بقلم: جرجس بشرى
التطبيع في اللغة العربية مُشتق من الطبيعة أي أن تكون العلاقة القائمة بين الإنسان والآخر علاقة طبيعية، ومن المؤكد أن الله خلق الإنسان لتكون علاقاته مع الآخرين طبيعية قائمة على الإحترام الكامل والمتبادل بينه وبين أخيه الإنسان بغض النظر عن اللون أو الدين أو الجنس أو العرق، ولا شك في أن هذه العلاقة الطبيعية يترتب عليها حقوقًا وواجبات لا بد وبالضرورة احترامها، إستنادًا إلى قيم العدل والمساواة.
ولقد طُرِحَ مًصطلح التطبيع بشدة على الساحة لدرجة أن اقترن بدولة إسرائيل، فما أن يُذكر مُصطلح التطبيع إلا ويتبادر إلى الذهن دولة إسرائيل، والتطبيع مع إسرائيل هو ببساطة إقامة علاقة طبيعية بين بعض الدول العربية (خاصة) وإسرائيل بعد حالة من الصراع أو الحرب بينهما، فالتطبيع بين طرفين أو بلدين أو طائفتين في مجتمع ما تسبقه حالة من الصراع والتوتر والحرب، وتتبعه إلتزامات تجعل من العلاقة بين الطرفين علاقة طبيعية.
ومن المؤكد أن هذه المُقدمة من المقال ما هي إلا تمهيدًا للخوض في إحدى الملفات الوطنية التي يمُكن أن نطلق عليها "التطبيع مع الأقباط "، وإن كان معروفًا بل ومؤكدًا أن الحكومة المصرية ملتزمة بالتطبيع إسرائيل على المستوى السياسي والرسمي، ورافضة رفضًا قاطعًا لهذا التطبيع على المستوى الشعبي والإجتماعي، فأنها (أي الحكومة المصرية) ترفض وجود تطبيع سياسي مع الأقباط والأقليات الدينية الأخرى، وتَدَعِي في ذات الوقت أن هناك تطبيعًا بين الأقباط والأكثرية المُسلمة على المستوى الإجتماعي والشعبي، وهو بلا شك إدعاء باطل، بدليل سماح الحكومة المصرية لأجهزة الإعلام والقنوات الفضائية الدينية والجماعات المُتطرفة دينيًا بتكفير المسيحيين وإهدار دماؤهم وإستباحة أموالهم وبناتهم لا لشئ إلا لأنهم يختلفون مع الأكثرية في المعتقد الديني!!
وبالتالي فالحكومات المصرية المتتالية والمُتعاقبة على مصر ترفض بطريقة غير مباشرة التطبيع مع أقباط مصر على المستوى الشعبي أو الإجتماعي بالطريقة التي ذكرتها في السطور السابقة.
أما عن التطبيع مع الأقباط على المستوى السياسي، فإنها ترفض وبشكل قاطع التطبيع مع الأقباط سياسيًا، حيث أن التطبيع يعني كما ذكرنا هو إعادة واسترجاع العلاقة بين طرفين إلى مسارهما الطبيعي الذي كانا عليه قبل ذلك، وهذا الرفض الحكومي للتطبيع السياسي مع الأقباط يرجع إلى حكومة ثورة يوليو والحكومات المتاعقبة التي تلتها وصولاً إلى هذه الحكومة، حيث تم إقصاء الأقباط عن كافة مناحي الحياة السياسية في مصر واستبعادهم من المناصب الحساسة بالدولة إستنادًا إلى المادة الثانية في الدستور والتي تنص صراحة على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع! ومضمون المادة يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على أن مضمون علاقة الحكومة المصرية والأكثرية المسلمة بالأقباط لن تكون طبيعية –أبدًا- إلا إذا اعتنق الأقباط الإسلام أو تم إلغاء المادة الثانية أو لجأ الأقلية أقباط مصر إلى الإحتكام إلى الشرعية الدولية طلبًا لحقوقهم المشروعة.
وبالتالي فأنه من العار والفضيحة أن تُصِر الحكومة المصرية على موقفها الرافض للتطبيع السياسي والإجتماعي مع مُكون أساسي وأصيل من مكونات الشعب المصري وهم الأقباط، الذين هم أصل مصر وعبق تاريخها وصمام أمنها وسلامها، فنجدها تعاملهم كمُستوطنين لا كمواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الإلتزامات مع المسلمين!! |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|