CET 09:57:47 - 14/10/2009

مقالات مختارة

بقلم: وحيد حامد

قرأت فى كتب التراث.. أن الخليفة المهدى قعد قعودا عاما إلى الناس، أى أنه جلس مع من حضر من الناس سواء كانوا من العامة أو الخاصة يسمع منهم ويسمعون له، وينظر فى أمورهم وأثناء ذلك دخل عليه رجل وفى يده نعل ملفوفة فى منديل، والنعل كما نعلم هو ما يلبس فى القدم.. قال الرجل يا أمير المؤمنين هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهديتها لك!! فقال الخليفة هاتها.. دفعها الرجل إليه فأخذها المهدى وقبّل باطنها ورفعها إلى رأسه ووضعها أمام عينيه وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم..
أخذ الرجل هذه العطية السخية وانصرف سعيدا غانما.. إلا أن الذين كانوا إلى جوار الخليفة لم يعجبهم ما حدث وظهر ذلك واضحا على وجوههم، ولكن لم يجرؤ أحدهم أن يناقش أمير المؤمنين فيما رآه وارتضاه وفعله، إلا أن الخليفة بعد أن قرأ ما هو مرسوم على الوجوه أراد أن يوضح لهم موقفه فقال لهم أنا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرها فضلا عن أن يكون لبسها.. ولكن.. لو كذبناه قال للناس أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله فردها على، وسوف ينتقل خبر ذلك بين الناس وسوف يصدقونه، فإذا كان ظالما وكاذبا اشترينا لسانه وقبلنا هديته وصدقنا قوله ورأينا أن ما فعله أنجح وأرجح..

والحقيقة التى يدركها كل صاحب عقل أن هذا العقل شديد القبح والغباء وهو بمثابة الكارثة، فهذا الخليفة الذى هو أمير المؤمنين قبّل «صرمة قديمة» مجهولة المصدر ولا أحد يعلم كانت فى قدمى من؟ وأكثر من ذلك أنه دفع إكرامية من بيت المال، وهو يعلم أن هذه النعل لا يخص الرسول الكريم.. قبل بالخدعة الكاذبة حتى يتجنب غضب الجهلاء الموتورين الذين تنطلى عليهم تلك المزاعم الباطلة والمضللة، بدلا من أن ينتصر للحق والعدل ويواجه الرجل بشرور فعلته منحه مكافأة سخية وأورثنا بدعة سياسية تعد من رزائل الدنيا، وهى ما نطلق عليه الآن وفى هذا الزمان التوازنات السياسية.. مراعاة الظروف الحاضرة.. عدم إثارة الرأى العام.. وكلها مسميات الهدف منها جعل النفاق خارج نطاق الذنب وإضفاء الشرعية عليه، والحكومات الضعيفة المهترئة هى التى تنافق شعوبها حتى تضمن استمراريتها، والملوك والسلاطين والعتاة إذا وهنوا فإنهم يصبحون فى حالة ارتخاء عقلى وبدنى يدفعهم إلى التساهل فى جميع الأمور بفعل فتور الهمة وضياع العزيمة وليونة القبضة القوية وفقدان الهيبة، وكلها أمور تؤدى إلى هوان أعظم الأمم وخرابها فى حالة حدوثها..!!

وقد ابتليت حكومات مصر منذ زمن بهذا الداء القبيح وها هى الخسائر الفادحة تتوالى.. حكومات سنت القوانين وملأت الدنيا صياحا وصراخا وضجيجا بشأنها، وفى نفس الوقت أهملت تطبيقها وإعمالها، وأحدث هذه القوانين على سبيل المثال لا الحصر هو قانون المرور.. ومن ينظر إلى حال الشارع المصرى فى الوقت الحاضر، أو يرصد أعداد ضحايا حوادث الطرق اليومية يدرك دون أن يجهد نفسه أنه لا وجود لأى قانون.. القانون السائد هو قانون القوة والبلطجة والانحطاط الأخلاقى، قانون الشارع الذى يسمح لسائق ميكروباس أن يسحق إنسانا تحت عجلات عربته فى وضح النهار وعلى الملأ ليصبح البلطجى أقوى من الشرطى.. ومن الثابت والمعلوم أن الحكومات الضعيفة المدربة على الهرب من المسئوليات مهما كان حجمها يقع ضررها أول ما يقع على المواطنين الصالحين الأشراف المسالمين والملتزمين، وهم الذين يدفعون الثمن دائما..

أما الأشرار فهم ذئاب وثعالب الناس، وهم أول من يستفيد بسكوت الحكومات وهوانها وضعفها وتخليها عن واجباتها.. وتعال نتأمل بعض حالات التردى التى أصابت مصر التى كانت محروسة يوما ما.. ضاعت الأرض الزراعية الخصبة وحلت محلها مساكن عشوائية قبيحة ومنفرة أمام كل عيون الحكومات المتعاقبة، وجميعها التزمت الصمت لأنها خافت أن تغضب بعض الناس وتناست أنها حصدت غضب غالبية الناس وأيضا سخطهم.. ويبدو أن هذه الحكومات التى سمحت للبعض بتخريب الوطن كسبا لرضاهم كانت تطبق منطق عبدة الشيطان، حيث إن هؤلاء الفاسدين المارقين لهم منطق فاسد تماما هو أنهم يعبدون الشيطان ليس حبا فيه، ولكن خوفا منه فهو قادر على الأذى.. أما الله سبحانه وتعالى فهو الحليم الرحمن الرحيم والغفور، الذى يمنح السلام والمحبة والنعمة للجميع وهو لا يلحق الأذى بأحد.. وهكذا هذه الحكومات أغلقت عيونها أمام مصائب الأشرار وتركتهم ينطلقون فى جحافل مدمرة لكل ما هو جميل فى هذا البلد.. وتبلغ مساحة النفاق مسافات طويلة فى مواسم الانتخابات، حيث تترك الأمور سائبة بدون رابط حيث الحاجة إلى صوت الناخب.. وأنا شخصيا أكره الانتخابات فى مصر، فدائما وأبدا تأتى وتذهب مسببة الخسائر الفادحة دون أن نستفيد منها شيئا.. فهى تأتى إلينا بنفس الأشخاص ونفس أصحاب المصالح وكأنها نمط ثابت مفروض علينا.. تجرى الانتخابات لا لتحدث تغييرا كما يحدث فى كل بلاد الدنيا..

ولكن لتجدد المدة لنفس الأشخاص الذين ضقنا بهم وبأفعالهم.. من عينة السيد الموقر عضو مجلس الشعب فى دشنا عن الحزب الوطنى.. لقد صار الرجل أقوى من الحكومة، وتصبح السينما فى غاية الصدق والموضوعية عندما صاح «أحمد السقا» فى فيلم الجزيرة من النهارده مفيش حكومة.. أنا الحكومة.. وفى إمكان أى شخص أن يقول مفيش حكومة.. أنا الحكومة وهذه حقيقة.. ومن مصائب الانتخابات فساد خمائر البشر وبيع وشراء الذمم وتخريب النفوس ونشر الضغائن بين الناس.. والحصاد النهائى.. بقاء الحال على ما هو عليه.. وطالما أن الأمر هكذا فلماذا لا يبقى الحال كما هو عليه بدون هذه المهازل؟..
فى ظل بدعة الخليفة المهدى التى تطورت وتحورت مثلها مثل أى ميكروب، فقدت مصر الكثير بفعل الصمت على الأخطاء والخطايا رياء ونفاقا وخوفا من ضياع المقاعد والمناصب.. تأملوا العشوائيات فى القرى والمدن والخطر الذى تأتى به.
مساكن البؤس والمرض والاختناق ونقص المرافق والانهيار الإنسانى.. تأملوا الفوضى التى تحدثها سيارات الميكروباص فى الشارع المصرى كله.. حتى صارت الفوضى هى التى تحكم وتهيمن وتسيطر.. تأملوا أكوام الزبالة فى كل مكان حتى إنها صارت كارثة قوية تهدد سلامة الأمن القومى.. وأنى لا أعجب أشد العجب من حكومة طويلة عريضة تضم دكاترة ورجال أعمال ومهندسين، وفيها أحسن وزير مالية فى الشرق الأوسط، وتعجز عن حل مشكلة ولدت وكبرت وسمنت حتى صارت مصيبة فى عهدها.. اسأل كل صاحب عقل هل مثل هذه الحكومة تصلح لإدارة شعب..؟ مراكز استطلاع الرأى بمجلس الوزراء تقول إنها أحسن حكومة..؟ فقط أذكر أن جميع الحكومات التى سبقت هذه الحكومة كانت هى الأخرى أحسن حكومة.. فإذا كان هذا هو حالنا فى ظل الحكومات الأحسن.. فماذا سيكون حالنا إذا ابتلينا بحكومة سيئة لا قدر الله..؟!

بعد الفاصل
كلب يطارد غزالة.. قالت الغزالة للكلب لن تلحق بى.. قال لها الكلب.. لماذا..؟ قالت الغزالة لأنك تعدو من أجل سيدك.. أما أنا فأعدو من أجل نفسى..

تعليق:
ما أكثر الكلاب التى تعدو من أجل أسيادها..
وما أندر الغزلان التى تعدو من أجل نفسها فى هذه الأيام.
نقلا عن الشروق

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع