بقلم: القس رفعت فكري
يزعم بعض المتعصبين أن المسيحية تدعو للعنف وأن السيد المسيح طالب باستخدام السيف, وفي اتهامهم هذا هم يقتبسون بعض نصوص الكتاب المقدس ثم يفسرونها وفقاً لأهوائهم الشخصية فينزعون الآيات من سياقها التاريخي ومن القرينة والخلفية الحضارية والثقافية, ومن هذه النصوص قول السيد المسيح المدون في الإنجيل بحسب متى والفصل العاشر والآيات من 34-37 " لا تظنوا اني جئت لألقي سلاماً على الارض.ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً فإني جئت لأفرّق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنة ضد حماتها وأعداء الإنسان أهل بيته, من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني, ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني" ، وكذلك ما ورد في لوقا 12: 51-53 "أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض. كلا أقول لكم . بل انقساماً، لأنه يكون من الآن خمسة في بيتٍ واحدٍ منقسمين ثلثة على اثنين واثنان على ثلثة، ينقسم الأب على الابن والابن على الأب. والأم على البنت والبنت على الأم. والحماة على كنتها والكنة على حماتها". ولوقا 14: 26، 27 "إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده واخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً. " من هذه الآيات ظن بعض المتربصين بالمسيحية أن السيد المسيح يساعد على الفرقة والشقاق , ويدعو إلى الخصام والانقسام, وبالطبع السيد المسيح في كل حياته لم يدعو أبداً لاستخدام العنف، ولم يشجع أبداً على الانقسام والخصام , إذا ماذا قصد السيد المسيح بهذه الأقوال؟!!
كان المسيح وهو يضع هذه الصورة أمام سامعيه إنما كان يردد كلاماً معروفاً عند اليهود آنذاك. فاليهود كانوا يعتقدون أنه عندما يأتي يوم الرب الذي يخترق فيه الله التاريخ ويحضر المسيا إلى العالم ستحدث انقسامات خطيرة في العائلات، ومن بين أقوال المعلمين اليهود المشهورة "إنه عندما يأتي ابن داود ستقوم الابنة على أمها، والكنه على حماتها، ويحتقر الابن أباه ويصير أعداء الإنسان هم أهل بيته" وكأنما بالسيد المسيح أراد أن يقول لسامعيه من اليهود أن يوم الرب الذي ينتظرونه قد أتى، وقد تدخل الله في التاريخ، وهكذا تنقسم العائلات والجماعات إلى قسمين : فالبعض يقبلونه ويتحمسون له، والبعض الآخر يرفضونه ويتحمسون ضده, لقد كانت رسالة السيد المسيح رسالة حب وسلام, فهو لم يأت بجيوش كسيل عارم منساقة, أو مزينة بأعلام مرفرفة خفاقة، لكن دعوته وتعاليمه ومبادئه من شأنها أن ينقسم الناس بإزائها إلى فريق يقبلها، وفريق يرفضها، ولابد أن تقوم بين الفريقين حرب فكرية تحتدم بين المؤمنين به والرافضين له. نار قوية تؤدي إلى حرب وقتال بالتصفية الجسدية، وهذا ما حدث بالفعل لشهداء المسيحية في القرون الأولى الذين شن عليهم الرافضون لمبادئ المسيح حرباً شرسة شعواء ذهب ضحيتها عشرات الألوف والملايين من المؤمنين بالمسيح.
إن السيد المسيح هو باعث كل رجاء وهو مصدر كل سلام, لقد جاء إلى عالمنا ولم يعلن حرباً, ولم يشكل جيشاً, ولكنه حارب الظلم والفساد والشر والخطيئة,لم يحمل سيفاً ولا عصا, ولكن بمحبته ورحمته صار ملكاً على قلوب البشر, لم يركب جواداًَ ولم يرفع سيفاً ولا حتى صوتاً, لقد كان سيفه الوداعة, ورمحه المحبة, وسلطانه سلطان الغفران والتسامح, لم يفتح مدينة ولكنه فتح أعين العميان وآذان الصم كما فتح أبواب الأمل أمام البائسين واليائسين والساقطين,لم يثر مشاعر البغضة, ولم يحرض أحداً على أحد لكنه حرض الجميع على الحب والتآخي والعطاء والغفران بلا حدود, لذا قال عنه نابليون بونابرت "إن الأسكندر الأكبر وأنا أقمنا الإمبراطوريات بقدرة وعبقرية وأسسناها على القوة والسلاح أما المسيح فقد أقام إمبراطوريته وأسسها على الحب".
حقاً إن يسوع المسيح هو صانع السلام الأعظم, فهو الوحيد الذي عاش عملياً ما علمه نظريا,ً وهو الفريد الذي طبق كل ما قدمه للناس من تعاليم, ولم تختلف أعماله عن أقواله, لقد كان السلام هو الركيزة الأساسية في كل حياته وتعاليمه, فهو لم يدرب جندياً, ولم يطلق مدفعاً, ولم يعلم أتباعه أن يحملوا سلاحاً أو سيفاً, ولكنه طََوَب صانعي السلام بقوله ( طوبى لصانعي السلام ) لذا فإن الانقسامات لم تكن هدف السيد المسيح أبداً ، وكذلك تحقيق السلام ولو بالقوة التي تبطش بمن تحب وبمن لا تحب لم يكن قصده أبداً, ولكن الانقسامات كانت النتيجة الواقعية التي أعقبت ظهوره بين البشر, لقد أبغضه الخطاة, ومن الطبيعي أيضاً أنهم يبغضون تلاميذه وأتباعه في كل زمان ومكان, وفي كل عصر ومصر, وصاحب العين المريضة لابد أن يكره النور، ومن هنا حدث الانقسام وهذا ما قصده السيد المسيح بقوله أنه جاء ليلقي سيفاً لا سلاماً .
راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا مصر
refaatfikry@hotmail.com
|