CET 00:00:00 - 18/10/2009

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي
هذه قصة فكاهية ذات مغذى، كنت قد سمعتها منذ زمن بعيد وعادت الآن إلى ذاكرتي. يقال أن رجلاً سافر لزيارة ابنته المقيمة مع عائلتها في بلد آخر، وصل الرجل إلى ابنته بأيدي فارغة وبعد الأحضان والقبلات يقول الأب لأبنته: كنت أنوي أن أحضر معي للأولاد قفصًا من البرتقال وآخر من العنب وأيضًا قفصًا من الكمثرى و...، ولكن لم يكن عندي وقت. فتقول الابنة: ليه يا بابا دة كتير أوي علينا... كفاية رطل من كل نوع فيرد الأب: يا ستى.. خلي العيال تاكل!!
هذا الرجل لم يقدم لأحفاده شيئًا ومع ذلك فهو يطلب منهم أن يستمتعوا بالفاكهة الشهية والكميات الوفيرة التي كان ينوي أن يحضرها لهم، ولكنه في حقيقة الأمر يطلب منهم أن يتمتعوا بالعدم.. ويأكلوا الهواء وشكرًا لك (يا جدو) على خيرك اللي مغرقنا!!
وهذه القصة ليست بعيدة عن واقع الأقباط اليوم، فسياسة الحكومة في هذه الأيام هي أنها تعطينا العدم أو تعطينا شيئًا كأنه شيء ولكن في حقيقته هو عدم ومع ذلك فبدلاً من الاعتذار مع الخجل تجدهم في تبجح يذكروننا دائمًا بما قدموه لنا.. بل ويتفاخرون بما قدموه!

أوضح وأقرب مثال هو ما يجري حاليًا بعد إعلان ترشيح قبطي وهو الأستاذ ممدوح رمزي المحامي لمنصب رئيس الجمهورية، وأود بداية أن أوضح أنني لست ضد ترشيح قبطي لهذا المنصب وقد طالبت بذلك في مقال منذ عدة سنوات. وكان رأيي إن ترشيح قبطي لهذا المنصب هو عمل إيجابي من شأنه أن يضع الأقباط في دائرة الأحداث كمواطنين أصلاء. كما أنه سيتيح للمرشح القبطي أن يشارك في الحوار الدائر الذي سيغطيه الإعلام وهذا يعطيه الفرصة لتقديم برنامجه الذي يمثل رؤية قبطية لحل مشاكل مصر. ويقول الأستاذ ممدوح رمزي أن هدفه هو كسر الحاجز النفسي للأقباط تجاه الترشيح لهذا المنصب. هذا كل ما يمكن للأقباط أن يكسبوه من وجود مرشح لهم لمقعد الرئاسة، ولكن دعنا نكون صرحاء مع النفس، هل المرشح القبطي له فرصة للنجاح للوصول إلى هذا المنصب؟ أعتقد أن الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى أن أشير لها.

ولكن الغريب أن البعض من رجال السلطة يتفاخرون على الأقباط حتى لمجرد أنه أصبح من حقهم أن يترشحوا لهذا المنصب! وقد صرح د. جهاد عودة أن ترشيح قبطي للرئاسة يؤكد الديمقراطية السائدة في مصر، وأكد المستشار ماجد الشربيني عضو الأمانة العامة بالحزب الوطني أن ترشيح قبطي هو تجسيد لفكرة المواطنة وأن الحزب يرحب بترشيح الأقباط لانتخابات الرئاسة. وأضاف د. محمد الغمراوى أمين الحزب الوطني في القاهرة أن دخول الأقباط في الترشيح إنما هو ترسيخ لمبدأ المواطنة الذي أرساه الحزب الوطني والذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي.
والحقيقة أنني لا أدرى بماذا يتفاخرون؟ ماذا أعطونا؟ لا شيء في حقيقة الأمر!! بل وحتى هذا الترشيح ذاته مشكوك في إمكانية تحقيقه لاحتمال أن المرشح القبطي لا تتوافر فيه شروط الترشيح، ثم هل يعقل أن يؤيد الحزب الوطني ترشيح قبطي لرئاسة الجمهورية في الوقت الذي لا يقبل ترشيح أقباط حتى في مجلس الشعب والمجالس المحلية؟

وهناك أمثلة أخرى كثيرة. هل تذكرون الأوقاف القبطية التي يتفاخرون بأنهم أرجعوها لنا؟ طيب الأوقاف دي أصلاً بتاعة مين؟ طبعًا هي أراضى كان يمتلكها أثرياء أقباط وأوصوا أن تخصص بعد وفاتهم كوقف لخدمة الكنيسة والعناية بفقراء الأقباط. ومع ذلك وضعت الدولة اليد عليها.
وأخيرًا وبعد وقت طويل وجهد كبير وكثير من العرق والدموع قررت الدولة إعادتها أو إعادة بعضها لأصحابها الشرعيين وهم الأقباط. ولكن بدلاً من اعتبار هذا رد المسلوب يتفاخرون علينا بأنهم أعطونا شيئًا وكأن هذه الأوقاف هي هدية من الدولة للأقباط!!
شيء آخر يتفاخرون به علينا هو اعتبار عيد الميلاد عطلة رسمية. والملاحظ أن هذه المناسبة ما كانت تحظى بهذه المعاملة إلا لأنها لا تتعارض مع العقيدة الإسلامية، فالإسلام يعتقد أن السيد المسيح قد ولد من عذراء ولكن لو كانت الدولة تريد فعلاً أن تعطى المسيحيين عيدًا مسيحيًا يخصهم حصريًا لاختاروا مثلاً عيد القيامة. ولكن المشكلة أن الصلب والقيامة يتعارضان مع العقيدة الإسلامية وبذلك فهم يرفضون الاعتراف به ومع ذلك يتفاخرون في كل مناسبة بأنهم أعطونا عيد الميلاد كعطلة رسمية.

الشعارات كثيرة ولكنها جوفاء لا معنى لها. هي مثل الديكور الذي لا قيمة عملية له، وكل فائدته هي التجميل فقط.
هل تذكرون بند المواطنة في الدستور المصري الذي كان من المفروض أن يحل كل مشاكل الأقباط؟ الذي حدث أنه لم يحل شيئًا لأن المادة الثانية من الدستور قد قضت عليه. والنتيجة أنهم أعطونا شيئًا ولكنه هو في الواقع لا شيء.... هو أشبه بالهواء ومع ذلك يتفاخرون بما يعطونا.
وإذا طالب الأقباط بتمثيلهم في الوظائف العليا يعطوهم قبطي مثل مجدي أيوب إسكندر محافظ قنا، وهذا ليس إعطاء الأقباط أي شيء بل ولا حتى الهواء بل أقل، لأن هذا الرجل أثبت أنه أكثر ظلمًا للأقباط من المسلمين. والغريب أن الدولة بعد ذلك تتفاخر بأن الأقباط يحتلوا أعلى الوظائف في الدولة.
هذا يجعلني غير متفاءل بما يمكن أن يأتي به المستقبل في مصر، فلا أصدق الدولة عندما يقولون لنا أنهم سيعطوننا شيئًا. وهذا ينطبق على القانون الموحد لبناء دور العبادة الذي ننتظره بفارغ الصبر.
شيء في داخلي يقول لي أن هذا القانون –حتى لو خرج من الأدراج– وتمت مناقشته وإقراره، أنه بطريقة ما سيضاف له بند يبطل فاعليته تمامًا وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.
الحقيقة المؤكدة التي نعيشها هي عدم وجود إرادة من الدولة لإعطاء الأقباط أي شيء من حقوقهم. والغريب مع ذلك هي التظاهر بأنهم يعطوننا كل شيء ولكن مصيبة المصائب هي أنهم يتفاخرون بما يعطوننا حتى مع أنه لا شيء!! تصوروا؟!! سؤالي للأطباء الذين يقرئون هذا المقال: هل توصل الطب إلى علاج لمرض جلطة المخ؟ أصلها بصراحة حاجة تنقط!!

Mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٦ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق