CET 00:00:00 - 09/10/2009

من الاخر

بقلم: أماني موسى
تخرجت "عدالات" من كلية تربية بنات وهي تحلم بمستقبل واعد مشرق مليء بالإنجازات وترسم لنفسها خطة عن طريقة تدريسها للبنات وأزاي هتفهمهم الدروس وأزاي وأزاي...... وبينما هي غارقة في أحلام الماضي لتجد نفسها تقوم مذعورة على صوت الست هانم "أنيسة" اللي وقعها حظها العفش تحت أيديها، وتجري مسرعة نحوها لتلبي لها طلبها من متابعة الأولاد ودروسهم والشقة ونضافتها وش وضهر والبيه وطلباته وكل دة عشان تاخد كم ملطوش أخر الشهر وعشان متبقاش حاملة الألقاب العصرية (عاطل، عانس، خايب).
تفكرت "عدالات" بأحلامها واتحسرت عليها لتجد نفسها من خريجة تربية إلى دادة أو باللغة الراقية "بيبي سيتير" ونطت من سريرها لتتلقى الأوامر من الست أنيسة قبل ما تخرج مشاويرها، وكانت الأوامر لا تنتهي بينما قدرة عدالات على الشغل تنتهي سريعًا، وقالت لها مدام أنيسة: لا تنسي مذاكرة هاني وسمير، ومراجعة دروسهم ومتابعة كل ما يخصهم وبعدها تنزلي تجيب الحاجات اللي محتاجها البيت ومتنسيش بكرة حاجات العزومة اللي عاملاها لأصحابي.
وكالعادة وقفت عدالات سامعة طائعة ومش مهم أبدًا تكون راضية، واستكملت مدام أنيسة تعليماتها اليومية وأوامرها الغير منتهية حتى غاب صوتها بعد قفل الباب وراها.

جلست بعدها عدالات تحاول استجماع قواها لتستكمل مسيرتها بالحياة التي كتبت عليها أن تتخرج من كلية تربية وتبني أحلام عريضة لمستقبلها ولكن تجهض أحلامها مع أولى خطواتها في الحياة العملية.
وأخذت تُحدث ذاتها ودموعها متحجرة على أبواب عيونها وتقول: يرضي مين دة يا ربي؟ أنا اشتغل خدامة بعد ما أدرس وأتعب وأتخرج من كلية؟ وكل دة ليه عشان كم جنيه أخر الشهر؟ وأخذت تعدد مأسايها في الحياة وتنعي أحلامها التي ماتت قبل أن ترى النور ولكنها كانت تعاود بتذكير نفسها بأن هناك أمور جيدة بالحياة وهناك الأفضل الذي ينتظرها وما إلى ذلك من أمور.
وبينما هي تفكر بحالها البائس واست نفسها بالنظر لحال نظرائها من أصحاب الجامعة، فقليلين منهم الذين حظوا بفرص جيدة في الحياة، بينما كثيرون لازالوا يكافحون بكل طاقتهم بحثًا عن فرصة.

وعددت الأمثلة، فهناك التي تخرجت وإلى الآن تجلس ببيتها دون عمل ودون هدف بانتظار عريس الغفلة الذي سيجملها لعالم السيدات وينقذها من لقب (عانس)، وأخرى تعمل بمدرسة ولكنها تعمل كمدرسة دين ومشرفة على الأتوبيس الذي يُقل الطلاب، وأخرى كانت متفوقة ومتوقع تعيينها بالجامعة ولكنها تزوجت ولم يعد لديها أية اهتمامات بالحياة إلا الزوج والأولاد وأسعار الخضار والكوافيل.
ولم يختلف حال زملائها الأولاد كثيرًا، فمات أحدهم غرقًا وهو يحاول أن يجد لنفسه مكان في الحياة وفرصة ليكون إنسان ذو قيمة فحاول السفر أو بمعنى أدق الهرب للخارج ولكن من خلال طرق غير مشروعة، فكان مصيره هو ومن معه أن يكون وجبة شهية ودسمة للسمك. وآخر يعمل كسائق تاكسي ليستطيع أن يتزوج قبل دخوله سن اليأس، وثالث يقضي حياته غير مُبالي بأي شيء لعدم قدرته على فعل أي شيء لتغيير واقعه. وغيرهم وغيرهم الكثير من الحالات خريجي المؤهلات وحالتهم التي تدعو للرثاء.
عادي في بلادي: أن يتخرج حملة المؤهلات ولا ينتظرهم سوى درب من المجهول ليظلوا دومًا حملة المؤهلات والآهات بجميع المقاسات.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٦ تعليق