بقلم: عساسي عبد الحميد
كانت وقع خطواته متناسقة كعزف الريح الشمالية بين سنديان عتيق وكانت نظراته تنساب كنور المساء بين أجنحة أودية متأملة، كنا نعتني بالخراف الحديثة الولادة ونضع أمام أمهاتها شعير الخريف عندما مر يسوع الناصري من قرب حظيرتنا، ما زالت أذكر جيدا وقفته وهو يطيل النظر لخرافنا الصغيرة ثم يحول نظراته نحو الشفق الأزرق كمن يبحث عن شيء ضائع بين ثنايا الغيوم، التفت يسوع نحوي وقال و أنا أيضا لي حظيرة كحظيرتكم و حملانا صغيرة أعتني بها تماما كما تصنعين أنت مع قطيعك ولي خراف أخرى على جنبات كل الأودية ووراء الجبال النائية فإنها تسمع صوتي و تعرفني....
لم يكن هذا الناصري كسائر الرجال و لا كسائر ممن احترفوا الحكمة والخطابة، بل كان حديثه منمقا بسحر الكلمة العجيبة، فيملأ قلوب سامعيه بالعزاء و ينقلهم لعوالم خلابة جميلة .
أخبرتني جدتي العتيقة أن يسوع هذا نبي ظهر في اليهودية و أنه لا يترك فرصة إلا ويصب فيها جام غضبه على الكتبة والفريسيين على قسوتهم مع عموم الشعب وأنه يغفر للخاطئة والعشار وقد أخبرتني جدتي حينها أن روما واليهودية لن تترك هذا الناصري طليقا يترنم بأنشودة المساء بين أودية الجليل وأن دمه سيسفك صونا للشريعة وحفاظا على هيبة روما و أن صوته سيزداد علوا حتى بعد موته وسوف يكبر جيشه ليغزو كل حواضر العالم ولن يكون لملكه نهاية، هكذا حدثتنا جدتي في تلك الليلة ونحون مجتمعين حول المدفئة بعد زيارة يسوع المستعجلة لحظيرتنا …حينها لم نلق بالا لكلام جدتي و حسبناه خرفا وجنونا لأنها كانت تميل للعزلة في كبرها و لا تحدثنا إلا ناذرا و حتى إن شاركتنا الحديث فإننا لم نكن نفهم معاني كلامها.
مرت سنون عديدة على زيارة يسوع لحظيرتنا حينها كنت يافعة مغمضة العينين لكن نبرة صوته أطربتني وشدتني نحوه، يقولون أنه صار له أتباع بروما و مصر وفارس و الهند و أن كلمته أصبحت مسموعة وهذا ما تنبأت به جدتي العتيقة عندما كنت طفلة في ميعة الصبا
Assassi64@hotmail.com |