن جمال لن يكون رئيساً شمولياً وسيبحث عن "شرعية ما" يقدم من أجلها تنازلات سياسية مهمة، تتعلق بصلاحيات الرئيس وتعديل الدستور ليحدد هوية الدولة المدنية دون لبس، ومدد حكم الرئيس وغيرها، وهذه الأمور من شأنها أن تصب في صالح دعم المجتمع المدني، وترفع سقف المعارضة، وتنقلها لمستوى فاعل، وتزيد من هامشها المحدود الذي توقف عند حدود الصراخ والتلاسن.
ومع كل هذا فلست ممن تراودهم أوهام حول إمكانية التغيير من خارج دوائر السلطة، لأن البديل (زي الزفت) وتعالوا نستعرض البدلاء المحتملين لأن هؤلاء القادمين لن يهبطوا من السماء.
* ولنبدأ بأحزاب المعارضة، وهي كما تعلم كيانات مثيرة للغثيان، فهي تعاني من نفس أمراض السلطة كالشيخوخة والترهل والفساد والشللية وعدم الشفافية والسلوك الانتهازي، فضلاً عن أن معظم رجالاتها تجاوزتهم قطارات السلطة ففضلوا (مترو الأنفاق)، وأدخلوا أحزابهم أنفاق الصراعات الداخلية.
* الحركات الإسلامية من الإخوان للتكفير، لن يقبل بها عاقل، فضلاً عن إن النظام الدولي لن يسمح لها بالقفز على بلد مهم مثل مصر، حتى لو واتتهم فرصة لذلك، لأن سقوط مصر بيد هذه الحركات بما فيها الإخوان التي استشرى فيها القطبيون، وفي كل الأحوال فإن الحالة التي لن أكتفي فيها بالكتابة، بل سأنظف بندقيتي إذا قفز هذا الفصيل على السلطة، لأن هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية أساساً، بل يستخدمونها كسلم سيحطمونه لاحقاً وسيحولون البلد لسجن كبير، ومن يعارضهم سيصبح عدو الله وليس خصماً سياسياً لهم.
* شلل الانتهازيين وبعض الفاسدين ممن يطلق عليهم رجال الأعمال، وهؤلاء على استعداد لرهن البلد ثم الفرار لأي مصيبة، وليحترق الشعب ويأتي الطوفان.
إذن.. أرجوك لا تهدر وقتك في خرافات مثل البرادعي وغيره، ودعنا نناقش المتاح، وأتصور أن جمال لن يكون أكثر من مرحلة انتقالية، ولن يكون حاكماً مؤبداً كأسلافه، وهذا يمكن أن يحدث لو تمكنت قوى الضغط السياسية أن تتحرك بفاعلية ولا تركن للتباكي والصراخ، فتؤسس آليات مجتمعية، وتناضل لترسيخ ليبرالية حقيقية، أما أن نجلس بانتظار ديمقراطية "دليفري"، فهذا عبث.
وأما القول بأن في مصر معرفش كم مليون يمكنهم أن يكونوا رؤساء، فهذا لغو، فلن يأتي لحكم مصر رجل من خارج اللعبة، ولن نستيقظ يوماً على هدير الدبابات، فمصر وجيشها تجاوزا لعبة الانقلابات، ولن يأتي رجل من المجهول ليكون رئيساً للبلاد فلابد أن يكون الرجل معروفاً حتى يمكن الحكم عليه. |