CET 00:00:00 - 08/10/2009

مساحة رأي

بقلم: د. ماجد عزت إسرائيل
تعود مشكلة دير السلطان إلى أوائل القرن التاسع عشر وبالتحديد سنة 1820م، ومنذ ذلك التاريخ وحتى كتابة هذه السطور ومشكلة الدير تمر بمتغيرات سياسية ودولية تجعلها تظهر في الأفق السياسي، أو تمر بمرحلة خمود ينتظر من يثيرها مرة أخرى، فتعود من جديد لدرجة أنها تبدو لأول وهله أنها مشكلة لا حل لها، فما قصة هذا الدير؟ وهل كان لإسرائيل دورًا فعالاً في صناعة هذه المشكلة؟

- دير السلطان:
يعتبر دير السلطان هو الدير الوحيد من بين الأديرة والكنائس المسيحية الذي يحمل اسمًا غير أسماء الشهداء والقديسين، حيث أن كلمة "السلطان" لا تطلق إلا على حكام المسلمين.
وقد اختلف المؤرخون حول تسميته بهذا الاسم، فمنهم من أرجع تسميته بهذا الاسم نسبة إلى صلاح الدين الأيوبي، وآخرون أرجعوا هذه التسمية إلى اعتراف الأقباط بفضل السلاطين المسلمين فأطلقوا عليه هذا الاسم.

- الموقع:
يقع دير السلطان في موقع استراتيجي بمدينة القدس بفلسطين، وبالتحديد على سطح كنيسة القديسة هيلانة (مغارة الصليب) وكنيسة الملاك والممر الموصل من كنيسة هيلانة إلى سور كنيسة القيامة، أو بعبارة داخل نطاق موضع الصلب والقبر المقدس، ويعتبر من الأماكن المسيحية المقدسة التي يسرى عليها نظام Status Quo أي (الوضع الراهن) وهي: القبر المقدس وملحقاته، ودير السلطان، قبر السيدة العذراء بالجثسيمانية، وكنيسة المهد.
وتبلغ مساحة هذا الدير نحو 1800 متر مربع، أعلى سطح كنيسة مغارة الصليب، وتقع في الزاوية الغربية منه كنيستان هما:
- كنيسة الأربعة الحيوانات غير المتجسدين، وتبلغ مساحتها حوالي 42 متر مربع.
- كنيسة الملاك ميخائيل وهي تقع في الدور الأرضي من الدير، وتبلغ مساحتها حوالي 35 متر مربع.

أهمية دير السلطان للأقباط:
ولدير السلطان أهمية خاصة عند الأقباط لأنه طريقهم المباشر للوصول من دير مار أنطونيوس حيث البطريركية المصرية إلى كنيسة القيامة، ومعنى فقدانه أن تصبح جميع أملاكهم لا تساوي شيئًا ويضطر الحجاج والزوار إلى المرور في طرق عمومية شاقة ليصلوا إلى كنيسة القيامة.
على أية حال، ترجع جذور المشكلة إلى القرن السابع عشر عندما فرض العثمانيون الضرائب الباهظة على الطوائف المسيحية؛ مما أدى إلى فقرهم، واعتدائهم على بعضهم البعض مثل اعتداء الأرمن على الأثيوبيين، واليونانيين على الأرمن وهكذا، وقد نتج عن ذلك طرد الأثيوبيين من أملاكهم واستضافة الأقباط لهم بدير السلطان.
وقد ظل الأثيوبيون يقطنون الدير مع الأقباط، حتى حصل الأقباط على موافقة من السلطات الحاكمة (القضاء) سنة 1820م على ترميمه، فأخلوه من الأحباش لحين الانتهاء من إعمال الترميم والتشطيبات.

وعقب الانتهاء من الترميمات عاد الأحباش مرة أخرى إلى دير السلطان، بعد أن زاد عددهم وقوتهم؛ مما جعلهم يتوجسون من الأقباط ويخشون طردهم مرة أخرى، لذلك فقد ساءت العلاقات فيما بينهم نتيجة للتنافر والتباعد بالرغم من وجودهم في مكان واحد.
واستمر الأحباش بالدير باعتبارهم ضيوفًا للأقباط إلى أن اجتاح مرض الطاعون مدينة القدس سنة 1937م، فكان من نتيجته تناقص عدد الأحباش، وتحريض السلطات التركية للأرمن لحرق كتبهم وأوراقهم، وطردهم من الدير، وخاصة بعد تسرب الشائعات بأنهم أساس المرض اللعين، وعلى الرغم من ذلك عادوا مرة أخرى في سنة 1839م، وسمح الأقباط لهم بمشاركتهم الصلاة والاحتفالات الدينية منذ سنة 1842م.
ومع ازدياد خوف الأثيوبيين من أن يطردهم الأقباط من دير السلطان، أخذوا يستعينون بالإنجليز عن طريق الاعتماد على مساعدة "جو بات" أسقف مدينة القدس 1846، الذي نصحهم بخطف مفاتيح الدير وملحقاته بالقوة ونفذوا ذلك في سنة 1850م.

ونتيجة لتصرف الأحباش الأهوج لجأ الأقباط إلى حاكم مدينة القدس، الذي شكل مجلس من كبار أعيان المدينة وكبار رجال الدين للطوائف الثلاثة الأرمن والأقباط والأثيوبيين، وانتهوا إلى إعادة مفاتيح الدير إلى الأقباط.
وشهدت الفترة ما بين عام (1850-1862م) هدوء وسكينة بين الطرفين، وساعد على استقرارها شخصية البابا كيرلس الرابع البطريرك رقم (110) (1854-1861م).
ولكن سرعان ما عادت الأمور إلى ما كانت عليه في منتصف القرن التاسع عشر، وخاصة بعد وفاة البابا "كيرلس الرابع " عندما أشاع الأحباش سنة 1858م شائعة بأن الأقباط سيبيعون دير السلطان للروس، بل الأكثر من ذالك قدموا التماس للدولة العثمانية تنفيذًا لرغبة قنصل انجلترا (Finn )، وقاموا كعادتهم بخطف مفاتيح الدير، واحتكما الأمر لصالح الأقباط وعادت المفاتيح إليهم سنة 1863م.
وزاد من قوة الأقباط وتمسكهم بحقوقهم عقد مؤتمر برلين في يونيو (1878م)، والذي أسفر عن عقد معاهد في يوليو من نفس العام لتسوية المسألة الشرقية برمتها، ونصت المادة( 62) من تلك المعاهدة على الحرية الدينية، وحق الطوائف في ممارسة طقوسها، وعدم الاعتداء على أملاكهم، وطوال هذه الفترة لم يكف الأحباش المقيمين بالدير عن مشاغباتهم للأقباط بالرغم من وجود المطران المتسامح "الأنبا باسليوس" الذي تنيخ في سنة 1899م بعد أن قضى 42عامًا مطرانًا للكرسي الأورشليمي.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق