بقلم: زهير دعيم
مشهدان من أرومة واحدة وقُماشٍ مختلف.
مشهدان تكوْكب فيهما الفساتين البيضاء الجميلة ، وتختال فيهما حوّاء في ليلة من ليالي العمر ، بل ليلة العمر.
مشهدان أعاداني إلى مرابع الصّبا والشباب والغَزَل.
المشهد الأوّل أثّر فيّ سلبًا ، وأثار غضبي واستيائي وتقزّزي.
مشهد احتفال ميلتون مبيلي ، الأسمر الجنوب أفريقي ، الذي تزوّج من أربع نساء في حفل زفاف واحد....ولم يكن ميلتون هذا بكرا إن صحّ التعبير، فهو قد صال وجال في دنيا النساء ، ولديه من زيجاته السابقة أحد عشر طفلا وطفلة!!
أربع نساء دفعة واحدة !!! يا الهي !!
كيف رضين _ هؤلاء الغضيبات- بهذا ؟ لست ادري .
وشدّني الفضول أن أشاهد الزوجات الاربع ، أتراهنّ من البشاعة بمكان حتى رضين بمثل هذه الصفقة ؟ومن رجل " يد ثانية" كما نقول في عالم السّيارات .
من الذي أجبرهن على ذلك ؟ أتراه الفقر والعوز ، أم المعتقد أم ماذا؟
حقيقة لم أهضم هذا المشهد ، خاصة وانهن كنّ سمراوات جميلات، وكيف أهضمه وهو ينتقص من الأنوثة الجميلة ، وينتهك المساواة ويغتصب العدالة والمنطق! ويؤلّه الفحولة التي تتباهى بالقشور والقياس.
ويأبى الفكر الا أن يأخذني الى هناك ؛ الى أسئلة تزدحم تارة وتتفرّق أخرى :
من ستكون المحظوظة أولاً وتتبارك بالزيارة ؟
كيف رُتِّب الأمر ، أتراه بالتفاهم ، أم حسب الأبجدية ، أم العمر نزولا او صعودا ، أم بالقرعة؟
والأدهى والأمرّ من ستكون المرأة القديمة- وكلهن في الهوا سوا-
يبدو الأمر مضحكا ، ولكنه في جوهره مُبكٍ ، حزينٌ ، بائسٌ ، مُذًلٌّ، يفترس كرامة الإنسان الأنثى والذكر على حدٍّ سواء ، وينتهك المشاعر تحت غطاء الدين والمعتقد في حين ان الشهوة والانفلات هما السبب والمسبّب.
والمثير للاشمئزاز تلك المقولة التي يتشدّق بها هؤلاء القوم : إن الزواج من كثرة هو مناعة ضد الخيانة ، وهو صون من الوقوع في علاقات غير مشروعة!!!
يا الهي !! من قال ذلك ؟ من قال أن الإنسان فُطِرَ على افتراس الكثيرات؟
المسألة ايمان وقناعة وتهذيب للشهوة .
المسألة تتعلّق بالفكر والعقل النيّر الذي يدير هذا العضو المتمرد ام ذاك؟
المسألة تتعلّق بالمبدأ الذي تغذيه ، فإن غذيت في فكرك الذئب الشّرير أفترسك وافترس الغير ، ,إن انت غذيت ذئب الخير !اكتفى واقتنع وشبع.
أمّا المشهد الثاني ، فهو مشهد ولا أحلى ،يسحر الألباب فعلا ويطير بك الى مملكة الأحلام ودنيا الخيال .
أربعون الفًا من العرسان ، نصفهن باللباس الأبيض والطرحة الجميلة ، وكلهم مع البسمة الحيّية والنظرات الحالمة ، التي تنظر الى المستقبل بشوق وترقّب وإيمان.
منظر ولا أجمل تجلّى عند احتشاد أربعين ألف شخص ، يرمون الى تتويج زواجهم ببركة القس ميانغ مون ، رئيس كنيسة التوحيد في كوريا.
نظرتُ وأنعمت النظر ، ما أحيلاه من منظر ...آلاف الأحلام وآلاف الآمال ، وآلاف التطلعات ترنو إلى الأفق البعيد ولا سؤال ولا استفسار ولا قرعة ولا تلبّك ، الكلّ واضح مكشوف و سويّ.
مشهدان ....واحد يعود ويرجع بك الى الوراء ، والثاني يأخذك في قفزة نوعية الى الغد، ونحو الشعور مع الغير والتواصل معهم في هذه الظروف الحياتية والاقتصادية الصعبة.
مشهدان من أرومة واحدة ...أرومة الرجل والمرأة ، واستمرارية الحياة المباركة ..ولكن القماش يختلف ، والعقلية تختلف والرؤيا تختلف.
مشهدان يخبران بوضوح اننا في أخريات الأيام. |