CET 00:00:00 - 12/10/2009

مساحة رأي

بقلم: أدولف موسى
كما ذكرت في المقالتين السابقتين إن الشرق ليس وحده الذي لديه أشياء لا تتماشى مع قوانين الطبيعة. لقد أردت بذكر هذه الأشياء التي توجد في الجانبين إظهار حقائق تحدث في جميع المجتمعات بلا استثناء وإني على يقين أنه ليس هناك مجتمعًا واحدًا يمكنه أن يتخلص من هذه التيارات تخلصًا كاملاً.
هدفي ليس إدانة أي مجتمع أو أي فئة ولكني أريد فقط إظهار كيفية ردود الفعل لكل من الجانبين (الشرقي والغربي) وكيفية تعامل كل منهم مع هذه التيارات المختلفة، فنجد من ناحية الغرب أنه لا يحاول إخفاء أي شيء يمكن أن يؤخذ عليه كشيء مشين لأنه يعتبر إن كل ما يحدث هو حقيقة مستوطنة في كل المجتمعات الإنسانية بلا استثناء ويعتبر أيضًا إنكارها هو التهرب من الواقع عن طريق وضع الرأس في الرمال.
إن قبول الغرب لكل تيار ومحاولة أخذه في مجتمعاته كحقائق واقعه لا يمكن تغييرها إلا بإنهاء حياة كل من يختلف عن التيار الرئيسي وهذا بالطبع شيء غير وارد في الفكر الغربي، شيء يسبب النجاح في تقدمه، إن ما يهم الغرب ليس على الإطلاق ما يشعر به أي إنسان كوحدة واحدة داخل الطبيعة الغير محدودة، لقد أعطى الغرب للإنسان الحرية الكاملة ليعمل ما يشاء طالما أنه لا يؤذي بحريته شخصًا آخر، فكان للغرب الفكرة الأساسية التي مكّنته من التحرر من كل من يُثَّقِل طريقه في مساره إلى الإمام.
هذا الفكر هو "دع ما يسمى بالأخلاق والقيم الإلهية لضمير ومشيئة كل إنسان ليحددها لنفسه أما ما يمكن أن يؤثر على المجتمع ككل فلابد أن يكون له قوانين تحمي ساكني هذا المجتمع مهما كانت انتماءاتهم"، بكل بساطة فصل العقائد من بينها الدينية عن العمل السياسي وهذا شيئًا لابد منه.

نعود للشرق، فنجد فيه العشوائية. إن مشكلة الشرق الكبرى هي عدم قدرته على الرؤية بوضوح لأنه لا يستطيع أن يعيش بدون النظارة السوداء التي لصقها على عينه ولا أمل في التخلص منها، هذه النظارة السوداء ممثله في العقيدة الدينية الغير محددة باليقين والتي لها مجالات تطبيقية عديدة حتى وإن كانت لعقيدة واحدة، كما ذكرت من قبل أيضًا عن طريق أمثلة قد ذكرتها في مقالتي الأولى يتحدث الشرق كثيرًا عن أشياء تسمى بالقيم والأخلاق وهو لا يستطيع تحديدها حتى لنفسه، فكلاً على هواه في تفسير الفقه الذي يتبعه. ما هو مفهوم القيم والأخلاق عند الشرق؟ لا أحد يعلم حتى من يعيش في الشرق ذاته وحتى من يدَّعى أنه يعرفها ويطبقها. يسير الشرق على طرق رهيبة وهدامة منها: "قول يا باسط"، "يا عم مشيها بالبركة"، "يا عم صلي على النبي وما تشيلش هم، بكره كله يتصلح لوحده"، "اللي يرمى تكاله على ربنا لازم يفلح"، "اللي ربنا عاوزه هيمشى واللي مش عاوزه هيتعطل".
الغريب في هذا إن كل إنسان يعيش في الشرق قد أخذ ربنا كسكرتيره الخاص ليعالج له مشاكله وهو مرتاح، لأن مجرد محاولته للتفكير سوف يحدث له صداع! فهو شخصيًا ليس بحاجة للتفكير حتى لمعرفة أخطاؤه الشخصية لكي يعالجها! حياتاً تكاليتاً.
عندما بدأ الانهيار الاقتصادي الذي بدأ عام 2008 في الغرب وبالتالي بدأت الهزة الأرضية الكبرى للاقتصاد العالمي، قامت حكومات الغرب كلها بتركيز كل طاقاتها لحل هذه الأزمة والخروج السريع منها وبأقل الخسائر.
ماذا فعل الشرق؟ لم يتأثر على الإطلاق ولم يحرك حتى إصبع واحد للبحث عن أي مخرج! لماذا؟ أنه كمثل ملياردير بدأ يفقد ثروته التي تعد بالمليارات ويريد إنقاذها، وآخر كان في أي حال لا يمتلك شيئًا وفقد هذا اللا شيء فلم يخسر بالفعل لأن من يخسر لابد أن يكون له شيء يخسره.
عندما نتكلم عن السياسة في الشرق يحدث لبْسًا بينها وبين العقيدة المسماة بالعقيدة السماوية، عندما يريد سياسيًا في الشرق أن يتحدث عن موضوع سياسي أمام الصحافة أو العامة، فلا يستطيع هذا إلا عندما يبدأ بداية دينيه وهي الصلاة على نبيه!

هنا أريد أن أطرح سؤالاً: ما الذي ادخل نبي هذا السياسي في الحديث السياسي الذي يريد إلقاءه؟ هل هو واعظ أم سياسي؟ عندما يطرح هذا السياسي أي فكرة لمعالجة مشكلة سياسية ما، لابد أن يعطي الاستدلال على صحتها عن طريق آيات عقائدية دينية وألا يعتبر نفسه أنه قدم فكرة بدون حجة مقبولة! عندما يقترح عليه آخر وجهة نظر مختلفة، يقال له بعض الأحيان إن هذا لا يتماشى مع شريعة الله!
أين توجد أي شريعة إلهية ما يوجد فيها حلول لمشكلة الاقتصاد والسياسة في الحقبة التي نعيش فيها نحن الآن؟ لقد سمعت إجابات من بعض فلاسفة الغبرة تقول أنه لابد من أن يؤخذ رأي وفتاوى علماء الدين في تفسير كتاب الله النازل من السماء في هذه المواضيع! بقدرة قادر أصبح علماء الدين هم خبراء السياسة والاقتصاد في العالم الحديث!
عندما انظر أنا لهؤلاء الجهابذة -جهابذة الدين- أجد مهرطقين كلاً منهم يلبس طرحة على الرأس، يهرطق بأشياء لا يفهمها حتى هو! وهذا له أن يكون عالم من علماء الاقتصاد والسياسة الذي سوف ينقذ العالم؟ أرجو من كل من يقرأ هذه الكلمات أن يعطيني رأيه في تسمية هؤلاء فلاسفة الغبرة، أنا عن نفسي لا أجد كلمه تلاءم وصف هذا التخلف والهبل.
إذا أراد الشرق أن يتقدم -وهذه إرادة اشك في وجودها- لابد أن يعيش في الواقع ويحاول فهم أن سبب دماره يأتي تحت بند التعود على مد يد الشحاتة حتى يستطيع أن يطعم شعوبه واتكاله الكُلي على الغرب. حتى بلاد الخليج والمملكة العربية السعودية بدون الغرب سوف تفنى.
إن البترول في هذه البلاد له قيمه فقط لأن الغرب يحتاجه وهذا الاحتياج يعطي له ثمنًا. بدون احتياج الغرب لهذا البترول -وهذا ما سوف يحدث في المستقبل القريب- سوف يضطر العرب لشرب هذا المسمى بالذهب الأسود لأنه سوف يكون أرخص من الماء.

في النهاية نعود لسؤالنا الرئيسي، هل تتماشى السياسة مع الأخلاقيات؟ هل يستطيع الفأر والفيل أن يتزوجوا وينجبوا؟ هل يستطيع الأسد أن يعيش على أكل التبن؟ إن أمكن كل هذا فسوف تبقى الحقيقة التي مستحيل تغيرها: إن السياسة والدين لا يمكن لهم أن يلتقيان. فأعطي ما لقيصر لقيصر وما للرب للرب.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق