بقلم: ماجد سمير
"الختم" ارتبطت حياة المصريين على مدى عقود طويلة بفكرة وجود الختم في حياتهم، فختم شعار الجمهورية يزين كل الأوراق المطلوبة في المصالح الحكومية وغير الحكومية، وختم الحصانة الذي يحظى به عدد غير قليل من الناس يتمتعون بحريات وحقوق تفوق بكثير بقية أفراد الشعب حتى أكل اللحمة لا يجوز إلا بعد تتويجها بالختم الأزرق.
أما أنا فحصلت على "ختم رفض" بارز في أول صفحة من جواز السفر بيقول "حتة دين لأ" لا معنى لها إلا أني شخص غير مرغوب في وجوده، قفلت الباسبور ووضعته أو بمعنى أصح حشرته بقوة داخل الجيب الداخلي للجاكيت الذي أرتديه حسب العادة.
فشهر أكتوبر ارتبط في ذهني دائمًا ببداية الشتاء رغم أن التغيرات المناخية خلال السنوات الأخيرة حولته إلى امتداد طبيعي لشهور الصيف الخانقة، وجواز سفري من النوع القديم طويل التيلة كبير الحجم يتسق في الشكل الخارجي مع بطاقة التموين.
وسألت نفسي بسذاجة ربما يعود الرفض إلى شك السفارة في أني قد أسعى للحصول من دولتهم على سكر وأرز وشاي قد يؤثر بالسلب على حق مواطني تلك الدولة من السلع التموينية وربما قلق مسئولو البلد المقصود بالزيارة على وضع الزيت وسعره في السوق المحلية رغم أني أثناء المقابلة مع القنصل لم أخذ زجاجة فارغة معي، ركبت سيارتي الصغيرة ولا أعرف أين أذهب، فحلم السفر والهجرة وترك وطن ضاق بي وبالعديد من أبنائه، ابتسمت، فكلمة العديد فعل لمهنة مصرية أصيلة امتهنتها السيدات المصريات بمنتهى الحرفية التي لا تضاهيها أبدًا، وضعت المفتاح وأدرت السيارة وانطلقت بلا هدف ووجدت أن حالي يستحق بالفعل "العديد" واللطم.
وبعد لف ودوران في الشوارع بشكل عشوائي صعدت بالسيارة كوبري 6 أكتوبر قاصدًا "المنزل" الذي يؤدي إلى شارع البطل أحمد عبد العزيز، وبعد أن وصلت لمفترق الطرق فوق الكوبري واقتربت بشدة من اللافتة التي تحدد أين "النزلة" المتجهة" إلى المهندسين في محاولة مضنية لقراءتها وأوقفت السيارة تحتها مباشرة وأخرجت رأسي من النافذة وفتحة عيني فتحة صغيرة جدًا في محاولة فاشلة لقراءتها وسط النور "المظلم" الذي يصدر عن لمبات أعمدة الإضاءة "السهاري" التي يبدو أن الهدف الأساسي من إنارتها عدم أيقاظ السائق النائم وإصابته بالأرق في حالة وجود إضاءة قوية!!
ومر ميكروباص بجواري وقال الصبي بصوت ساخر موجهًا حديثه لي: إيه كفيف؟؟، استمرت محاولاتي المستميتة للقراءة حتى وقفت سيارة ملاكي بجواري وقال الشخص الجالس بجوار السائق "يمين المهندسين وشمال الدقي أنزل بقا الله يخرب بيتكوا".
نزلت متوجهًا إلى منطقة "الحيتية" وهي منطقة شعبية عشوائية تقع بين المهندسين والعجوزة لها مدخل من شارع جامعة الدول العربية ومدخل آخر من شارع النيل بالعجوزة، واتصلت بصديق قديم يسكن قريب من هناك وتقابلنا على مقهى وسردت له قصة الأختام واختتمتها بختم الرفض الذي حرمني من الفرصة الوحيدة للهروب و"الهججان" والخلع من مصر.
في نفس اللحظة كان صبي المقهى يقدم لنا الشاي المغلي والقهوة ذات البن المحوج، فقال لي مبتسمًا: نسيت يا بيه أهم ختم.... الختم اللي فيه الشفا، فسألته ختم إيه؟ قال لي وهو يضرب نفسه على رقبته من الخلف "الختم على القفا". |