فتحية العسال: لا نعرف من خلف الستارة السوداء! تحدثنا إلى بعض الحقوقيين والنشطاء في التنمية المجتمعية حول هذه القضية لنتعرف على آرائهم. وتعجبت فتحية العسال من حديث بعض السيدات اللواتي يتحدثن عن قناعتهن الشخصية في ارتداء النقاب وأنهن مقتنعات من داخلهن وليس مفروضًا عليهن قالت: أنا أتعجب من هذا الكلام، حيث أنني أجد أحيانًا بعض البنات الصغيرات اللواتي لم تتعدى أعمارهن العشر سنوات وهم يرتدون نقابًا، فمن المفترض إذا كان بالفعل هذا الزي يعبر عن اختيار وحرية شخصية ألا نجبر بناتنا عليه وننتظر حتى يقررن بأنفسهن في المستقبل إذا كنَّ يردن ارتداء مثل هذا الزي أم لا. من جانبها أكدت هالة عبد القادر "رئيسة جمعية تنمية المرأة والمجتمع والناشطة الحقوقية" أن هذه القضية شائكة وملتبسة بعض الشيء، حيث يرتبط جزء منها بالحريات الشخصية للمرأة فيما يتعلق بالزي الذي ترتديه، وقالت: أنا مع من لا تريد أن تتحجب ولا أنكر عليها حقها، وأنا أيضًا أفعل نفس الشيء مع المنتقبة، فالأصل في الأشياء الإباحة طالما لا يضر ذلك بالآخرين. وبالنسبة لمن يقولوا أن النقاب يضر بالأمن القومي فليست كل الجرائم التي ارتكبت مؤخرًا قام بها من يريدون سواء كانوا من النساء أو من الرجال. ولكني في نفس الوقت لا أنكر حق المؤسسات والأماكن المختلفة أن تتحرى من شخصية المنتقبة قبل دخولها لأي مكان، وإذا امتنعت تمنع من الدخول فهذه احتياطات أمنية مطلوبة. فيجب أن يكون هناك دائمًا إجراءات احترازية للحد من التستر خلف هذا الزي في أي مكان وبهذا فنحن لا نحد من حرية أي شخص. أما إذا كان مثل هذا الزي يمنع أو يعيق المرأة من أداء عملها على أكمل وجه ويتعارض مع طبيعة مهنتها، فمن حق جهه العمل أن تمنع دخولهن بالنقاب وأن تكون هناك توضع شروط واضحة ومحددة تمنع المنتقبات من العمل في هذا المجال. أكدت المستشارة تهاني الجبالي "قاضية بالمحكمة الدستورية العليا" أن الجدل الواسع حول النقاب يدل على استهداف صريح للوسطية المصرية من خلال الإرهاب المعنوى الذي تقوم به بعض التجمعات السلفية المتشددة بالرغم من آراء رجال الدين وعلماء الأزهر الذين تناولوا الموقف الشرعي من قضية النقاب وقالوا أنه عادة وليس عبادة. كما أن القضاء قد حسم هذا الأمر منذ سنوات في حكمها الشهير الصادر بجلسة 18 مايو لسنه 1996 في الدعوى المحالة من محكمة القضاء الإداري رقم 21 لسنة 49 قضائية والمقيدة دستوريًا برقم 8 لسنة 17، وأكدت في حيثيات حكمها وضع قيود على ارتداء النقاب بعد أن نزعت عنه صفة الشرعي خاصة إذا ما تعارض مع مصلحة اجتماعية، وهو ما كان يجب أن يكون وفقًا للحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية مانعًا من العودة لمناقشته أو إعاده طرحه. لكن شيء غير مفهوم في علاقة مؤسساتنا الوطنية ببعضها البعض عطل بشكل ضمني نفاذ هذا الحكم بحيثياته في مواجهه سلطات الدولة وأفرادها التي تملك تحريك دعوى التنازع أمام المحكمة الدستورية لإزالة أي عائق أمام نفاذ حكمها السابق ذكره، وهو اختصاصها الأصيل طبقًا للدستور وتملك وفقًا لسلطاتها إبطال وإزالة هذا العائق سواء كان تشريعيًا أو حكمًا قضائيًا أو قرارًا تنفيذيًا يتعارض مع ما حكمت به احترامًا للمسئولية الدستورية لمؤسسات الدولة. أما سعيد عبد الحافظ "مدير مؤسسة ملتقى الحوار لحقوق الإنسان" فيقول: أعتقد أن قضية النقاب بسيطة جدًا ولا تحتاج لمثل هذا الجدل الفقهي من جهة، والحقوقي والقانوني من جهه أخرى، حيث أن النقاب في جوهره يرتبط بحرية الشخص وقناعته الشخصية في ارتداء ما يشاء، ولما كان الفرد جزء لا يتجزأ من المجتمع فإن حق المجتمع على الأفراد يخضع لمنظومته التشريعية والقانونية واللائحية حتى لا يتحول الأمر إلى فوضى، فالنقاب في الشارع المصري بطبيعة الحال لا يثير جدل ولكن إذا كانت هذه السيدة تريد الالتحاق بمؤسسة ما للعمل أو العلم فعليها أن تخضع لقانون هذه المؤسسة أيًا كانت. فمن حق الجامعة كمؤسسة أن تنظم قواعد الدخول والخروج إليها، بل إن من حق المحاضر نفسه أو أستاذ الجامعة أن يكون له قانونه الخاص داخل المحاضرة. إن الجدل المُثار حاليًا -يؤكد عبد الحافظ- هو في جوهره صراع بين تيار مدني وعلماني، وتيار ديني متشدد يرى في النقاب أحد أهم مظاهر خطابه الديني والتنظيمي لأن هذا التيار المتشدد يتعامل مع المنتقبات على أنهن أعضاء في تنظيمه السياسي، وهو بالأساس يدافع عن وجوده السياسي في الشارع المصري. ولا يجب الدخول في هذا الجدل السياسي والفقهي وتبسيط الأمور للعامة بأن الحرية الشخصية مقدمة على كافة حقوق الإنسان ولكنها لا تنفصل أبدًا عن حق المجتمع ومؤسساته والخضوع لقانون المجتمع. د. خالد منتصر تحدث إلينا عن رفضه للنقاب وأسباب ذلك فقال: أدعو كل شخص مهموم بهذا الوطن أن يقرأ حيثيات ومنطوق هذا الحكم الذي صدر في ١٨ مايو ١٩٩٦ من المحكمة الدستورية العليا، الذي رفض دعوى ولي أمر طالبة منتقبة ضد وزير التربية والتعليم آنذاك "د. حسين كامل بهاء الدين" والتي كانت قد مُنعت من دخول المدرسة، وحيثيات الرفض بها عبارات وجمل لا بد من قراءتها باهتمام لأنها تحسم اللغط والجدل الدائر حول تفسيرات البعض للمادة الثانية من الدستور، الخاصة بمبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر تشريع، وإقحام الأعراف الاجتماعية والأزياء والطعام وكل ما هو خلافي يخضع للتطور. أنا لا أتصور أن تتغير الحياة بكل مظاهرها، ونطلب من المرأة أن تكون شبحًا مكسوًا بالسواد أو بغيره. فالوجه هو الأساس في التواصل مع الآخرين، وكشف الوجه أعون على اتصالها بالناس وأكفل لحيائها وغضها من بصرها وأصون لنفسيتها وأدعى لرفع الحرج عنها. وقدم د. منتصر نماذج لحالات يتم فيها ارتكاب جرائم عن طريق النقاب منها حادث طبيبة سوهاج التي قُتلت في عيادتها على يد رجل يرتدي النقاب ولاذ بالفرار، ومن قبلها كان النقاب بطل تفجيرات عبد المنعم رياض والسيدة عائشة، وأيضًا بطل مسلسل خيانة زوجة الصيدلي في محافظة الغربية مع عشيقها، الذي كان يدخل إلى غرفة نومها بالنقاب تحت سمع وبصر الزوج المخدوع، الذي أقنعته الزوجة بأن العشيق مجرد سيدة فاضلة تلقي عليها دروسًا دينية ولا تنكشف على رجال غرباء! وغيرها من الحكايات والقصص التي تقودنا إلى طريق واحد عنوانه: "النقاب ليس فريضة شرعية ومنعه فريضة أمنية"، وقد كتبت مقالاً نُشر بجريدة المصري اليوم بهذا العنوان خلصت فيه إلى أن من تريد النقاب فلتجلس في بيتها لا تخالط المجتمع، لأن الاختلاط بالمجتمع أولى بديهياته معرفة وكشف الهوية لسهولة الرقابة الاجتماعية. |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٧ صوت | عدد التعليقات: ٣١ تعليق |