CET 00:00:00 - 13/10/2009

مساحة رأي

بقلم: أكرم هارون
ولا بد الليل أن ينجلي... ولا بد للقيد أن ينكسر
قصدت أن أبدأ هذا المقال بتكملة لبيت الشعر للشاعر أبو القاسم الشابي -هذا البيت الذي ختمت به المقال السابق (اعطني حقوقي في الحياة)– فإني أجد أن شعبًا أراد أن يحيا ويعيش بلا خوف بلا رهبة بلا إذلال أو مهانة متحصلاً على كافة حقوقه وملتزمًا في ذات الوقت بواجباته، فقطعًا سوف يحصل على ما يريد –حقًا لا يضيع حق وراءه مطالب بشرط أن يكون هذا المطالب مثابرًا مجدًا مجتهدًا ولا أن يكون سلبيًا خائفًا مرتعدًا، ومن يطالب بحقوقه لا بد له من التحلي بالإيمان والصبر ومراعاة المعايير الأخلاقية والقيم والمبادئ العامة– حتمًا سيصل في النهاية لضوء العزة والكرامة وشمس الحرية التي يغيب معها ليل الظلم، ومن المؤكد للقيود الموصدة لطريق الحق والحرية أن تنفتح تحت ضغط العزيمة والإرادة الصلبة للناس.

مفهوم المواطنة السليم والواقع المصري الأليم
والمواطنة تعني ببساطة أن جميع أفراد الشعب متساوون في الحقوق والواجبات... وهي كلمة تشع بضوء براق متوهج ينير كافة حقول ومجالات الوطن الذي نعيش فيه وإن كنت أحب تسمية قداسة البابا شنودة الثالث لمصر أنها وطن يعيش فينا وليس وطن نعيش فيه، المواطنة حق أصيل لكافة أفراد الشعب وليست هي بكلمة مستحدثة وإنما قد تكون دخلت لقاموس المجتمع المصري مؤخرًا مع التعديلات الدستورية الأخيرة وأثيرت حولها ضجة شديدة، فعُقدت الندوات وكُتبت المقالات وتم الإدلاء بالتصريحات الصحفية والحوارات التليفزيونية، وأجد أن الحزب الوطني قاد هذه المسيرة بغرض تجميل صورته وتنسيق منظر حكومته وإضفاء هالة من النور حول سياساته وخططه والتي يريد أن يقول فيها للعالم –لا لمصر– أنه يقدس ويعمق مفهوم المواطنة، وعلى رأي الحكمة القائلة (اسمع كلامك اصدقك أشوف أمورك اتعجب) فالحزب الوطني وحكومته أمطرونا بمعسول الكلام وما لذ وطاب منه، وعند الأفعال لا أقول أننا لم نري شيئًا بل أؤكد أننا في أوقات كثيرة رأينا الأفعال المضادة لهذا الكلام وهذا مما قد يثير حفيظة أي إنسان عاقل يعيش على أرض هذه البلد.
تعميق وترسيخ مفهوم المواطنة في ثنايا المجتمع المصري لا يأتى بالكلام والكتابات، فقد تعودنا في بلدنا المدهش أن الأوامر والقرارات أقوى من القوانين بل أنك تجد الدستور والقانون شيء والواقع العملي هو شيء آخر، ففي أي بلد يقوم على دولة المؤسسات نجد أن الدستور والقوانين (الصادرة من السلطة التشريعية) يشكل مخ المجتمع وهناك أجهزة الجسم (والتي تمثل هنا القرارات واللوائح الصادرة من السلطة التنفيذية) التي نعمل باستقلالية ونفس الوقت توافق كامل لتأدية المهام المنوط بها كل عضو من أعضاء الجسم وذلك في ظل الإشارات الحاكمة الصادرة من المخ (الدستور) وبدون أدني تعارض معها، لذا فالجسم يؤدي كافة مهامه بنجاح ليستمر الإنسان في الحياة، لو افترضنا أن أحد الأجهزة أدى مهامه بتجاهل لإشارات المخ ماذا سيحدث؟ بالطبع سيحدث ارتباك شديد مما يؤدي لأمراض فيصير الجسم (الوطن) عليلاً مما قد يؤدي حتميًا في النهاية للوفاة.
وإن نظرنا نحو حال المواطنة في مصر لشاهدنا الصورة المقلوبة وهي أن السلطة التنفيذية تعمل بدون الاعتداد للإشارات الصادرة من مخ المجتمع (الدستور) مما أدى لزرع ثقافة التعصب والتمييز في أنحاء مصر بين المصريين المسلمين والمسيحيين، والنتيجة أمراض في المجتمع المصري تجعله عليلاً وإن لم يتم تدارك الموقف ومواجهة المشكلة بشجاعة من الحكومة والشعب معًا بالحلول العملية الواقعية لا بالخطب والأحاديث والتصريحات الوردية لن نصل إلى حل وستزيد الأمراض بالمجتمع توحشًا وأكثر ما نخاف أن نصل إلي الوفاة (الدمار لهذا البلد).

إن كانت الحكومة غافلة أو متغافلة... من يأخذ زمام المبادرة؟
وطبقًا لإيماني الراسخ على ضرورة أن يعطي الطرف الأقوى كافة الحقوق للطرف الأضعف، وقطعًا الطرف الأقوى هنا هو الحكومة، ولكن ماذا نفعل إن ظلت الحكومة تتجاهل هذه الأوضاع ولا تفعل شيئًا؟ هل المطلوب هو الصمت؟!! هناك طرف آخر قوي وهو بأعداده وقوة ضغطه يشكل قوة هائلة أكبر من قوة الحكومة وهم اخوتنا في الوطن المسلمون. ويجب أن نتكلم بصراحة حتى نواجه مشاكلنا.
يجب أن يعترف عموم المسلمين في مصر بأن المواطنة منتقصة للمسيحيين وأنهم يعانون مشاكل حقيقية تتمثل في مشاكل بناء الكنائس ومشاكل التمييز في الوظائف والأعمال وغيرها، ولا بد من إعمال العقل في هذا الأمر لأنه من الواضح أن المسيحيين لن يصمتوا على الحقوق المنتقصة وسيسعون بكافة السبل لانتزاع حقوقهم خاصة مع تحول العالم اليوم إلى قرية كونية صغيرة -حيث أصبحت حقوق الإنسان شأنًا عالميًا وليس شأنًا داخليًا-، وهم يسعون بكافة الطرق السلمية وبدون أي عنف لأن الله أمرنا بهذا فقال السيد المسيح (كل من يأخذ بالسيف بالسيف يهلك) وهو أمرنا بأن نحب الجميع حتى الأعداء، بل وقال (باركوا لاعنيكم واحسنوا إلى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسئيون إليكم ويطرودنكم)، وليس هذا بجبن أو تخاذل بل هو قمة الحب والتضحية التي هي حجر زاوبة الإيمان المسيحي، إلا أنه في ذات الوقت لا يطالبنا إلهنا بأن نرفع راية الاستسلام أمام الأخطاء والظلم لأنه هو نفسه أعطى لنا مثالاً لنحتذي به، فلم يكن مهادنًا لشيوخ ورجال الدين اليهودي بل كان دومًا يجاهر بالإيمان الصحيح ويوبخهم على أخطاءهم في كثير من الأوقات، وهو أيضًا يطالبنا بأن لا نسكت على ظلم واقع علينا بل نسعى جاهدين لرد الظلم متكلين -وليس متواكلين-، عليه ولكن في إطار من النظام والحب للجميع وبدون أي عنف فليس المطلوب أن نرد على الأخطاء والظلم بالعنف لأن العنف ليس له مكان في تعاليمنا كما أن الله أكد لنا في كلمته المقدسة (لي النقمة أنا أجازي يقول الرب)، كما أننا مصريون ونحب بلدنا ولا نرضى لها أن تتحول نار تحرق الأخضر واليابس –هذا عن عموم المسيحيين-.
لكن ليس كل المسيحيين يراعون ربهم وتوصيات إلههم، ومن الوارد أن تحدث بعض الأحداث التي من الممكن أن تفجر الغضب فيحدث العنف والعنف المضاد وتتحول البلاد إلى جهنم النار.
فعلى إخوتنا المسلمين أن يتضامنوا معنا لمطالبة الحكومة بالعدل والإنصاف وتأكيد المواطنة في بلادنا.
أين روح ثورة 1919 وأين الروح التي كانت سائدة قبل ثورة يوليو 1952 بل لقد كان الحال أفضل كثيرًا حتى ستينات القرن الماضي؟ لماذا نزعنا إلى الطائفية؟ لماذا أصبحت مصر هكذا؟

خانة الديانة في البطاقة الشخصية.. هل من مبرر؟!!
على المسلمين والمسيحيين مطالبة الحكومة بإلغاء خانة الديانة بالبطاقة الشخصية، فما هي جدواها إلا ترسيخ ثقافة الطائفية؟، إن كل بلاد العالم لا تضع خانة الديانة بالبطاقة ما عدا مصر ولبنان –ونحن لا نريد مصر لبنانًا آخر يستعر بنار الطائفية والتعصب–، أذكر صديقًا سوريًا رأى بطاقتي فقال لي ولصديق مسلم كان متواجدًا معنا ما معنى وجود خانة الديانة هنا؟ ولم أستطع أنا أو الصديق المسلم الرد، ففعلاً ما الهدف الخبيث من ذلك؟
إننا جميعًا مواطنون مصريون، ومصر لكل المصريين سواء كانوا يهودًا أو بهائيين أو مسيحيين أو مسلمين أو حتى بلا دين –إن ما يجمعنا هو الأرض والنيل والعيش المشترك– أليس الحساب على الإيمان وجوهره والعقيدة ومفرداتها هو فقط لله الخالق؟ هل يعجز الله عن حساب الناس وقلوبهم وإيمانهم حتى يريد أن يقيم له خلفاء أو جنود ليتولوا تنفيذ هذه المهمة؟ (حاشا)، أليس من الأولى أن نفكر في عيشنا المشترك ونتعامل بناء على المبادئ والقيم الإنسانية التي لا يختلف عليها أي إنسان؟ لماذا نحاول دائمًا أن نأخذ من حقوق الله العظيم القوي القادر على حساب جميع الناس ونجعل من أنفسنا أوصياء على الناس؟ الأولى بنا أن نفكر ونخطط لنتقدم ونتطور في دنيانا تاركين أمور الدين والإيمان والعقيدة لكل واحد حسبما يرى ويرغب ويستريح قلبه و إيمانه وعقله لأن الله هو الديان العادل.

هل يرتاح المسلمون في أداء شعائرهم الدينية وإخوتهم في الوطن يتعذبون؟!
على المسلمين مساندة المسيحيين في مطالبة الحكومة بسرعة إصدار قانون بناء دور العبادة الموحد، لماذا ونحن في القرن الواحد والعشرين نطبق قانونًا في بناء الكنائس يرجع للقرن التاسع عشر؟ لماذا لا يتواجد لنا كمصريين الحق في بناء كنائس بيسر وسهولة نعبد الله فيها بينما إخوتنا المسلمون يبنون مساجدهم بأسرع من لمح البصر؟ لقد قرأت مقالاً للقس/ رفعت فكري ذكر فيه عن إحدى عضوات البرلمان –لا أذكر هل هي في ألمانيا أو سويسرا المهم أنها بلدًا أوربيًا غالبيته من المسيحيين– كانت تنادي بقوة بحق المسلمين في بناء مساجد ذات مآذن عالية وكما يرغبون، وأنها قالت لا أستطيع أن أعبد الله وأقيم شعائري الدينية في كنيستي وإخوتي المسلمون لا يتمتعوا بحقهم الكامل مثلي، ولقد استجاب لها أعضاء البرلمان بأغلبية ساحقة لأن حق الإنسان في الاعتقاد وإقامة شعائره الدينية بحرية كاملة حق أصيل لا يمكن الرجاء فيه لأحد أو من أحد ولا بد من حصوله عليه بكافة وسائل الضغط الشرعية. هل يأخذ إخوتنا المسلمون على عاتقهم زمام المبادرة للضغط على الحكومة من أجل إعطاء إخوتهم المسيحيين حقوقهم في بناء دور العبادة الخاص بهم بدلاً من الإذلال والمهانة التي يتعرضون لها في أروقة ودواوين الحكومة كأنهم يريدون التسول.

الإعلام المصري والكيل بمكيالين
أعرف وأعترف أنه يوجد بعض رجال الإعلام والثقافة والأدب والأحزاب ومجالات أخرى من المسلمين المستنيرين الذين يساندون إخوتهم المسيحيون في مطالبهم المشروعة والعادلة وهي المواطنة الكاملة، ولكني أتمنى أن يكون هذا اتجاهًا عامًا لدى أفراد الشعب بسطاءه قبل مثقفيه، وهذا دور رجال الدين والإعلام والثقافة المسلمين في توعية أفراد شعبهم وقيادتهم قيادة حكيمة وليكف الإعلام المصري عن سباب أقباط المهجر فهم ليسو بخائنين، وبدلاً من سبابهم وإهانتهم طالبوا الحكومة بإعطاء أقباط مصر حقوقهم الكاملة فعندئذ لن يتواجد المبرر أو الدافع لدى أحد من أقباط المهجر لاستمراره في إثارة القضية القبطية في أنحاء العالم وسيكون أقباط مصر أول الداعمين لكم، ولا تنسوا أن حقوق الإنسان أصبحت شأنًا عالميًا وكما يبحث الإعلام المصري عن حقوق الأقليات المسلمة في دول عدة من أنحاء العالم عليه أن يكيل بمكيال واحد وينظر بعين العدالة إلى حقوق الأقباط في مصر.

ختـامـًا...
إن امتلات قلوبنا بالحب ونفوسنا بالصفاء واغتسلت أيادينا بالطهارة حكومة وشعبًا، وإن خلصت النيات وتعظامت نظرتنا للآخر في العمل والآخر في البيت والآخر المصري مسلمًا أو مسيحيًا أو بهائيًا أو أيًا كان معتقده، ورددنا الحقوق لأصحابها وعفت أنفسنا عن الطمع والرغبة في سلب الآخر حقوقه في كافة مجالات الحياة، لعلت بلدنا وتقدمت وأصبحت في طليعة دول العالم الحضارية، فهذه هي المكانة الطبيعية لبلد حضارة الفراعنة العظماء مَن أذهلوا العالم وانحنى لهم إجلالاً وتقديرًا.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق